طريق الحرير.. ماضي العراق الاقتصادي المشرق مع جمهورية الصين الشعبية… الجزء الثامن

اجنادين نيوز  / ANN

باسم حسين غلب / كاتب وصحفي ، عضو نقابة الصحفيين العراقيين ، رئيس تحرير صحيفة البصرة الثقافية،  معاون مدير قصر الثقافة والفنون أحد تشكيلات وزارة الثقافة العراقية

في المقال الأخير (السابع)، تطرقنا إلى موضوع الفقر في العراق والبنى التحتية المتهالكة وكذلك الربط السككي مع دول الجوار واهميته الاقتصادية ، وكيف يمكن ان يساهم هذا المشروع في انعاش الاقتصاد العراقي. وتوقفنا كذلك عند عدد من التساؤلات بشأن غياب الحضور العراقي عن قمم ومؤتمرات اقتصادية مهمة، برعاية صينية ، وبينا كذلك مدى اهمية تلك المؤتمرات عالميا، من الناحية الاقتصادية.
في هذا المقال سوف نفتح الملف الأبرز الأهم في الموضوع الاقتصادي ( الاستثمار والتنمية الوطنية) في ضوء المتغيرات الدولية، والتوجه العالمي نحو آفاق اقتصادية مشتركة ، لما لهذا الملف من انعكاسات على الشأن الداخلي العراقي وكذلك على العلاقات الدولية، ونعني به ملف (طريق الحرير الجديد)، وكيف يمكن أن يكون العراق بلد فاعل في نجاح الصين للعبور نحو أوربا .
لكن قبل التوقف عند ملف طريق الحرير (عراقياً)، لابد من القول : ان السبب الرئيس وراء تعثر العراق في تطوير البنى التحية يعود إلى الفساد المالي والاداري المستشري منذ عام 2003م وإلى يومنا هذا . هذا الملف لا يختص بوزارة بعينها أو مؤسسة دون اخرى بل ضرب البلاد من اقصاه إلى اقصاه ، ولو خيرنا في فتح اي من الملفات ، لكان ملف وزارة الكهرباء ، احد ابرز تلك الملفات، ناهيك عن ملفات وزارة الصحة والتعليم والتجارة و…الخ .
ملف الفساد في وزارة الكهرباء ، يغني عن الحديث عن باقي الوزارات . والدليل ، ما اكده نائب رئيس مجلس النواب العراقي، في تصريحات اعلامية عام 2020م بالقول : ” ان المبالغ المصروفة على الكهرباء وحسب الجداول التي اطلع عليها شخصياً ضخمة جداً لا تتناسب وحجم معاناة المواطن ومأساته المستمرة طيلة السنوات السابقة من ترد وانعدام للطاقة الكهربائية دون معرفة الأسباب الحقيقية ” (1).
ايضاً لجنة النفط والطاقة النيابية، أشارت في تصريحات صحفية سابقة إلى أن ” الأموال التي صرفت على وزارة الكهرباء منذ 2005 وحتى الآن بلغت أكثر من 62 مليار دولار دون أي تحسن في ساعات التجهيز . ” (2)
ملف الطاقة كما هو معلوم تتحكم فيه، اضافة إلى ايران وموقف الأخيرة يرتبط بتسديد ما بذمة العراق من دوين مالية، تخص الطاقة الكهربائية. تلعب الولايات المتحدة الأمريكية دور رئيسي و المتحكم الضاغط في عموم شؤون البلاد من الألف إلى الياء، خاصة ملف الكهربائية . ففي موضوع الطاقة الكهربائية ، كمثال بسيط على ما ذكرناه، ما كشف عنه الكاتب الأمريكي (سايمون واتكينز)، في تقرير اعده ونشره موقع (أويل برايس) ‘يقول فيه : ” يتجاوز الطلب على الطاقة في العراق خلال فصل الصيف قدرات التوليد المحلية، والأسوأ من ذلك أن هذا الأمر قادر على التسبب في اضطرابات شعبية كبرى بالبلاد، ويبدو أن انقطاع الكهرباء المتواصل كان أحد دوافع الاحتجاجات واسعة النطاق التي اندلعت مؤخراً في جميع أنحاء العراق” (3)
.إذا الولايات المتحدة، تلعب دور كبير في تحريك أو استقرار الشارع العراقي، من خلال ملف واحد فقط ألا وهو الكهرباء ، ناهيك عن الملفات الخدمية الأساسية الأخرى . الدليل على ذلك ، ما صرح به ، رئيس البنك التجاري العراقي (فيصل الهيموس) في وقت سابق إلى وسائل الإعلام ما نصه : ” البنك سوف يتوقف عن التعامل مع صفقات الغاز الإيراني إذا لم تمدد الولايات المتحدة الإعفاء. وسيؤثر هذا على مدفوعات الكهرباء البالغة 1400 ميجاوات و28 مليون متر مكعب من الغاز الايراني، والتي يحتاج لها العراق للحفاظ على بنيته التحتية الرئيسية لفترة من الوقت” (5) . العراق يواجه مشكلة في فصل الصيف ، نتيجة ارتفاع الطلب على التيار الكهرباء خلال هذا الفصل تحديداً ، وهو السبب وراء تحريك الشارع العراقي الذي يطالب بتحسين الطاقة الكهربائية في عموم البلاد خاصة مدن الجنوب، من خلال التظاهرات عارمة ، يسقط فيها عدد غير قليل من القتلى والجرحى، خاصة في مدينة البصرة التي تصل فيها درجات الحرارة إلى أعلى مستوى لها، مما يثير غضب واستياء الشارع العراق. هذا ما اكدت عليه وشخصته ايضاً

