(مرآة الروح الشاحبة)

اجنادين نيوز / ANN
ياسمين شكري الخيام….. قصة قصيرة
كانت ليلى تقف أمام مرآتها العتيقة، تلك التي ورثتها عن جدتها، وتتأمل وجهها بتمعن. لم تكن هذه المرآة مجرد قطعة زجاج مؤطرة؛ كانت بالنسبة لها بوابة إلى ذاتها، مرآة تعكس ليس فقط الملامح، بل الروح أيضًا. في شبابها، كانت المرآة تعكس فتاةً نابضةً بالحياة، عينيها تلمعان بالفضول والأمل، وشعرها الأسود ينسدل كشلال. لكن اليوم، اختلف المشهد.
كلما نظرت ليلى، ظهر لها وجهٌ غير الذي اعتادت عليه. تزايدت الخطوط الدقيقة حول عينيها، وتعمقت التجاعيد عند زوايا فمها، وبدت بشرتها أقل إشراقًا. شعرت بثقل السنين يتجمع في كاهلها مع كل نظرة. لم تعد ترى تلك الفتاة التي كانت تملأ حياتها ضحكات ومغامرات، بل امرأةً يتقدّم بها العمر، وكأن المرآة تحاول إجبارها على رؤية حقيقة لم تكن مستعدة لتقبلها.
كانت كل نظرة إلى المرآة تدفعها إلى دوامة من الاكتئاب. تزداد شكوكها حول نفسها، تتساءل: “هل هذا هو مصيري؟ هل كل ما تبقى لي هو هذا الوجه الذي يذبل؟” أصبحت تتجنب المرآة قدر الإمكان، تغطيها بقماش داكن، أو تسرع في عبور الغرفة دون أن تلقي نظرة. لكن الصورة ظلت محفورة في ذهنها، تتبعها أينما ذهبت.
في أحد الأيام، وبعد ليلةٍ أمضتها في صراع مع أفكارها المحبطة، استيقظت ليلى وقد فاض بها الكيل. نظرت إلى المرآة بشجاعة يائسة، وصرخت: “كفى!” ثم وبقوة لم تكن تعرف أنها تملكها، أمسكت شيئًا ثقيلًا وضربت به المرآة. تحطمت المرآة إلى شظايا متناثرة، ومع كل قطعة زجاج مكسورة، شعرت ليلى بنوع من الراحة الغريبة. كأن حملًا ثقيلًا قد أُزيح عن كاهلها. انتهى الأمر، تحررَت من ذلك الوجه المحبط الذي كان يطاردها.
اكتشاف الصدمة: الحقيقة في مرآة أخرى
مرت الأيام، وعادت ليلى تستعيد جزءًا من حيويتها، تتجنب أي سطح عاكس، وتستمتع بحياة خالية من “وجه المرآة”. ولكن ذات مساء، دعتها صديقتها المقربة سلمى لزيارتها. وبينما كانت ليلى في حمام سلمى لتعديل شعرها، نظرت إلى مرآة كبيرة وواضحة على الحائط. تجمدت في مكانها.
ما رأته لم يكن الوجه الشاحب العجوز الذي اعتادته، كانت المرآة تعكس فتاةً نابضةً بالحياة، عينيها تلمعان بالفضول، وابتسامتها تحمل دفئًا وحكمة. كانت ترى ليلى التي تعرفها، ليلى بجمالها الخاص الذي لا يمحوه الزمن. شعرت بصدمة عميقة. كانت جميلة جدًا في هذه المرآة!
أدركت ليلى في تلك اللحظة أن المشكلة لم تكن فيها هي أبدًا. لم تكن في شيخوختها أو فقدان جمالها. المشكلة كانت تكمن في تلك المرآة القديمة التي كسرتها. لقد كانت مرآة مشوهة، مرآة تعكس الواقع بطريقة خاطئة، تظهرها أكبر وأقل جمالًا مما هي عليه بالفعل. كانت تلك المرآة هي السبب وراء كل اكتئابها وأحزانها.
عادت ليلى إلى صديقتها سلمى، وعيناها تلمعان بالدموع، لكن هذه المرة دموع فرح واكتشاف. “سلمى، لقد اكتشفت شيئًا!” قالت ليلى وهي تبتسم ابتسامة حقيقية لم ترسم على وجهها منذ زمن طويل. لقد تعلمت ليلى درسًا قاسيًا، لكنه ثمين: أحيانًا، تكون المشكلة ليست فينا، بل في الأداة التي نستخدمها لرؤية أنفسنا، أو في نظرة الآخرين التي قد تشوه رؤيتنا لذاتنا.
ياسمين شكري الخيام