التغيير … وحتمية التغيير صيحات التغيير لن تنقطع

اجنادين نيوز / ANN

ربان أعالي بحار أقدم
ضجر مرزوك عوده البدران
2022

المتابع مقالاتي وابحاثي في مجال التنمية والمجتمع، سبق وأن تناولت موضوع التغيير في النظام السياسي للدولة العراقية الحديثة وناقشناه من جوانب عديدة، بقصد التهذيب والتشذيب لما يناسب المجتمع العراقي ومن باب أهل مكة أدرى بشعابها، وذلك لأسباب أبرزها:
1. ان التغيير حصل من طرف أجنبي وبصيغة احتلال ومخالف لكل الأعراف والشرعية الدولية.
2. المحتل عمل على الغاء كل مفاصل وقوانين الدولة وأسس نظام اداري جديد وبأشخاص جدد.
3. الدستور والنظام السياسي كتب برعاية المحتل وبأيادي جاءت معه وليست لها اية خبرة بمتغيرات المجتمع العراقي، سوى انهم عراقيون فقط.
4. العمل على تغيير النظام من اشتراكي الى رأس مالي وبدون مقدمات.
5. العمل على نشر ما يسمى بالديمقراطية وعلى الطريقة الامريكية الانفلاتية والتي لم يعتاد عليها الشعب العراقي.
وبرغم من ان غالبية الشعب العراقي صوت على الدستور من غير أن يتعرف على تفاصيل بنوده من باب الخلاص من المحتل ولثقته بما يسمى بالأحزاب المعارضة كي تستلم قيادة الدولة، من بعد ظلم وجور نظام البعث البائد.
الا أن الأمور جرت على عكس ما كان يتوقع الشعب، فلم يرى شيء من الوعيد بل زادت المأساة المعيشية ولم تنتهي الحروب ولم ينعم المواطن بالأمن والامان، وما تعاقب الحكومات الا تطبيق لما تم الاتفاق عليه في اجتماعات معارضة الخارج وتوزيع الكعكعة.
نعم افاق الشعب بعد أن اعطى الفرصة وصبر على مضض فخرجت الملايين معترضة مطالبة بالتغيير. الا ان الأحزاب الحاكمة لم تعتني ولم تبادر بالتغيير، بينما اتيحت لها الفرصة تلو الفرصة سيما ولهم جمهور يساند ويقدر مدى خطورة وصعوبة المرحلة. ولربما حصل تراخي بسبب جائحة كورونا وقبلها ما تسبب للدولة بعد هزيمة داعش الا ان المرحلة الحاضرة لا تقبل التأجيل، فكثرت دعوات التغيير من كل جانب وصارت حديث الساعة وعلى كل المنابر….
ولعل التصريحات الأخيرة التي أدلى بها النائب فائق علي الشيخ يوم 6 تموز 2022 من على قناة دجلة الفضائية والتي تعنت الإعلامية سحر جميل بنفسها للذهاب أليه في مقر اقامته بالأردن للأهمية وبدعوى منه شخصيا … مفادها بأن هناك تغيير كبير، تسونامي سياسي، لا يبقي ولا يذر وكما وصفه أيضا بالقوة الجبارة التي لا يستطيع أحد من ردعها!
كما أنه حدد موعدها وكأنه يراها حقا!!!

وبعد …
دعونا نسأل:
1. لماذا التغيير … وهل التغيير أصبح حتميا؟
2. من الراغب بالتغيير … ومن سيتصدى للتغيير؟
3. من الذي يقوم بالتغيير وماهي الآلية المناسبة؟
4. ما هو مصير المخطط الأمريكي للعراق؟ وما نسبة تقدم تحققه؟
5. ماهي ردة فعل دول الجوار والمنطقة؟
6. لماذا الأحزاب الشيعية الحاكمة ترفض التغيير بكل اشكاله وكأنها تدافع عن النظام السياسي المرفوض من مجتمعاتهم نفسها … ولماذا لم تبادر هي بالتغيير؟
7. ما علاقة تشكيل الحكومة القادمة من التغيير … وما مدى تقبلها للجمهور الراغب بالتغيير؟
8. ماذا بعد التغيير؟

تصريحات النائب فائق الشيخ … بمأخذ الجدية

من غير التركيز والتحليل لشخصية النائب فائق الشيخ ولا نسأل عن نواياه … سواء كان جادا أم هزلا! … صادقا أم كاذبا … كان مشترك في التغيير أم مجرد ناقل للخبر … وطني أم عميل … يطمح بمنصب أم يبعد عنه شرار نار التغيير … يكشف مخطط أم يجهض التخطيط … يحذر الشعب أم يحثه على التغيير …
اذ لم يكن الشيخ الأول ولا الاخير الذي يدلي بهكذا تصريحات بل هناك الكثير من صرح علانية وطالب بالتغيير ولعل انتفاضة تشرين كسرت الحاجز واستطاعت ان تغير فعلا لكن لم يكن بمستوى الطموح، لافتقارها القيادات الواضحة وعدم تمثيلها في قبة البرلمان!
لكن المأسوف عليه بأن قادة المعارضة تعودت العمل في الخارج وطلبها التغيير بيد خارجية … فباتت نشاطاتها مكشوفة، وقوتها مستندة على ثقل تلك الدولة … فإذن لماذا هذه الضجة الإعلامية؟
بوادر التغيير باتت واضحة بالأفق القريب وتهيئة الجمهور لهذا الحدث الكبير أصبح ضرورة للتوجيه فلا شرار من غير نار، من خلال:
1. تشكيل أحزاب جديدة وانتظام فئات كانت مبعثرة جميعها تحمل شعار التغيير.
2. تحرك جهات باتجاه أمريكا وجهات دولية أخرى للمساندة والتأييد.
3. رفض شعبي كبير للأحزاب والقيادات الحاكمة وما يمثلها وامتعاض من تصرفات قياداتها في البلد.
4. من خلال الاعلام وبرامج التواصل الاجتماعي برزت قنوات تغذي وتدعوا للتغيير.
5. انتشار الاشاعات والحوارات المزيفة وبطريقة الاتجاه المعاكس والتي تدعوا للفرقة والنزاع والتسقيط.
فلا يخفى على احد تنوع نشاطات المعارضة العراقية للنظام السياسي الحالي بالداخل والخارج ومن أول يوم بعد السقوط 2003 فكان هناك حراك شعبي وطني رافض للاحتلال والطريقة التي نظمتها أمريكا واخرجتها على طريقتها الهوليودية وبدعوى الديمقراطية وحقوق الانسان, فكانت التصفيات الفردية والمجازر الجماعية والمفخخات في الطرقات والأسواق, وتلتها الحرب المذهبية ومن ثم القاعدة وبعدها دااعش ولم تخلوا الخيانة الوطنية في صفوف القوات الأمنية والقوى الدبلوماسية, وانعكست على المشهد السياسي نفسه للقوى الحاكمة فظهرت الانشقاقات الحزبية وتشظي الأشخاص بين المكونات الغير منسجمة وتكوين ائتلافات جديدة, وتغيير أسماء الأحزاب وتغيير الأهداف وحسب خطاب المرحلة.
اذن من السذاجة السياسية أن تمر علينا مثل هكذا تصريحات وبهذا الوضوح من غير التمعن بتفاصيلها والعمل على ما يفرضه الدين والوطن …
بالتأكيد هناك استعدادات خاصة للأحزاب الحاكمة لتلك المرحلة سواء بالموافقة أو الرفض وماهية الأساليب والإجراءات اللازمة لتخطيها بسلام!
لكن حديثنا سينصب للتوعية الجماهيرية للخروج بأقل الخسائر والنجاة بوطن آمن مزدهر.
لان مثل هكذا احداث تحتاج الى مقدمات لتهيئة الشعب واستثمار طاقاته فلنكن حذرين من الاشاعات وخطابات التسقيط والطائفية والاعلام الأصفر، والحذر كل الحذر من الوعود الوردية الكاذبة … والحذر كل الحذر من سلوك أسلوب الحرق والتدمير والاجهاض على ممتلكات الدولة لأنها ملك الشعب وليست ملك للأحزاب السياسية… حتى ولو كانت ولادة عسيرة الا أن الشعب ينتظر التغيير!

