النجمة

اجنادين نيوز / ANN
قصة قصيرة
في ليالي بغداد الهادئة، حيث تتراقص أضواء النجوم على صفحة نهر دجلة، كان سامر، الشاب الثلاثيني الغارق في عالم الكتب، يجد مواساته تحت سماء العاصمة. لم يكن كغيره من الناس؛ سامر كان يرى نجمة. نجمة فريدة، تظهر وتختفي، تتلألأ ببريق خاص لا يشاركه أحد رؤيتها.
في البدء، ظنها هلوسة، أو ربما إرهاق عينيْه من كثرة القراءة. لكن النجمة استمرت في الظهور. كانت تطل عليه من نافذة غرفته، أو ترافقه في مسيره على الكورنيش، أو حتى تومض من بين أغصان الأشجار في حديقة بيته. كانت هناك، وكأنها تنتظره، تراقبه. حاول سامر أن يلفت انتباه أصدقائه، أشار إلى السماء مرات ومرات، “انظروا! هناك! النجمة!”، لكنهم لم يروا شيئاً سوى الظلام المعتاد وبعض النجوم البعيدة المتناثرة. كانوا يبتسمون بلطف، يربتون على كتفه، وربما نصحوه بقسط من الراحة.
بدأ سامر يشعر بالوحدة. لم تكن هذه الوحدة ناتجة عن عدم رؤية الآخرين للنجمة فحسب، بل عن شعوره بأنه الوحيد الذي يملك هذا السر. أصبحت النجمة رفيقته الصامتة، صديقته السماوية. كان يحدثها في صمت، يشاركها أفكاره، وأحياناً شكواه من الحياة. كان يتساءل عن سرها، عن سبب ظهورها له وحده. هل هي رسالة؟ هل هي إشارة؟ أم مجرد خيال ينسجه عقله؟
مع مرور الأيام، أصبحت النجمة جزءاً لا يتجزأ من حياته. كان ينتظر ظهورها بشوق كل مساء، وحين لا تظهر يشعر بفراغ غريب. كان يراقبها وهي تتوهج، وكأنها تهمس له بأسرار كونية لا يدركها سواه. وفي إحدى الليالي، بينما كان يحدق فيها بعمق، شعر بدفء غريب يسري في قلبه.
سامر، الذي كرس حياته للقراءة والبحث، كان قد أصيب قبل سنوات بمرض نادر في عينيه، تسبب في ضمور تدريجي في عصب الإبصار. أخبره الأطباء أن بصره سيتدهور شيئاً فشيئاً حتى يفقده بالكامل. تلك النجمة، التي كانت تظهر له وتختفي، لم تكن سوى بقايا الضوء الأخير الذي كانت عيناه تستطيع التقاطه قبل أن تغرقا في العتمة الأبدية. كانت تلك الومضة المتكررة هي الومضة الأخيرة من بصره المتلاشي، التي لم يكن يراها سواه، لأنها كانت جزءاً من عملية فقدانه للرؤية، لا وجوداً مادياً في السماء. لقد كانت النجمة هي وداعه البطيء لعالم الألوان والأشكال، قبل أن يصبح عالمه كله ظلاماً.
ياسمين شكري الخيام