ثعلب المعبد دارما

اجنادين نيوز / ANN
كلثوم الجوراني
في قلب وادٍ سحيق، حيث تعانق أشعة الشمس الأولى قمم الأشجار العتيقة، كان معبد قديم يقف شامخًا، يضج بالهمسات والصلوات. كل صباح، كانت أيادي النساء التقية تملأ وعاءً نحاسيًا كبيرًا بأطايب الفاكهة النضرة وقِطع الكعك الذهبي، ثم يجلسن حوله، تتلو شفاههن ترانيم خاشعة، وتتسامى أرواحهن في ابتهالات للإله. ومع حلول المساء، حين ينسدل ستار الظلام، كنّ يعدن إلى بيوتهن، تاركات خلفهن صمتًا يلف المكان.
كنتُ، أنا دارما، أرقب المشهد من بعيد، متواريًا في ظل باحة المعبد، تنتظرني لحظة الانقضاض. وما أن يختفين عن الأنظار، حتى أتسرب خلسةً إلى الوعاء، ألتهم الفاكهة والكعك بنهم، ثم أحتفظ بالبقية لأصدقائي المشردين الذين يشاركونني قسوة الشوارع.
في أحد الأيام، عادت إحداهن، فتاة سمراء كأنها نحتت من خيوط الشمس، ترتدي ثيابًا زاهية وتتزين بحلي ذهبية تلمع في ضوء الصباح. كانت عيناها تترقبان الوعاء بلهفة، لترى إن كان الإله قد قبل قربانهن أم أن غضبه ما زال يطوق المكان. وما أن وقع بصرها على الوعاء فارغًا، حتى انبعثت منها صرخة فرح، وسجدت للإله بقلب خاشع، شاكرةً له قبوله. ثم، في لحظة إجلال، خلعت إحدى قلائدها الذهبية الثمينة، ووضعتها في الوعاء كهدية لإلهها الذي استجاب لدعائها.
عادت الفتاة أدراجها، وخطواتها المتسارعة كانت تروي قصة عودتها لتبشير عائلتها بقبول القربان. راقبتها حتى غابت عن الأنظار، ثم دنوتُ من الإناء، يدي تمتد لالتقاط القلادة. ولكن، حين رفعتُ عينيّ إلى تمثال الإله، وجدتُه ينظر إليّ بصمت، وعيناه الثابتتان تحملان لومًا صامتًا، كأنما تتحدثان إليّ بلا كلمات:
“ألا يكفيك يا دارما أنك تأكل ما يُقدم لي من طعام وشراب؟ ألا يكفيك أنك تقتات على رزق أناس بسطاء، وفي المقابل تسخر منهم ومني؟ يا دارما، خذ القلادة، ولكن بشرط: أن توزع ثمنها على المشردين، لا أن تحتكرها لنفسك وتتنعم بها وحدك. أنا هنا، شاهد على سرقاتك، ويوماً ما سيحل عليك غضبي.”
ارتعش قلبي، وأخذت القلادة، وكما أراد الإله، فرقت ثمنها على المشردين، ليشتروا بها بعض الطعام الذي يسد رمقهم.
ولكن، مع مرور الأيام، ازدادت القرابين، وتكدست النذور. بدأت أتساءل: “وما شأني أنا وشأن مشردين لا يبحثون عن سبل الحياة كما أفعل أنا؟” تسلل الغرور إلى روحي، وصرتُ آخذ النذور والقرابين لنفسي فقط، لا أعطي منها شيئًا. شيئًا فشيئًا، تراكمت ثروتي، وأصبحتُ الكاهن الأوحد في ذلك المعبد الذي كان بلا كاهن، فقد مات الكاهن العجوز قبل وصولي بأيام.
أنا دارما، الكاهن اللطيف، الذي كاد أن يأخذ مكان الإله. فالقرابين لم تعد للإله وحده، بل أصبحت نذورًا وقرابين لي. بعضها كان هدايا بشرية، فذات يوم، قرأتُ تعويذة لسيدة، فشفيت من مرضها، وبعد أيام، أهدت لي ابنتها كخادمة لي وللمعبد، كأنها قربان بشري يُقدم لي، أنا، الكاهن دارما.