التغيير ضرورة اجبارية ملحة

1. كثير من السياسيين المنتفعين واتباعهم الذين على شاكلتهم، يتحسسون من كلمة تغيير ولا يسمحون لاحد تداولها … الحقيقة لهم مبرراتهم! وان كانت لا تنسجم مع التطلعات الوطنية! … الا ان هذه الكلمة أو هذا المطلب لا يعني بالضرورة الإطاحة والازاحة من المشهد السياسي، بل تعني التجديد والتطوير وتصحيح المسار … ففي أغلب دول العالم هناك فرق معنية بالتطوير والتجديد ولعلنا نسمع ببعض تسمياتها كما في الدولة العميقة، المنظرون أو المطورون.
2. التغيير ضرورة ملحة وحتمية، خاصة لبلد مثل العراق الذي شهد تاريخه السياسي والاجتماعي عدة حروب وانقلابات قادت الى عدم الاستقرار والدمار منذ زمن طويل خاصة للــ 50 سنة السابقة، التي اجهضت كل ما يمتلك المجتمع العراقي من مقومات القوة والترابط المجتمعي والتحدي، فتغيرت الفطرة الشخصية والهوية الوطنية وتشتت التوجهات وضاعت المدنية والتحضر، فلم يشهد العالم مثل ما جرى على الشعب العراقي … وانا أجزم لو تعرض مجتمع آخر غير المجتمع العراقي لتبخر وشطب من معادلة الحياة.
3. النظام البرلماني الجديد أثبتت الأيام عدم ملائمته لثقافة وتقاليد وممارسات المجتمع العراقي، لأسباب سبق وأن كتب بها الباحثون وتغرد بها الأكاديميون والمحللون فباتت واضحة للعيان بعد التجربة والبرهان، فأصبح مرفوضا شعبيا ودلالة ذلك في عدم مشاركة شريحة كبيرة بالانتخابات المبكرة الأخيرة بالرغم من انها جاءت نتيجة لاحتجاجات تشرين في التظاهرات العارمة المطالبة بالخدمات والتعينات والتغيير!
4. النظام السياسي البرلماني المطبق في العراق يعتبر نظام هش لا يمتلك الرؤية السياسية ولا الاقتصادية ولا وحدة القرار ولا وحدة جغرافية الوطن … أو بالأحرى أصبح منظومة لإنتاج الفاسدين وتوزيع خيرات ومصير العراق بين الفائزين، إذ أصبح العراق مرتعا للخونة والعملاء والجواسيس وبات القرار السياسي بيد عدد من دول لها تأثيرها ومطامعها فتطاولت دول الجوار على حدوده وسيادته ولم يعد أي احترام للشخص العراقي المسافر الى أتفه الدول التي كانت تستجدي يوما في بلد اسمه العـــــــــراق.
5. العملية الانتخابية باتت تنتج عناصر متخلفة ثقافيا وعقائديا لان المجتمع الحر ابتعد عن المشهد احتجاجا ورفعة … بحيث أصبحت المنفعة الشخصية هي المقياس سواء الولاء للطائفة او العرق والمذهب، وأصبح الخطاب الوطني والداعي لتطبيق القانون ونظام الدولة والتغيير الحقيقي هو المتهم بالكذب والنفاق السياسي وخداع الناس، فضلا إذا ما اتهم بنعات أخرى كالتخابر مع دولة اجنبية او الانتساب الى نظام البعث البائد!
السؤال الكبير المطروح هنا/ لماذا هكذا تصرفات ولماذا هكذا نتائج؟
هل استجابة واستسلام للمخطط الأمريكي المحتل؟
هل هناك جهل مركب، مطبق على نفوس الأشخاص الذين قادوا البلد؟
هل مثقفي العراق وغالبية المجتمع المعنيين بالتوجيه لم يعوا ما يحدث؟
ألم يصبح التغيير ضرورة إجبارية ملحة؟

التغيير الأسباب والتداعيات
سأطرح للنقاش بعض الأسباب الرئيسية التي تستدعي التغيير:
1. نظرية المؤامرة!
لربما الكثير يرفض هذه الجزئية ولا يعتقد او يقر بوجودها، لكن واقع الحال يؤكد ذلك مما يتسرب من تصريحات مسؤولة او غير مسؤولة او مما ينشر من أبحاث ودراسات لعلماء السياسة والاقتصاد والاجتماع والنفس للدول الامبريالية المهيمنة على المنطقة والعالم، فمنذ تاريخ قديم وشعوبنا العربية ترضخ لمخططات الاستعمار الأوربي وتسير وفق مخططات الغرب، وما هذه الأنظمة والتقسيمات الإقليمية الا من صنع وابتكار أفكار الغرب فهي الراعية والراسمة لمستقبلنا! ….. نعم هذه المؤامرات قد لا تجهض مشروع الامة ولا تغير جذريا مبادئ واخلاق هذه الشعوب سيما ونحن بصراع دائم معها، لكنها باتت مؤثرة ومسيطرة وقادرة على القرار السياسي، وكتم الأصوات الوطنية الداعية للتحرر وتغيير الواقع.
المؤامرات تحاك بأشكال مختلفة وحسب ما يقتضيه الحال، لكن مخطط التغيير يدرج منطقيا وفق ما تحقق من نتائج بعد أو أثناء التطبيق وما رسمته تلك الأبحاث من بدائل! بحيث تسير الأمور وكأنها طبيعية!
فهناك حكومات موالية تماما حتى النخاع، مقرة ومعترفة وتتباهى جهارا نهارا وأخرى عميلة تدعي الوطنية وتتناغم مع مخططات الغرب كلعبة القط والفار، وأخرى هجينة تدعي الوطنية وفق مبدأ سياسة فن الممكن!
ما يهمنا التركيز عليه بأن العراق تعرض لمخطط جهنمي قذر، طبق بحذافيره وبالفترة الزمنية المقررة، ولعله أصعب المخططات التي أعدها الغرب لقوة وتماسك المجتمع العراقي والاسرة العراقية وصعوبة فهم الشخصية العراقية والعمق التاريخي والثقافي والعقائدي …
ولا نريد ان نطيل في هذا الموضوع بالاستدلال والتحليل ولا نريد أن نقلب المواجع وننبش التأريخ، وانما سنضع أيدينا على الجرح العميق ولما حدث للعراق ما قبل وبعد الاحتلال الأمريكي 2003 وهو المهم والأكثر تشابها وتأثيرا بالحاضر وربطه بدعوات التغيير!
فمن السذاجة ان نعتقد بأن أمريكا خاطرت بجنودها وأموالها من أجل الديمقراطية في العراق، ومن السذاجة أيضا ان نعتقد بانها جيشت الجيوش بكامل قدراتها وحلفائها 33 دولة وبمشاركة دول عربية وإسلامية وكأنها حرب عالمية شاملة ومن غير ان تكسب الشرعية الدولية بعد سلسلة مراحل الانهاك السياسي والاقتصادي والمجتمعي!
للغير مطلع يعتقد بأن أمريكا جاءت لرغبات وطلبات المعارضة العراقية للخلاص من النظام الدكتاتوري المستبد الظالم المتمثل بالبعث الصدامي، وانما الحقيقة المرة أن فترة حكم البعث انتهت بعدما تحققت اغلب فقرات المؤامرة! … فاستوجب التغيير (من باب خافوا انفكاك قيودنا … فزادوا القيود بالأغلال) , ومن باب آخر الصفحات القادمة للمؤامرة هي الأكثر اثارة وتهديم للقيم والمبادئ وتفتيت أواصر المجتمع, فلعبت على الجانب النفسي وتوغلت تعمقا بالشخصية العراقية وجعلته يتصف بالازدواجية, وردة الفعل الغير مدروسة , كما ركزت على المرأة وعملت على إخراجها من عرشها … فانتشرت الرذيلة والمخدرات والقتل وحالات الطلاق والتجاوز الاسري والأخلاقي … فلم يعد هناك رمزا اسريا ولا إداريا ولا عشائريا ولا مذهبيا ولا سياسيا … فساحت الامة متخبطة بمغريات الشيطان باحثة عن منقذ! … فمنهم من هام بشخص الامام المهدي المنتظر وتوجه للصلاة والدعاء وسلم الأمور بيد الله وقدره، ومنهم من توجه صوب شخصيات دينية أو عشائرية يعتقد انها المؤهلة لقيادة الامة! …. الحقيقة المرة بأن الأنظمة السابقة أجهزت على قادة الامة الحقيقين وأفرغتها من الساحة حتى أصبح الخطاب السياسي يصل للقاعدة مباشرة، فتاهت بوصلة الجماهير الراغبة بالتغيير!
وتستمر المعاناة باستمرار المؤامرة والتدخل بالشؤون الداخلية والخارجية وليس من طرف واحد فقط بل من أطراف متعددة لان العراق أصبح الحلقة الأضعف بالمنطقة … وهو ما تصبوا اليه المؤامرة!
نستخلص مما سبق: لدواعي المؤامرة الا يتطلب التغيير!!!

التغيير الأسباب والتداعيات

2. النظام السياسي الجديد!
كان حلما للعراقيين الخلاص من حكم البعث وسطوته وما عاشوه من حروب وحرمان … فكانوا يتحسرون على واقعهم المزري المذل إذا ما قارنوا أنفسهم بالشعوب الأخرى التي تتمتع بنوع من الحرية والرفاه الاجتماعي، فكانوا يأملون خيرا بما يسمى بأحزاب المعارضة! وغيرهم كان يعول ويثق برغبات القوات الامريكية للإطاحة بنظام صدام حتى ولو اختلفت الرؤى … لكن سرعان ما تبدد الحلم وأصبح التغيير كابوس مرعب وضاقت الأمور وتاهت بوصلة العباد والبلاد!
والسبب الرئيسي بأن نظام البعث أفرغ المجتمع من الطبقة الوطنية القادرة على التغيير واستعادة الكفة والخلاص من المأزق الذي تسبب فيه حكم دكتاتور, مما جعل الشعب يعول على من تمثل بأحزاب المعارضة والثقة العمياء بهم، لكنهم أسلموا القرار لأمريكا في التخطيط والتصميم للنظام السياسي الجديد، والأخيرة لم تبذل جهدا الا أن طبقت نفس النظام السياسي الساري في لبنان، بعدما تأكدت من نتائج فشله في قيادة لبنان، مقابل إرضاء لرغبات أطراف ترغب بالسلطة وبحجة توزيع الأدوار على الثقل الجماهيري … فصممت دستور ملغوم بالظاهر يرضي الجميع وفي الباطن عقيم التطبيق، فعينت شخصيات ووزعت المهام والحصص!
والاسف والعتب على من ادعى الجهاد والنضال، ودفع ثمن جهاده ونضاله مزيد من الشهداء والمقابر الجماعية والحرمان والتشريد، بانه دخل ضمن هذه اللعبة القذرة ولم يصحح بل لم يكن له رؤية سياسية مستقبلية للتغيير، سوى الانقضاض على الاخر والاستحواذ على السلطة، وساروا على نفس خطى النظام البائد، فوضعوا حاجزا بين مجاهدي الخارج ومجاهدي الداخل، ولم ينفتحوا على المجتمع لكسب عناصر وطنية جديدة، ولم يطرحوا مشروعهم للامة سوى النهب والفوز بالمغانم, حتى خرجت الأمور عن مدركاتهم فصاروا هم والبلد في ضياع، بل الاغرب هم من يدافع عن هذا النظام الفاشل!
لذا أصبح التغيير مطلب شعبيا … وما تظاهرات تشرين الا انتفاضة عارمة رافضة للنظام السياسي قبل ان ترفض القيادات السياسية التي تصدت للمشهد فكان المطلب الرئيسي هو تغيير النظام أو تصحيح العملية السياسية. لكن السياسيين ركبوا الموجة وبإصرار تام ظنا منهم ان الشعب سيعود الى مخدعه بتحقيق مطلب او مطلبين! بعدما قطعوا على أنفسهم عهدا لتحقيق تلك المطالب… ولأسباب خارجية وداخلية مثل جائحة كورونا والازمة المالية بسبب مواجهة داعش، وغيرها، أمهل الشعب النظام السياسي. وعقد آمال على الحكومة الانتقالية المؤقتة، ومع ذلك زادت الفتنة، والشعب ينتظر خروج الدولة من الوضع الغير طبيعي والغير مستقر بعد اعلان نتائج الانتخابات المبكرة. ومع هذا وذاك لم تفرج الأمور بل زادت تعاسة حتى دخلنا باتهامات هدم نزاهة الانتخابات وتبعها انسداد سياسي أربك تشكيل الحكومة بعدم اتفاق القوى الفائزة، وانشقاق الكتلة الشيعية الأكبر، تبعها انسحاب نواب التيار الصدري الذي زاد من تعقيد المشهد، حتى أصبح البرلمان في حيرة من أمره فلا هو قادر على تشكيل حكومة ولا قادر على اقصاء التيار الصدري المعارض للحكومة والمتواجد في الشارع بكل قوة! ….. فالمطلب الشعبي لايزال مصر على التغيير!
3. الانتخابات:
تعتبر الانتخابات هي الحل الأمثل في تطبيق الأنظمة الديمقراطية وخاصة إذا ما كان النظام برلماني، على اعتماد غالبية الشعب على حظوة كبيرة من المستوى العلمي والوعي الثقافي والاقتصادي والسياسي، ولذلك نجد فعليا شعوب العالم المتحضر كاوربا وامريكا تختار ما هو مناسب لتمثيلها … لكن يا ترى هل الانتخابات لشعب مثل العراق تنتشر فيه الامية ومختلف الأعراق والديانات والثقافات، تعتبر (الانتخابات) هي الحل او التمثيل الأمثل لكافة شرائح المجتمع؟
حقيقة الامر وبعد التطبيق الفعلي للنظام أثبتت الايام غير ذلك، حيث افرزت الانتخابات عناصر ليست بمستوى المسؤولية وليس لها الدراية بالسياسة وقيادة البلد وفق معطيات عالمية ومحلية متغيرة، فخيبت أمل جمهورها وجعلت البلد في اول قوائم الفساد والتخلف! كما أفرزت العملية عناصر تابعة منقادة لقائد او رمز كتلتها، مسلوبة الرؤية والقرار فضلا كونها لا تحمل تجربة سياسية ولا مهنية بل كان اغلبهم من كان يطمح للشهرة والغنى! … بالمجمل شاعت خيبة الامل بين كافة أوساط المجتمع العراقي، حتى ضاعت فرص ثمينة لبعض العناصر الوطنية الكفوءة، فضلا عن امتناع الناس عن المشاركة، حتى أصبحت المشاركة مختصرة على اتباع الأحزاب والتي تقدر بأقل من ربع الناخبين! … الباقون يأملون التغيير!!!
فلم ينتبه المشرع العراقي او لربما عن قصد بان الشعب العراقي منهم من يتبع العشيرة ومنهم من يتبع المذهب او العرق، فضلا على المستوى المتدني من الثقافة السياسية والقيادة البرلمانية، فأفرزت الانتخابات شخصيات تختلف من دورة انتخابية الى دورة انتخابية اخرى وذلك حسب قانون الانتخابات الذي فصل تماما على رغبات الكتل الكبيرة، فكان منها الانتخاب على أساس القائمة المغلقة وبعدها القائمة المفتوحة، وبعدها تطبيق معادلة سانت ليجو، وبعدها سانت ليجو المعدل الذي ضيق الخناق على الأحزاب الصغيرة والقوائم الفردية. وآخرها نتيجة للضغط الجماهيري لانتفاضة تشرين ومطالبتها في الانتخابات المبكرة والانتخاب على أساس المناطق الانتخابية وعلى حساب مرشح لكل 100 ألف ناخب …
الغريب في هذا النظام لم يكن هناك قانون ثابت للانتخابات، بل كل دورة انتخابية يتم إقرار قانون جديد، وبالطبع القانون الجديد هو تحديث للقانون السابق لدعم الأحزاب الكبيرة المتنفذة وضمان بقائها في السلطة واقصاء الأحزاب الصغيرة والعناصر الوطنية … لعلهم كانوا يرسمون بان تشكل الدولة العراقية المستقبلية من حزبين كبيرين فقط وعلى غرار أمريكا ودول اوربا …
عجبي!!!
الا يستدعي الامر الى تغيير!!!

4. التوافق
بالرغم من عدم وجود مثل هكذا مصطلح بالدستور العراقي الا أن القائمين على العملية السياسية استحدثوه وخرجوا على الدستور فوضعوه عرفا سيئا بأسلوب المجاملة السياسية لكنه استمر وتعمق في كل مفاصل الدولة حتى أنتج المحاصصة، فأصبحت المحاصصة في كل شيء فوزعت الكعكعه على الأحزاب الفائزة … الامر الذي أدى الى اهمال الدستور والقانون والأنظمة الداخلية للدولة العراقية، وبات التوافق سيد الأعراف، حتى صنفت الوزارات الى سيادية وغير سيادية، ودوائر الدولة الى ربحية وغير ربحية، خدمية وغير خدمية … وكل بالطبع له ثمنه! بل صارت ملك لأفراد وشخصيات، وباتت حكرا بالتعيين والمقاولات والتعاقدات … فضاع الانتماء للوطن وأصبح الانتماء للحزب والقائد، واهملت التنمية حتى انحصرت على إنجازات الدعاية الانتخابية … ومع هذا وذاك والشعب يطمح بالتغيير ويلتمس الاعذار! والغريب أن كل الأحزاب المشاركة تستنكر التوافق والمحاصصة وتستنكر الفساد وتقر بالتقصير وتتبرأ منه وتنسب إنجازات الخير لنفسها إذا ما كانت هناك إنجازات أصلا! … وتتبادل التهم فيما بينها خاصة عند اقتراب فترة الانتخابات لتجييش ناخبيها وتحفيزهم للفوز مرة أخرى! … وعامة الناس تتفرج على اموالها تنهب وخيرات بلادها ينعم بها الأجنبي! … الا يستدعي هذا للتغيير!!!

من الراغب بالتغيير؟

1. الحقيقة المرة تظهر لو عرضت هذا السؤال على أي طرف سواء من الأحزاب الحاكمة أو الغير حاكمة … من جاء مع المحتل أو من كان مقاوما بالداخل … لكانت الإجابة … نعم نرغب بالتغيير! لكن لو امعنت النظر بالطرح لوجدت هذا التغيير المطلوب مشروط كل حسب رؤياه وتطلعاته، والتي بالغالب لا تلتقي بمشروع وطني واعد بل تلتقي بالتوافقية والمحاصصة كي يبقى الحال على ما هو عليه، أو الاستفراد بالسلطة! … وليذهب الشعب والوطن الى الجحيم! لان هذه الرؤى والتطلعات تختلف من حزب الى آخر … بمعنى لا وجود للمصلحة العامة كونها مبنية على الفائدة الشخصية والفئوية وتهميش الاخر … فلن يكلف نفسه بان يجد مخرجا لتوحيد أو استيعاب التنوع الطبقي والمذهبي، فهو أصلا غير مستعد للتضحية حتى لسن قوانين وطنية خالصة! بمعنى لا يحمل مشروع دولة!
2. عامة الجمهور الغير منتفع من العملية السياسية وهم الغالبية العظمى … الا أنهم لا يمتلكون أدوات التغيير، سوى انهم رافضون ومنكرون لما يجري، معبرون عن ذلك بطرقهم السلمية كالتظاهر الحضاري وعقدهم حلقات وندوات ثقافية او من خلال طرح أفكارهم من خلال الاعلام الحر وبحذر شديد كونهم فريسة ضعيفة لجميع الأحزاب الفارغة والنفسيات المهزوزة، فضلا إذا ما تم التعرض لفئة مسلحة ولها التواجد بالشارع من غير حرج!
3. المحيط الإقليمي … نعم هذا المحيط الإقليمي مختلف الاطوار، منهم من يتبع اسياده ومنهم من لديه الرغبة بالسيطرة والتوسعة ومنهم من يكره العراق حسدا وبغضا … وما العراق الا جبهة لهذه الاطوار أو عبارة عن منطقة انتقالية (رمادية)! لما يمتلكه من إمكانات وتنوع ثقافات … مثلا:
أ‌- إيران الإسلامية الشيعية! … ترغب بان يكون العراق تحت ولاية الفقيه أو دولة شيعية كونه الامتداد الطبيعي لشيعة إيران نفسها، ولما لديه من غالبية شيعية وتهديدات الطرف الاخر المنسجم مع المحور الامريكي الداعية لجعل العراق المواجه الوحيد للتمدد الإيراني … كما لإيران أهداف غير مخفية للسيطرة على المنطقة الامر الذي يتطلب التواصل من خلال العراق الى باقي الدول العربية مثل سوريا، لبنان وتطمح للولوج في السعودية والكويت أيضا من خلال العراق! فمن البديهي أن تسعى إيران وتشجع التغيير نحو حكومة اغلبية شيعية، لان استقرار وامتداد وقرار وحدة العراق من مهام الامن القومي الإيراني!
ب‌- السعودية الوهابية ومحورها! … باتت السعودية اليوم هي التي تقود العالم السني ولها تحالفاتها وخططها ونشاطاتها، ولعل اليمن أول تطبيقاتها … فهي أيضا راغبة بان تقضي على التمدد الشيعي الإيراني / العراقي بأي ثمن، سيما وجربت طالعها بأرسال ومساندة مقاتلي القاعدة وداعش … فأيقنت عدم تحقق ذلك الا بتسليم السلطة كاملة بيد قيادة سنية صريحة وكما كانت بيد المقبور صدام حسين.
ت‌- تركيا الاخوانية وحلم عودة الحكم العثماني! … الحكومة التركية الحالية بعدما انعمت بالاستقرار السياسي من خلال القضاء على المعارضة ومحاصرتها في جبال شمال العراق وتحويل النظام الى رئاسي، بانت توجهاتها التوسعية بمسك العصى من المنتصف! فهي إسلامية، مسيحية، علمانية! التحقت بحلف الناتو فكسبت قوة أكبر تحالف عسكري بالعالم، سمحت للتحالف نفسه باحتلال العراق في 2003 وجعلت من قواعدها منصات للهجوم على العراق، أقامت علاقات مع إسرائيل وسارت بخطى دول الخليج واسرائيل لغلق المياه عن العراق فأقامت أكثر من 564 سد على كل منابع المياه لتعطيش الشعب العراقي ومنعه من الزراعة والاكتفاء الذاتي كي ينصاع لأوامرها واعلنتها جهارا نهارا (مقابل كل برميل ماء = برميل نفط) … فهي ترى من خلال بوابة العراق الضعيف اقتصاديا وسياسيا وعسكريا ودوليا … المطالبة بثلاث محافظات عراقية، دهوك والموصل وكركوك وإلغاء معاهدة لوزان! والخلاص من حكومة كردستان الداعية للانفصال والاستقلال بدولة كردية تجمع أكراد إيران والعراق وسوريا معا، فنصبت نسفها الراعية للحقوق الإسلامية والداعية لعودة حكم الخلافة الإسلامية وتوحيد العالم الإسلامي تحت رايتها!
ث‌- إسرائيل وحلم الدولة من الفرات الى النيل! … بات هذا الحلم أن يقترب من التحقق الكامل من خلال المكاسب التي جنتها إسرائيل خاصة بعد احتلال العراق في 2003 وذلك من خلال تحييد دور العراق وجعله منشغل بنفسه بالإضافة الى مزيد من التشرذم والخروج عن جادة الطريق الداعي لتحرير فلسطين وانهاء بما يسمى بالكيان الصهيوني الغاصب لأرض العرب والمسلمين … فهي الراعي الأكبر لمخطط تدمير العراق, كونها تعلم جيدا بان قوة العرب والمسلمين من قوة وتماسك العراق وتعلم أيضا بان اسقاط دولتها سيكون على يد العراقيين, كما صرحت بها الكتب السماوية التورات, الانجيل القرآن … فهي تعلم جيدا صلابة وتضحية المقاتل العراقي, سيما وعقيدته بالأمام المهدي المنتظر وتعلم إمكانية العراق من الموارد المادية والبشرية وطاقات لا يمكن ان تنتهي … فحسب رؤيتها: يجب ان لا يكون استقرار في العراق ابدا , حتى لا يتم بناء الانسان الجديد المنعم بالوطنية الثورية والعمران والتقدم العلمي لبناء قدرة عسكرية قادرة على الدفاع والهجوم … فإذن التغيير مطلوب باستمرار وبصورة ملحة كي يتحقق الحلم اليهودي!
ج‌- أمريكا ومحورها الغربي! … ينطلق هذا المحور من جانب السيطرة الاستعمارية على العالم وتضييق المساحات على المحور الشرقي وجمع أكبر عدد من الحلفاء أو على الأقل تحييدهم من غير الميل للطرف الآخر المنافس لأمريكا، ومن باب آخر السيطرة على مصادر الطاقة والدعم الغير محدود لدويلة إسرائيل ربيبتهم ومشروعهم التوسعي بالمنطقة! … اذن الأهداف معلنة وواضحة ولعل هذا المحور ابتدأ بالعراق الأقوى بالمنطقة، لإيقافه عن دوره العروبي وأن يصطف مع المحور الأمريكي والا سيكون ساحة للتصفية مع الخصوم أو يقسم الى دويلات مذهبية يسهل انقيادها … فالتقت هذه الأهداف مع الأهداف الإسرائيلية ودول الخليج كي ينزاح كابوس سيطرة العراق ذو التاريخ العظيم الذي يستمد منه قوته وعنفوانه … فإذن التغيير مطلوب وعلى الطريقة الامريكية شاءوا العراقيين ام لم يشاؤوا!

من الذي سيتصدى للتغيير ومن لا يرغب بالتغيير؟

ليس بالضرورة أن يكون من لا يرغب بالتغيير هو من يتصدى للتغيير، فلنذكر وباختصار:
1. الذين لا يرغبون بالتغيير:
أ‌. الجماعات المستفيدة من الدولة والأحزاب سواء كانت حاكمة أم غير حاكمة.
ب‌. المواطنون المسالمون الذين تكيفوا مع الوضع ولا يطمحون بأكثر من ذلك.
ت‌. اليائسون والذين يحملون شعار مالنا والدخول بين السلاطين.
ث‌. الجبناء الذين يخافون المسؤول وسطوته وأمريكا وعظمتها.
ج‌. أطراف دولية وإقليميه، هدفها بأن يبقى العراق ضعيفا مهلهلا ومزيد من التفرقة والتهديم، خاصة من ابتدع برنامج الفوضى الخلاقة ومشروع الشرق الأوسط الجديد.
ح‌. الفاسدون بكل أطيافهم.
2. الذين سيتصدون للتغيير:
أ‌. كل الشخصيات والأحزاب التي ساهمت وتلوثت أيديها بالقتل والفساد والتشريد.
ب‌. العناصر الموالية لدول أجنبية.
ت‌. العناصر المستفيدة والتي تربعت على المناصب الرفيعة بالدولة، سيما التي كانت غير مؤهلة أصلا، سواء جاءت بالرشوة أو بالمحاصصة.
ث‌. العناصر المسلحة، سواء تابعة للدولة أو غير تابعة والتي لا تنسجم مع التغيير.
ج‌. العناصر المسلحة المنفلتة والعشائر، التي ليس لها بوصلة سياسية معينة.
ح‌. الأطراف الإقليمية التي لا تنسجم سياستها مع التغيير.
خ‌. أعداء العراق وعلى رأسهم أمريكا باعتبارها الراعية للعملية السياسية وستتمثل بالشرعية الدولية عندما يكون التغيير خارج عن مخططاتها ورغباتها.
اذن التغيير الوطني صعب أو شبه مستحيل!!! لكنه مطلب شعبي على أية حال!!!

من الذي يقوم بالتغيير، وماهي الالية المناسبة؟ وما حجمها بالساحة المحلية والدولية؟
1. الأحزاب والتيارات الوطنية:
أ‌. نعم تواجدها كبير وجمهورها عريض لكنها تفتقر للقائد الملهم والرؤية السياسية الحكيمة، ناهيك عن عدم امتلاكها مشروع دولة.
ب‌. لها أنصار مساندين بمفاصل الدولة، لكن غير منظمين.
ت‌. لا توجد لديها القوة المسلحة الكافية للوقوف امام المتصديين للتغيير.
ث‌. لن تحظى بالموافقة أو المعونة الدولية وحتى الإقليمية.
ج‌. مخترقة وستندس معها فئات من أحزاب معارضة، وأخرى بقصد اجهاضها أو الانقلاب عليها وسرقة جهدها.
2. الأحزاب والتيارات الحاكمة في الدولة والتي لها إمكانية التغيير وهما صنفان:
أ‌. الأحزاب التي تمتلك فصائل مسلحة.
ب‌. الأحزاب التي تمتلك مناصب رفيعة بالدولة، خاصة القضاء والقوات المسلحة.
هذه الأحزاب سوف لن تمتلك الشرعية الدولية، وبذلك ستكون هدف سهل لأمريكا والعالم!
الا ان هذه الأحزاب يمكنها التغيير الجزئي من خلال الدستور إذا ما توفرت لديهم الأغلبية أو من خلال الحكومة التنفيذية، إذا ما توفر لديهم وزراء ورئيس مجلس وزراء شجاع قادر على قيادة التغيير من خلال مفاصل الدولة الإدارية والسياسية وبتطبيق القانون بصرامة.
3. قوات خارجية:
أ‌. أمريكا/
على اعتبارها الدولة العظمى الوحيدة التي تتدخل وتتحكم بأنظمة العالم بشرعية وبدون شرعية وهي التي اسقطت النظام بالعراق عام 2003 وهي الراعية للنظام السياسي الحالي، فلم ينتهي مسلسل المؤامرة بعد، ولديها الحجج الكثيرة والامكانيات الكبيرة في التغيير أو مواجهة التغيير، فهي القوة الأعظم التي لا يستطيع أحد من ردعها! سيما وظروف السياسة الدولية تقتضي على أمريكا من الهيمنة على العراق أرضا وحكومة وشعبا من قبل أن يخرج من عباءتها وينظم الى المعسكر الشرقي أو يأخذ استقلاله التام!
ولعل تحرك أمريكا ومحورها الغربي بهذه الجدية هي التي دعت النائب فائق الشيخ وغيره من الادلاء بهكذا تصريحات داعية للتغيير!
ب‌. قوات دول الجوار/ المتمثلة في السعودية وتركيا وإيران
هذه الدول يمكنها التغيير من خلال دعم عناصرها وإمكانيات توغلهم بمفاصل الدولة العراقية، ولن تتأخر أو تتهاون باجتياح العراق أو على الأقل، تغيير نظامه السياسي بالطريقة التي تناسبهم وذلك عندما يكون هناك فراغ سياسي دولي!
وهذا الظرف سوف يكون مهيئ عندما تنشغل أمريكا ومحورها الغربي بحرب عالمية مع روسيا أو الصين ومحورهما الشرقي!
صور احتمالية التغيير

