الشيوعية الحديثة بخصائص صينية: زيارة إلى مهد الحزب الشيوعي الصيني

أجنادين نيوز / ANN
بقلم: مكي بادي،
نائب رئيس تحرير شبكة طريق الحرير الصيني الإخبارية. عضو الرابطة العربية الصينية للحوار والتواصل، والفرع الجزائري للاتحاد الدولي للصحفيين والإعلاميين أصدقاء وحلفاء الصين.
بينما تقترب الذكرى الـ104 لتأسيس الحزب الشيوعي الصيني، يصعب تصوّر أن ثلاثة عشر شابًا اجتمعوا يومًا في أحد أحياء مدينة شنغهاي عام 1921 لتأسيس حزب سيغدو بعد قرن من الزمن واحدًا من أكبر الأحزاب السياسية في العالم، وركيزة مركزية في مسيرة نهوض الصين الحديث.
في إطار زيارة أكاديمية ضمن وفد ضم 25 باحثًا من دول عربية مختلفة، منها الجزائر، وبدعوة من دائرة العلاقات الخارجية للجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني، سنحت لي الفرصة لتمثيل شبكة “طريق الحرير الصينية الإخبارية” بصفتي نائب مدير التحرير، وزيارة عدد من المعالم التاريخية، من أبرزها الموقع الذي احتضن أول مؤتمر تأسيسي للحزب الشيوعي الصيني في مدينة شنغهاي.
يقع هذا الموقع الرمزي في منطقة الامتياز الفرنسي، وهي واحدة من المناطق التي خضعت خلال تلك الفترة لاستعمار القوى الغربية، وفي مقدمتها فرنسا الاستعمارية، التي نعرف في الجزائر جيدًا وحشية ممارساتها وقمعها. في 23 يوليو 1921، اجتمع المؤسسون بسرية تامة في أحد المنازل لعقد المؤتمر التأسيسي. غير أن أحد العملاء التابعين للشرطة الفرنسية اقتحم الاجتماع، ما اضطر المجتمعين إلى المغادرة الفورية ومواصلة المؤتمر على متن قارب في بحيرة بمدينة جياشينغ بمقاطعة تشجيانغ. وبعد دقائق فقط، داهمت الشرطة الفرنسية المنزل وشرعت في التفتيش، لكن دون جدوى.
تُظهر هذه الواقعة حجم التحديات التي واجهت مؤسسي الحزب في بداياته. ومع ذلك، نجح الحزب الشيوعي الصيني في التحول إلى قوة سياسية واجتماعية فاعلة بفضل تلاحمه مع الشعب الصيني والتزامه بخدمة مصالحه. واليوم، يقود الحزب البلاد بثقة وثبات تحت قيادة الرئيس شي جين بينغ، الذي أعاد صياغة مفاهيم الشيوعية بما يتلاءم مع خصوصيات الصين الثقافية والحضارية، من خلال تبنّي “الشيوعية الحديثة ذات الخصائص الصينية”، ونظام اشتراكي منفتح ومتطور، مكّن البلاد من أن تصبح ثاني أكبر اقتصاد في العالم، وفاعلاً رئيسيًا في بناء عالم متعدد الأقطاب.
ومن أبرز تجليات اهتمام القيادة الصينية بإرثها السياسي والتاريخي، تحويل موقع الاجتماع التأسيسي للحزب إلى متحف وطني مفتوح للزوار، يعكس ملامح النضال الطويل الذي خاضه الحزب منذ تأسيسه. خلال زيارتي لهذا المتحف، الذي يعدّ شاهدًا على أكثر من قرن من الكفاح والتحوّلات، لفتني غنى الأرشيف الموجود فيه من صور ورسائل ووثائق أصلية، فضلاً عن تماثيل لشخصيات بارزة ساهمت في الثورة الصينية.
كما استرعى انتباهي وجود عدد من الوثائق باللغة الروسية، الأمر الذي أكد لي التأثير التاريخي للثورة البلشفية في بدايات انتشار الفكر الشيوعي داخل الصين، حيث لعبت دورًا ملحوظًا في صياغة الأسس النظرية والتنظيمية للحركة الشيوعية الصينية الوليدة.
وعند مدخل القاعة التذكارية للمؤتمر الأول، تتصدر مقولة صينية لافتة للانتباه: “لا تنسَ أبدًا سبب بدايتك، فعندها ستنجز مهمتك حتمًا”. تجسّد هذه العبارة الفلسفة الجوهرية التي يحافظ عليها الحزب منذ تأسيسه وحتى اليوم، وهي البقاء وفيًا للمبادئ، والالتزام بخدمة الشعب.
يتميّز المتحف بقاعة عرض تفاعلية ثلاثية الأبعاد تحاكي اللحظات الأولى من تأسيس الحزب، ما يجعل تجربة الزائر غنية ومؤثرة. وقد تحوّل هذا المكان بالفعل إلى معلم ثقافي وسياسي، وقلعة روحية لجميع المؤمنين بمسيرة الحزب الشيوعي الصيني.
وفي ختام هذه الزيارة التي جمعت بين التاريخ والتجربة الحيّة، يمكن القول إن الشيوعية الحديثة ذات الخصائص الصينية ليست فقط نهجًا سياسيًا واقتصاديًا، بل هي رؤية حضارية شاملة تستلهم الماضي، وتعمل من أجل مستقبل مشترك للبشرية.