الوكالة الدولية للطاقة التي أشارت إلى أن ” (الأوضاع ستسوء أكثر بسبب نمو عدد سكان العراق بمعدل يزيد على مليون شخص سنوياً، حيث من المتوقع أن يتضاعف الطلب على الكهرباء بحلول عام 2030. مصدر مقرب من وزارة النفط الإيرانية أخبر موقع (أويل بريس) ، أن العراق أكد مراراً وتكراراً للولايات المتحدة أنه لايمكن أن يحافظ على فعاليته دون إمدادات الغاز والكهرباء الإيرانية، حتى يجد بديلاً واقعاً ” (5)
اعتماد العراق على الغاز الإيراني ، أحد اسباب الفساد الإداري والمالي في ملف الطاقة ، إذ ان العراق، بمقدوره توفير هذه المادة، دون الاعتماد على الجانب الإيراني، من خلال ” توقيع مذكرة تفاهم مع كونسورتيوم أمريكي بقيادة هانيويل ، لخفض معدل حرق الغاز الحالي في العراق بنسبة 20% تقريباً . وستقوم شركة هانيويل، بالشراكة مع شركة أمريكية أخرى ثقيلة الوزن، وهي
Bechtel
وشركة الغاز الحكومية المملوكة للدولة لبناء مركز للغاز . في المرحلة الأولى، ستعمل على معالجة ما يصل إلى 300 مليون قدم مكعب من الغاز يومياً في 5 حقول نفطية جنوب العراق.” (6)
بالعودة إلى الذاكرة العراقية ، المواطن العراقي يتذكر جيداً بعض التبريرات المضحكة لبعض من تولى مهام ادارة وزارة الكهرباء في السنوات السابقة ممن شخصوا خلل عدم استقرار التيار الكهربائي، إلى تشغيل السخانات الكهربائية دون الحاجة لها. وقد جاءت تلك التصريحات في فصل الصيف مما اثار سخرية وانتقاد الشارع العراقي. ويتذكر المواطن العراقي، تصريحات الوزير الشهرستاني، للقناة الرسمية (قناة العراقية)، من أن العراق ، سوف يصبح بمقدوره تصدير الكهرباء إلى دول الجوار .وهو تصريح اثار سخط الشارع العراقي وسخريته في وقتها . تصريحات وتبريرات وتعهدات، كثيرة صدرت من مسؤولين كبار في الدولة العراقية ، بعظهم من هم بمستوى رئيس وزراء والبعض الآخر بمستوى وزير ، ناهيك عن مسؤولين بمستوى محافظ ورئيس مجلس محافظة.
يبقى الحل الأمثل بالنسبة للمواطن العراقي، في التخفيف من معاناته ، هو اللجوء إلى الاشتراك في المولدات الأهلية، التي يرى إنها الخيار الذي لابديل عنه، ربما للسنوات العشر القادمة على اقل تقدير، بالرغم من السلبيات الكثيرة التي ترافق هذا الخيار أو البديل عن الطاقة الوطنية في حل هذه الأزمة المزمنة.
على اية حال يبقى القول : أن ملف الخدمات، من أهم الأسباب التي حركت الشارع العراقي الغاضب، وهو السبب وراء الاطاحة بحكومة عادل عبد المهدي ، والمجيء بالكاظمي كخيار بديل لامتصاص غضب الاحتجاجات التي عصفت بالمدن الجنوبية. قبل ان نغادر ملف الخدمات (الطاقة الكهربائية)، ستكون لنا أكثر من وقفه ، نسلط فيها الضوء على الاتفاقية العراقية الصينية، وإمكانية دخول العرق ضمن مشروع طريق الحرير الجديد، . كذلك نتعرف على المردودات الإيجابية للاتفاقية العراقية / الصينية .
لكن السؤال الذي يحتاج إلى إجابة شافية ووافية في موضوع العداء الأمريكي للصين والصراع القائم : هل العراق يعتبر محور أساسي في هذا الصراع ؟ سنحاول الإجابة على هذا التساؤل في مقالاتنا القادمة .
يتبع

المصادر :

(1) ، (2) جريدة المدى / العدد (4727) الأثنين / 20 / تموز 2020 ص 3 سياسة
(3) جريدة المدى / العدد (4609) – الأربعاء / 12 / شباط / 2020 ص 4 محليات
جريدة المدى / العدد (4607) – الأثنين / 10 / شباط / 2020 ص 6 آراء وأفكار (4)
(5) جريدة المدى / العدد (4609) – الأربعاء / 12 / شباط / 2020 ص 4 محليات
(6) جريدة المدى / العدد (4607) – الأثنين / 10 / شباط / 2020 ص 6 آراء وأفكار .

زر الذهاب إلى الأعلى