1. تغيير الأحزاب الحاكمة/
– بالرغم من احتماليته الضعيفة لعدم الانسجام وصعوبة الاتفاق وتعدد القيادات وانفضاح الاسرار، الا انه محتمل جدا لوصول العملية السياسية الى طريق مسدود ونهايات غير محمودة قد تطيح بهم جميعا! الامر الذي يلزم اجتماعهم وتوحدهم من اجل النجاة وعدم الاستسلام، الا ان هذا التغيير لن يرضي الجمهور المعارض ذو الاغلبية الكبيرة، سيما إذا ما تم تدوير نفس الوجوه واستقرت على نفس النظام ونفس الدستور وكررت التوافقية والمحاصصة، سيما وأغلب عناصرها اتسموا بحب الدنيا وجمع الأموال والمنفعة الشخصية ناهيك عن ملفات فساد والبيروقراطية. فضلا عن انهم لا يمتلكون الرؤية البعيدة لقيادة الدولة ولا طرق التغيير الحقيقية، خاصة وهم يخافون من الزحزحة السياسية ويخشون المجازفة بمستقبلهم السياسي وبأيديهم.
– مهما عملت هذه الأحزاب فان الجمهور والمعارضة سوف لن يقنع وسيعتبر هذا التغيير كمناورة للخروج من المأزق، حتى ولو استعملت أسلوب التناحر والتراشق السياسي أو المذهبي، كما استخدمته في البدايات الأولى للدورات الانتخابية السابقة … وكما جربت بتغيير قانون الانتخابات لكل دورة انتخابية فكان العائد لصالح تلك الأحزاب الكبيرة.
– الاحتمال الآخر الصعب التحقيق وهو اتحاد هذه الأحزاب ضمن جبهة موحدة تحدد قادتها وترسم مهمتها وتكون مخرجاتها مقبولة للجميع وبدون تردد أو اعتراض، مع اخذ المبادرة بالتصحيح الوطني الحقيقي للمسار السياسي من دون النظر الى هذا الجانب أو ذاك مع شطب جميع الاتفاقات القديمة بخصوص قرارات المعارضة قبل السقوط وما تلته من التوافقية والمحاصصة، والعمل على تطبيق القانون فقط! وعزل النظام السياسي عن هيكل الدولة وهيمنة المتنفذين من الاحزاب! ((مستحيل جدا جدا جدا))
– من مزايا هذا التغيير:
أ‌- بانه يجنب الشعب ويلات مراحل التغيير كونه حاصل من داخل النظام نفسه.
ب‌- سوف يكون مقبول للشرائح العامة للخلاص من الواقع باي صورة.
ت‌- لا يحتاج الى شرعية دولية، باعتباره تصحيح للعملية السياسية.
ث‌- سوف ينهي عقد الانصياع الى المحتل والدول المجاورة.
ج‌- إمكانية تصفية الدولة من الفاسدين وحسب القانون.
ح‌- الحفاظ على ممتلكات الدولة ونظامها على عكس التغيير الجذري الذي لا يبقي ولا يذر.
خ‌- إمكانية بناء الدولة والنهوض بالتنمية ووضع العراق في مكانته الدولية التي يستحقها.
2. الانقلاب المسلح/
– للتحدث عن هذا الاحتمال يقودنا الى تصنيف القوات المسلحة، فاذا أملنا التغيير على القوات المسلحة العراقية التابعة الى وزارة الدفاع فهذا الاحتمال غير وارد أصلا لكن سأناقشه لأنه متداول مع عامة الناس وما يعول عليه بعض شرائح المجتمع التي لا ترى ضوء في نهاية هذا النفق المظلم الا وايقاده من قبل الجيش العراقي الباسل!
– مرورا بتاريخ العراق الحديث ودول عربية كثيرة نجد المنقذ الأخير للمشهد السياسي هو الجيش الوطني، كونه يحمل عقيدة الحفاظ على الخريطة الجغرافية وكرامة شعبه، والسبب يعود كونها الوحيدة القادرة على حمل السلاح وبشرعية الدولة نفسها وبكل انواعه وصنوفه، أيضا كونها منظمة إداريا ولوجستيا ولها القدرة الثقافية والحنكة السياسية للمضي بإدارة الدولة.
– الواقع الحقيقي للقوات المسلحة تم تنظيمها بطريقة المحاصصة واختيار عناصرها بالبيروقراطية، بمعنى ارتباط أو ميل أغلب عناصرها للأحزاب والمذاهب والطوائف، فأصبحت الوطنية جانبا! لذا لا يعول على هؤلاء بالتغيير!
– القوات المسلحة تحتوي على رؤوس هرمية كثيرة لإصدار القرارات والاوامر وبحلقات منفصلة غير مركزية، بمعنى انها ليست تحت قيادة موحدة، وهذا الامر سيؤدي الى التمرد وعدم الانصياع لقادة التغيير أو مواجهة بعضهم لبعض!
– اغلب تصنيفات القوات الأمنية هي من صنيعة أمريكية وتحت قيادة مشتركة، فهي مخترقة، وإذا ما كان لابد من التغيير فان القرار الأمريكي يكون جاهزا لإجهاضه في ساعته.
– أي انقلاب مسلح إذا ما تم سوف لن يحظى بشرعية دولية، من باب حقوق الانسان والانقلاب على الديمقراطية والدخول في دكتاتورية العسكر!!! وبهذا سوف يكون نظام منعزل عالميا، فضلا إذا ما رتبت أمريكا تحالفا جديد للإطاحة به، بمعنى احتلال جديد وتطبيق اجندة جديدة تكون مطابقة لما يجري من أحداث حول العالم، خاصة بعد احداث الحرب الروسية/ الأوكرانية، والتصعيد الصيني لاجتياح تايوان، فضلا عن تداعيات أخرى لمأساة جديدة للشعب العراقي غير محسوبة عواقبها.
الذين يعولون على الحشد الشعبي أو يحثونه للتغيير أو يستميلونه لجهة معينة، يعتبر أمرا مستبعدا للقبول، كون هذا القرار سيؤدي الى تدمير وانفكاك الحشد! وهذا ما تتمناه أمريكا ومحورها، كي يتم الانقضاض عليه وانهاء اسطورته البطولية العقائدية في حفظ وحدة وتماسك العراق، حيث انه يعتبر الحصن الأخير لحفظ وحدة وكرامة الشعب العراقي … مع العرض انه يتبع الى فتوى المرجعية وليس للقيادات التي تترأسه! فأي تحرك بهذا الصدد يجب أن يكون بعلم المرجعية والا سيتسبب الى انقسامه على نفسه وتهديد وجوده!!!
3. تداعيات الانسداد السياسي/
– لربما يطول أمد الانسداد السياسي وعدم التوافق بين الأطراف الفائزة لتباعد رؤاها أو كراهية بعضها للبعض، فلا يمكن أن يبقى الحال الى ما لا نهاية فإنهم سيرضخون بالنهاية الى ضغوطات الشعب الثائر أو سيحتكمون الى حكومة انقاذ وطني، مع استبعاد عقد انتخابات مبكرة جديدة لأنها ستؤول الى ما آلت اليه، سيما وانه يخلو من المخرج القانوني والدستوري.
– حكومة الإنقاذ الوطني سوف تكون فرصتها ضعيفة بالتغيير لأنها بالتأكيد ستتشكل من قوى الأحزاب الكبيرة وستنطلق أعمالها من ترسبات الماضي السياسي الذي لا يرضي الشعب ولا الأحزاب المعارضة. لكنها ستكون باب آمن لجعل إدارة الدولة بيد القوات الأمنية عند عجزها في التغيير المطلوب، لان قياداتها موالية لتلك الأحزاب، أو لربما تكون سببا لاستقلال بعض المحافظات المطالبة بإقليم والمرشح الأول استقلال إقليم كردستان وإعلان انفصاله عن الدولة، واقليم الانبار أو اقليم سني ولا يستبعد من إقامة إقليم الجنوب أو اقليم البصرة.
– الاحتمال الاخر وهو تعيين رئيس وزراء مستقل بكابينة وزارية مستقلة أو شبه مستقلة، لكنها تعمل بنفس سياقات وآليات النظام السياسي الحالي، وهذا الاحتمال بالرغم من صعوبة تحقيقه الا انه سوف يكون انتحار سياسي للمستقلين وخسارة قواعدهم الشعبية لان هذا النظام هو من يصنع الفاسدين حتى ولو كانوا وطنيين شرفاء وهذا ما لوحظ للدورات البرلمانية السابقة! ثم أن كل الأحزاب الفائزة سواء لها تواجد في البرلمان من عدمه، ستقف بمواجهة هذه الحكومة، ليس بقصد تقويمها بل بقصد افشالها وتسقيطها.
– اذن مهما كانت مخرجات حلول وتداعيات الانسداد السياسي فهي غير مجدية، سواء تم تطبيق الدستور أم تم التجاوز عليه، فما هي الا كسب مزيد من الوقت لعل الله يحدث بعد ذلك امرا!!!
وبذلك أصبح التغيير ضرورة ملحة لابد منها!!!
سيناريوهات محتملة

