وداعاً رائد الاوبريت واغنية المعارضة..!

اجنادين نيوز / ANN

بقلم الإعلامي  عباس الفياض

غيب الموت في هذا اليوم أخي الحبيب الشاعر علي العضب بعد صراع مرير وقاسي مع المرض الذي عانى منه الكثير من الألم والتعب.
انحدر الراحل من عائلة بسيطة متوسطة الحال لم تملك الأملاك وأستمرت حياتنا الى سنوات غربتي نعيش مساكن ونتنقل بالأجار، دخل أبواب الكفاح السياسي وهو في ريعان عمره وأهدى الوطن عمره وأبداعه الثري . تعرض منذ شبابه الى الملاحقة والاعتقال، خصوصا ايّام انقلاب شباط ١٩٦٣ الأسود وفترات الردّة في السبعينيات وتم استداعه لسبب أختفاء وسفر أخوانه وهما د.محمد سعيد العضب وأنا عامر أبوكريم لسبب خروجنا من العراق ونشاطنا الأكاديمي والسياسي في الخارج.
عمل بهمة وحيوية في صفوف الحزب الشيوعي العراقي ، متنقلا من مهمة الى أخرى وفِي مواقع مختلفة. وبعد الهجمة الشرسة على حزبنا في أواخر ١٩٧٨ عمل الفقيد في التنظيم السري للحزب وكان خير مثال للمناضل والوطني الغيور. أستطاع إعادة جمعية الأقتصاديين العراقيين في البصرة وكسب أسترجاع مقرها وقاد نشاطها لسنوات طويلة.
كتب الشعر منذ نعومة أضفاره وتراثه غني عن التعريف وأستطاع أبنه تضامن اصدار أقراص لأغانيه الوجدانية والوطنية وديوان لأشعاره وأوبرتاته الرائعة .
بعد معاناة طويلة ومكابدة مع المرض لا يشعر بها إلا من عايشها ومن كان معه ،وبعد شهور عديدة من التعب والألم والأعاقة الجسدية التامة ، بعد توسّل كبير لتحقيق جزءاً من أعماله التي رأى بعضها النور وغاب عن كثيرها الأنوار…بعد صراع بين الأمل والتفاؤل وبين الحزن والهموم تفوق َّ القدر جاثماً فوق صدر أخي الحبيب وتركه يهيّم بعيناه للسماء ينظر بأحداق أحداها أخيه المرمي بالغيبوبة على السرير في النمسا ويرى بالثانيه لماضيه الثري وعطائه النابض المفعم وهو لا يستطيع حتى إحتضان أصغر أحفاده وحفيداته التي ربما كانوا سبباً لمقاومته مرضه اللعين أثر الجلطة الدماغية منذ شهر آب 2018م .
وُلد الشاعر علي العضب لعائلة بسيطة عام 1945م ، عائلة مُحبة للناس ومتحدّه بفعل تواضعها وتأثيرها الأجتماعي – كان والدنا عبد العزيز العضب وعمنا عبد المجيد العضب يتقاسمان بيتنا الأول قرب محكمة البصرة في محلة السيمر وكانت العائلة تمتلك من الوجاهة اكثر ما تمتلكه من المال . أستشهد أخينا محمد جواد العضب في العام الأخير من الحرب العراقية الأيرانية وتوفيّ أثر جلطة قلبية أخينا حسين العضب بعد مقتل إبنه الحلاق بسام بهجوم من الظلاميين في العراق سنة 2006م . بقينا نحن “أنا وأخي د.محمدسعيد” مصدراً لسعادته وتفكيره وأرتباطه العائلي وكان ينتظرني بفارغ الصبر زياراتي المتباعدة. سنحت لي الظروف بعد سقوط الطاغية في عام 2003م أن أتكرر سنويا ً تقريباً لزيارته وكنّا نختلي الفرص للقاء الروحي ونشعر بالسعادة الفائقة لماضينا وذكرياتنا ولبيتنا وأيام النشاطات الفنية والنضالية وكانت أخر زيارة لي هذا العام في شهر تموز وكان في حالة مؤلمة و يطلب مني أن اسمعه الشعر وأن أنشر له وكان متمسك بالحياة لأن روحه جميلة ولم يتوقف طموحه عن مشاريع لأنجاز أعمال جديدة يجسد بها نضال الفقراء والوطنيون من أجل حياة أفضل ومنها أوبريته الأخير ثورة الزنج .
علي العضب كان عمودنا الذي نتكأ عليه أيام محنتنا وكان خير معين لعائلة العضب جميعها ولم يدخر بالاً ولا مالاً إلا وقدمه للجميع … كثيراً من الأمثلة والمواقف التي تبناها لمساعدة أبناء وبنات عائلتنا الكبيرة (عائلة العضب) ونجح وحقق من خلالها نتائج مفيدة وتعجز الأسطر لأحتواها وذكرها ، كان واضحا وصادقاً وأميناً لتحقيقها ويدفع من محصوله وراتبه البسيط للتنقل بينهم واضعاً في جيوب أطفالهم والكبار منهم بعضاً من المال لمساعدتهم.
إنغمر في النشاط الوطني منذ نعومة أضفاره ومنذ أن كان في الثانوية تحلى بالحس الوطني وتبنى الى نهاية عمره قضية الوطن والشعب ، خفق قلبه بالحب الغامر لمدينته البصرة وشطّها ونخيلها وكتب عنها الكثير من الشعر والأغاني وكانت اغنيته الأولى الملحنة والتي يفتقد لها اليوتوب هي ” كهرّبْ يخلال عجراوي كهرب…متغاوي بحسنّك متغاوي كهرّب ” من أداء المجموعة .
في نهايات الستينيات كانت اشعاره تنشر في جريدة بصرية بأسم “كل شئ ” الجريدة التي يتقاسمها محبو الشعر والفن والغناء الأصيل. كان متقد النشاط وذو حس فطري حيث ينهال علينا في البيت بقصائده المغناة التي تداعب القلب والمشاعر وكان لكل واحد فينا نصيبه من الكلمات والقصائد التي حفظناها ونرددها عن ظهر قلب … كنّا نقف بطابور ماسكين أحدنّا الآخر صانعيين قطار البهجة والمرح في ساعات المساء لتعلوا أصواتنا بقصائده وأغانيه الجميلة.
علي العضب موهبة شعرية وأدبية فذّة ، لم يترك يوما واحدا في حياته ، إلا وان اهداه غناءاً وعملاً وحضوراً وحباً لبيته وحزبه وقضيته العادلة. جسّد بعفوية قصائد وجدانية وعائلية عن بيته وعائلته واخوانه الذي يفتقدهم ويتفقدهم دائما.
عاشر وترعرع مع جيل من الرواد الحقيقين الذين أفنوا سنوات حياتهم لقضية شعبهم ومدينتهم البصرة ومنهم أبو زيتون وأبو جماهيروهندال وأبو عادل الشايب والفنان فؤاد سالم والمخرج قصي البصري والملحن الكبير حميد البصري والفنان طالب غالي وتأثر كثيراً بالمناضل والكاتب القدير جاسم المطير وأخرين.

زر الذهاب إلى الأعلى