حقول الذاكرة

اجنادين نيوز / ANN
قصة قصيرة / ياسمين شكري الخيام
كثير من الناس من يفقد الأمل تمامًا نتيجة فشل في عمل ما بعد تلقّيهم الصدمة بعدم تحقيق ما خططوا له، والفشل هذا قد يكون مدعاة لتثبيط عزائمهم ، او ربما كان مدعاة لتحفيزهم وحثهم من جديد على بذل الجهد ونسيان الماضي وما يحمل من احداث حزينة كانت او محبطة للامال، بالاستناد الى مسارين، الأول هو أن يكون لصاحبه روحا وثابة وامل وتفاؤل ان القادم افضل على الدوام وهذا بطبيعة الحال دافع ومحفز للعمل والمثابرة ومحاولة مثابِرة ثانية لتحقيق النجاح، وربما تكرر الامر في هذه الحالة عدّة مرّات، أو ربما اخذه هذا الفشل الى التفكير العكسي السلبي اليائس الذي لا يحقق سوى الاستكانة والصمت وربما الخمول القاتل، وعدم النظر الى نصف الكأس الممتليء، وهذا نتيجة التفكير الخاطيء بل والعجز ربما الذي يساور بعض بني البشر، يكون الانسان فيه لا يرى الا ما تحت قدميه، وقد تسوقه قلة تجربته وعدم خبرته ودرايته في الحياة وبالتحديد الانطوائية او الانعزال الذي ينمي لديه التفرد بالر أي والاعتماد على قدرات الذات وان كانت خاطئة…
كثيرة هي الصعاب التي يمر بها الفرد في المجتمع ن وقد تشترك الناس في احيان كثيرة وبنسبة عالية بحالة او موقف واحد يقع تاثيره على الجميع، وسيكون له ردة فعل تنحى منحيين اثنين لا ثالث لهما اما ايجابي تفاؤلي واضح يدعو ويدفع الى التغاضي عن الحدث الذي كانت انعكاساته شديدة مؤثرة ومؤلمة على الفرد وحتى على مجاميع من ابناء المجتمع..
او العكس تماما وهو الطريق الاضيق والاقرب الى الظلام منه الى الشمس او النور، وهذا ما كان قد مر به مجموعة من مجتمعات بشرية على هذه الارض العامرة ومازالوا…
في ذلك اليوم العصيب والذي لابد من أن يتخذ فيه الانسان قرارا مصيريا له ولمن برعايته او تحت مظلة مسؤوليته ..
كان التفكير بما يجب اتخاذه فقيرا الى حد الانعدام، فاصوات المدافع وازيز الرصاص قريب جدا، ولا حول ولا قوة لتلك الفئات من الناس الا ان تتخلص من الموقف المريب الذي يقع تأثيره على العوائل التي خرجت للتو تاركة المدينة متسائلةوكأن لسان حالهم واحد، هل تبقى تحت اصوات المدافع والطائرات التي كانت تحوم في سماء المدينة! والحالة المزرية التي مرت بها المدينة ومازالت قائمة منذ ساعات الفجر الاولى، ام انها تترك كل شي ،الوالدين،الاهل ،البيت الذي طالما حلمت أن تعيش فيه بكل هدوء وطمأنينة واولادها! كل ما تملكه كان ذلك البيت، وكل ماكانت تتمناه هو ان تحتضن اولادها لكي ينشؤا كما ارادت وخططت لهم ، التفكير ياخذها بعيدا تارة، واخرى تفكير بالبقاء، لان الخروج من المدينة مجهول مصيره وهي التي ما اعتادت على ان تغادر بيتها في مثل هذه الظروف القاهرة، وبعد تفكير طويل شابه الياس مرة وقليل من تفاؤل مرة اخرى، وهي تمسك باولادها الثلاثة، قررت أن تلملم القليل وما تستطيع حمله من أمتعتها، وتترك كل شيء، لتأخذ أولادها وترحل الى مدينة اخرى اكثر امانا ربما، وهي التي لا تعرف الى أية مدينة ستتجه، وان عرفت فهي لاتعرف عنها سوى القليل ،
ولاتعرف مالذي ينتظرها هناك…
بعد ان حاولت جاهدة ايجاد واسطة نقل وباي شكل تكون، حتى ولو كانت بصيغة بدائية كحيوان مثلا تنتقل بواسطته الى خارج مكانها الذي اصبح على مايبدو ساحة معركة غير متوقع..و لكي تنفذ ببدنها وابنائها، كثفت من الاتصالات السريعة والمتنوعة حتى خلصت الى الحصول على سيارة بشق الانفس،،،
استقلت سيارة اجرة لا تعرف كيف ستدبر الامر فيما بعد! ليس مهما، المهم انها التي ستنقلها بعيدا عن مدينتها الى مكان سيكون السائق هو المرشد والدليل، وليس بالضرورة ان المكان هو نفس المكان الذ قررت باديء الامر وفكرت ان تذهب اليه، ربما لا يكون هو الذي تود الذهاب اليه مع أولادها الثلاث وتلك العجوز المسكينة التي أبت ان تتركهم واصرت على مرافقتهم فهم ابناء ابنها العزيز على قلبها،،
كانت تلك مخاطرة بحد ذاتها فالطريق طويل مملوء بالمجهول وبالخوف والمخاطر، وبعد أن سارت متوكلة على الله لاتعرف مالذي ينتظرها ويقينا ستكون في مواجهة الصعاب وهي كثيرة، بالاضافة الى متاهة الصحراء ووعورة الطرق التي سلكها السائق والذي لا تستطيع حتى سؤاله الى اين؟!
اجتازت السيارة بمن فيها حدود المدينة الشرقية متجهة الى الصحراء للابتعاد عن مصادر القتال ومصادر الشر التي هجمت فجأة على المدينة دون سابق انذار او خبر.. وبعد ان حل الظلام، واقتربت السيارة متوقفة عند منطقة قد خصصت للعبور مسبقا!..
جسر ضيق الممر، لم تره من قبل بل ولم تسمع عنه، ومنظر رهيب، لم تالفه من قبل…
الكثير من الناس هناك ممن سبقها بالخروج وترك كل ما يمتلك.. الوضع مزري جدا وصراخ الاطفال يعقد الامر، وتعب الجدة المسنة والكبيرة بالعمر يعقد الامر ،هؤلاء الذين تركوا أرضهم واهليهم وفروا كما نحن لمكان أكثر أمنا وسلامان لم يكونوا مجرمين او مطلوبين للعدالة وماهم حتى بمذنبين!!
قدر الله لها وابنائها والجدة المسكينة العبور…
توالت الأيام ، وكم كان الصمت يلف واقع تلك الانتقالة الغريبة المفروضة على العائلة وكثير من عوائل اخرى، لحظات نكتفي فيها بالسكوت والنظر والعزلة، فهناك في القلب حديث لكنه يتشح بالصمت ..
لا تصفه الحروف ولا الكلمات، وراء كل نظرة شاردة حكاية جميلة رغم الحزن الذي يعتريها، وأسماء لم ولن نحكي عنها شيئا..
في الدواخل ذكريات لا تموت أبداً.. إن لم نحكيها نحن .. سوف تحكيها الحياة يوما ما ..فمن حقول الذاكرة حصدت الروح حنينا بمناجل الشوق تارة، وتارة بماء العين ….
كم كانت الروح شقية حينما تسابق الوقت بما كان قد فرض وراء الأفق … و رسائل على أجنحة الليل ….
هكذا هي الحياة … تحمل في طياتها الكثير من الأقدار … حلم يتحقق …وحلم يتعثر … لقاء بلا موعد، وفراق بلا سبب ، لا البدايات التي نتوقعها ، ولا النهايات التي نريدها ، سبحان الله، لكنها تستمر رغم كل ذلك.. الحياة.. بحلوها .. ومرها، نبحث فيها بين زوايا العمر… عن ممرات نسرق منها لحظات لا تنسى…. لحظات يصمت فيها كل جدل وكل عتاب مرير…. نبحث عن لحظات نشتاق اليها.. مرت بذاكرتنا وتركت صوراً تأبى ان تغيب.. كلاهما باق في النفس لا يمكن الغاؤه من الذاكرة، ماكان مفرحا باق، وما كان حزينا شاقا باق هو الاخر…
كم كان دعؤنا ان نحفل كما باقي البشر بما يسعدنا، او اطفالنا على اقل تقدير …
****