1. نتيجة طبيعية بعدما وصل الحال الى ما هو عليه وافتضاح أمر كل المشتركين بالعملية السياسية ومطالبة الشعب بالتغيير حتى أصبح أمرا محتوما، لذلك ستلجأ الأحزاب المهيمنة على المشهد، ولربما تتقاسم الادوار لإجهاض مشروع التغيير وذلك بطرق استعراضية ومشاريع كلامية، توهم الجمهور!!! بانها تمثل قادة التغيير للخلاص من الفساد وأنها هي الوحيدة القادرة على التغيير (دولة القانون ولا قانون، حكومة أغلبية ولا أغلبية، تصحيح الدستور ولا دستور، دولة مدنية ولا مدنية، …)، وعلى هذا الأثر يتم ترحيل المشاكل على أمل الظرف القادم لعله يكون قادر على الحل! بينما تتراكم المشاكل وبذلك يصعب حلها والخروج منها! وسرعان ما ينكشف أمرها، ويكتشف الجمهور انخداعه فتبقى حتمية المطالبة بالتغيير قائمة!
2. خروج انتفاضة شعبية عفوية عارمة واعتصام مفتوح تنهي عمل الدولة تماما، وانتشار الفوضى حتى يصبح صوت السلاح أعلى من كل الأصوات، فيلجأ القضاء الى فرض الاحكام العرفية ويسلم الملف بيد القوات المسلحة، بعد أن يضع خارطة طريق ترضي الجمهور المنتفض للخروج من المحنة.
3. الطرف الخارجي وطرقه المتنوعة التي لا يمكن التكهن بها كونها تطبخ بمطابخ الموساد & CIA ودول الجوار!!!!!
مع هذا وذاك … التغيير قائم لا محاله، فعلى الشعب العراقي الأبي، تحمل مسؤوليته كاملة.

المقترحات

إذا أردنا التغيير الوطني الحقيقي وبصدق فالنختار أحد هذه المقترحات:
1. طرح مشروع جديد للدولة يناسب تشكيلة المجتمع العراقي وليس استنساخ نماذج جاهزة، كما يتم تطبيقه حاليا، وترك الموضوع مفتوح أمام ابداعات الساسة الوطنيون.
2. مشروع دولة مدنية تحتكم للقانون والأنظمة الداخلية فقط ولا فرق بين عربي وكردي ولا بين شيعي وسني ولا بين مسيحي وأيزيدي الا بالتنافس الشريف.
3. ترميم العملية السياسية وإعادة كتابة الدستور بأيدي وطنية صادقة.
4. نتيجة لتنوع المجتمع العراقي واختلاف ثقافاته، كونه ينسل من بقايا دولة عظمى وحضرات عريقة، تعودت على الحكم الفردي ابتداء من العشيرة وانتهاء بأعلى هرم السلطة، فيعتبر أفضل الأنظمة هو حكم العسكر على أن يضبط بدستور وقانون مدني يتساوى فيه الجميع! ولنا بالنظام المصري اسوة حسنة!
5. وإذا كان ولا بد من استمرار هذا النظام وبنفس الكيفية وعلى نفس الدستور والتوافقية … فليكن انتخاب رئيس الجمهورية بالمباشر من الاخوة الاكراد، ورئيس مجلس النواب بالمباشر من الاخوة السنة، ورئيس الوزراء للمحافظات الشيعية … ولرئيس الوزراء الحق بتشكيل حكومته وما على البرلمان الا المراقبة والتقويم … وبنفس الهيكلة لاختيار المحافظين والقائممقاميات والنواحي الإدارية … أما المدراء العامين ووكلاء الوزرات فيتم تعيينهم حسب سلم التسلق الوظيفي على شرط ان لا يتجاوز مكثهم بالمنصب على سنتين فقط.
والله ولي التوفيق

إقليم البصرة … والتغيير
لن تنتهي التظاهرات الجماهيرية في هذا الجو المشحون بمختلف التوجهات السياسية والوطنية وستعم أغلب المحافظات وستنتشر الفوضى بفضل تواجد الطرف الثالث والرابع والخامس, فبوادر التغيير لائحة في الأفق لا محالة, فلن تهدأ الجماهير, وستزداد كثافتها وتنوعها للأشهر القادمة سواء تشكلت الحكومة أم لم تتشكل, نخشى ان تفقد هذه الجماهير صوابها, سيما وأغلبها خرج بشكل طوعي, عفوي, ومن أعمار ليس لها خبرة بالحياة, ومن غير توجه سياسي فلربما تخرج الأمور عن السيطرة حتى تتجاوز الجماهير حدودها السلمية فتعتدي على ممتلكات الدولة العامة وعلى كبار موظفيها. وبهذا ستسقط هيبة الدولة، وستعجز العاصمة من إدارة الدولة، وتصبح الأمور بيد الثوار، ولعدم توحدهم فستسير الأمور بغوغائية وقد تطول الفترة الزمنية بمعنى ستتوقف فعاليات الدولة ونشاطاتها وستنهار دوائرها وخدماتها.
البصرة ليست بعيدة عما يجري في بغداد وليست أنعم بالخيرات والترف عن باقي المحافظات، فهي أكثر المحافظات تعرضا للظلم والجور مقابل ما تساهم به في بناء الدولة وهيبتها. كما أن الشعب البصري معروف بامتلاكه روح ثورية إسلامية وطنية عارمة، لذا أغلب الثورات والانتفاضات كانت تنطلق شرارتها الأولى من البصرة، فهي ليست بعيدة عن الحراك الشعبي الراغب بالتغيير المنشود وليست بعيدة عن التحركات والجهات السياسية والوطنية اليس وهي مبادرة لمغازلة أهل البصرة للانجرار والانضمام الى جمهورهم وتحركاتهم، ربما للاستفادة من زخم اندفاع وقوة أهل البصرة، مما يمتلكون من وسائل ضغط مادية ومعنوية على الدولة من حيث الموانئ والنفط والمنافذ الحدودية.
اذن يجب ان ينتبه الشعب البصري الثائر الراغب بالتغيير الى هذه المقاصد من غير السماح لقادة التغيير الامتطاء على اكتاف الشعب البصري من غير نيل مكاسب للتغيير الحقيقي الذي يطمح به الشعب البصري للخلاص من التهميش والظلم.
لذا يتطلب التكاتف بين الأحزاب والكتل البصرية الحرة واحتواء العشائر البصرية الاصيلة وجمعها تحت هدف واحد وهو حماية البصرة وابعادها عن شبح التدمير والتهميش ونهب خبراتها وخيراتها، بدعوى التوزيع العادل للثروات ولا عدالة في الامر!!!
كما اوصي القيادة المركزية في البصرة سواء من إدارة محلية او قيادة عمليات او الشرطة المحلية توحيد قواهم واستيعاب العشائر البصرية الاصيلة في سبيل عزل المحافظة عما يجري والحفاظ على ممتلكات الدولة وتوجيه الحراك الشعبي نحو العاصمة لأنها تمتلك مصدر القرار، كم ادعو السيطرة على التحركات المغرضة الهادفة الى تدمير البنى التحتية المتواضعة التي أنعمت بها البصرة مؤخرا.
ففي حالة سوء الوضع وعدم الاستقرار السياسي في العاصمة وخروجها عن السيطرة من غير أخذ مبادرة وطنية للتغيير! وهو السيناريو المتوقع وعلى غرار ما حدث في سيريلانكا. فينبغي على الإدارة المحلية في البصرة أخذ القرار الشجاع بعزل البصرة والتصرف كأنها اقليم مستقل اسوة بإقليم كردستان، وذلك للحفاظ على سلمية أهل البصرة وعزل القوى التي تتقاتل من أجل السلطة والمال وابعادها عن الساحة البصرية.

الربان/ ضجر البدران
2022

زر الذهاب إلى الأعلى