رسالة

اجنادين نيوز / ANN

قصة قصيرة

بعد مرور عامين على رحيل زوجها أحمد المفاجئ، كانت نسرين لا تزال تجاهد لترميم شتات قلبها. فقد كان أحمد رفيق روحها، سنده في الحياة، ومصدر بهجتها. ترك فراغًا كبيرًا في حياتها، لم تتمكن الأيام ولا الأحلام من ملئه. عاشت نسرين وحيدة في منزلهما الهادئ، تسترجع ذكرياتهما المشتركة، وتتلمس أشيائه وكأنها تحمل دفئه.
في أحد الأيام المشمسة، بينما كانت نسرين ترتب مكتب أحمد الذي لم تجرؤ على لمسه منذ وفاته، عثرت على صندوق خشبي صغير عتيق مدسوسًا تحت كومة من الأوراق القديمة. لم تره من قبل. فتحت الصندوق بحذر، لتجد بداخله قلادة فضية قديمة، وبعض الصور الباهتة لأحمد في شبابه، ورسالة مطوية بعناية.
يديها ترتجفان وهي تفك طيات الرسالة، خط أحمد الأنيق يواجهها. “إلى حبيبتي نسرين”، بدأت الرسالة. “إذا كنتِ تقرئين هذا، فاعلمي أنني أحبكِ أكثر من أي شيء في هذا الكون. قد أكون قد رحلت، لكن روحي ستبقى معكِ دائمًا. هناك سر صغير أريد أن أبوح لكِ به، شيء كنت أخشى أن أقوله لكِ في حياتي، خوفًا من ردة فعلكِ. لقد خبأت لكِ شيئًا ثمينًا، ليس ماديًا بقدر ما هو معنوي، في مكان لم يخطر على بالكِ أبدًا. هو في…”.
توقفت الرسالة فجأة. الكلمات التالية كانت غير واضحة، متآكلة بفعل الزمن، أو ربما سقط عليها شيء جعل الحبر يتلاشى. “هو في…” تكررت الكلمات غير المكتملة في عقل نسرين مرارًا وتكرارًا. مكان لم يخطر على بالها أبدًا؟ ما الذي كان أحمد يحاول أن يخبرها به؟ وما هو هذا الشيء الثمين الذي خبأه؟
انقلبت حياة نسرين رأسًا على عقب. تحولت من حزن هادئ إلى بحث محموم. فتشت المنزل كل زاوية فيه، بحثت في الكتب، تحت الأثاث، داخل الجدران، في الحديقة. كل مكان يمكن أن يخطر على بال أحد، إلا أنها لم تعثر على أي شيء. أصبحت الرسالة لغزًا يطاردها. فقدت النوم، وبدأت تتصل بأصدقاء أحمد القدامى، تسألهم عن أي سر قد يكون أحمد قد أخبرهم به، لكن لا أحد يملك أي فكرة.
في إحدى الليالي، بينما كانت نسرين جالسة على أريكتها المفضلة، محبطة ويائسة، وقع نظرها على ساعة الحائط القديمة التي كانت هدية زفافهما. كانت ساعة فريدة من نوعها، مصنوعة يدويًا، تحمل نقوشًا معقدة. لم تكن مجرد ساعة عادية، بل كانت قطعة فنية بحد ذاتها. فجأة، شعور غريب انتابها. أحمد كان مولعًا بالأشياء التي تحمل معاني خاصة، الأشياء التي ليست بالضرورة ثمينة ماديًا، بل عاطفيًا.
اقتربت نسرين من الساعة. تذكرت كيف كان أحمد يحب إصلاحها بنفسه عندما تتوقف. نقرت برفق على إطارها الخشبي. سمعت صوت نقرة خفيفة لم تسمعها من قبل. تفحصت الساعة بدقة أكبر، ولاحظت وجود شق صغير بالكاد يرى في الجزء السفلي من الإطار. بحذر، حاولت سحب الجزء، لينفتح درج سري صغير مخبأ ببراعة.
داخل الدرج، لم تجد نسرين ذهبًا أو مجوهرات. بل وجدت دفترًا صغيرًا، مذكرات أحمد، مكتوبة بخط يده الجميل. لم تكن هذه المذكرات تتحدث عن أموال أو كنوز، بل كانت مليئة بالأفكار، الأحلام، قصص حبه لها، وتفاصيل صغيرة عن لحظات سعادتهما معًا، ولحظاتهما الصعبة التي تجاوزاها سويًا. وفي الصفحة الأخيرة، كانت هناك رسمة صغيرة لشجرة كانت تقع في حديقة منزلهما، وتحتها كلمة واحدة “جذور”.
خرجت نسرين إلى الحديقة في تلك الليلة المقمرة. وقفت أمام الشجرة التي طالما جلسا تحتها. بدأت تحفر برفق عند جذورها، قلبها ينبض بسرعة. لم يكن هناك صندوق أو شيء مادي كبير. بل وجدت قلادة أخرى، مطابقة للقلادة التي وجدتها في الصندوق الخشبي، ولكن هذه المرة، كانت القلادة تحمل نقشًا صغيرًا جدًا: “معًا إلى الأبد”.
لم يكن “الشيء الثمين” الذي خبأه أحمد كنزًا ماديًا، بل كان تذكيرًا بحبهما الأبدي، رسالة بأن وجوده لا يزال معها في كل مكان، وأن حبهما متجذر في أعماق روحهما. ابتسمت نسرين أخيرًا، ابتسامة امتنان ممزوجة بالدموع. فهمت رسالة أحمد الحقيقية: الحب هو الكنز الأغلى، وهو لا يموت أبدًا. استمرت المشكلة التي واجهتها في الرسالة، لكن حلها أتى على شكل إدراك عميق ومؤثر لمقدار الحب الذي تركه لها زوجها…..
ياسمين شكري الخيام

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى