الزلازل الصامتة في طريق الحرير: فالق البحر الميت وتهديد سلاسل التوريد بين الصين والأردن

أجنادين نيوز / ANN

د. عائده المصري، عضو الاتحاد الدولي للصحفيين والإعلاميين اصدقاء وحلفاء الصين، فرع الصين.

بينما تمضي الصين قدمًا في تنفيذ مشروع الحزام والطريق بوصفه مبادرة القرن، تتسارع وتيرة التحركات الجيوسياسية والاقتصادية لتأمين المسارات البرية والبحرية العابرة للدول. غير أن الأرض التي تمر فوقها تلك الطرق — بما تحمله من تصدعات وصمت جيولوجي — تظل عاملاً غير مفعل بالشكل الكافي في معادلات التخطيط الاستراتيجي. وفي هذا السياق، يبرز الأردن ليس فقط بوصفه نقطة عبور سياسية مستقرة، بل أيضًا كأرض تقع على أحد أخطر الفوالق النشطة في الإقليم: فالق البحر الميت التحويلي (Dead Sea Transform Fault)، الممتد من خليج العقبة جنوبًا إلى جنوب لبنان شمالًا، والفاصل بين الصفيحة العربية وصفيحة سيناء.

هذا الفالق يُعد أحد أكثر المناطق نشاطًا زلزاليًا في شرق المتوسط، حيث تسجّل مئات الهزات الأرضية سنويًا وفقًا لبيانات هيئة المسح الجيولوجي الأمريكية (USGS, 2023). وتشير دراسة علمية منشورة في مجلة Natural Hazards (Al-Tarazi et al., 2021) إلى أن مناطق رئيسية في الأردن، مثل عمان والزرقاء وسحاب والعقبة، تقع ضمن نطاق تأثير مباشر لأي نشاط زلزالي متوسط أو كبير على طول الفالق، مما يجعلها عرضة لمخاطر جديّة في البنية التحتية والتنموية. ويعيد زلزال العقبة عام 1995، الذي بلغت قوته 7.3 درجات على مقياس ريختر، إلى الذاكرة حقيقة أن الأرض قد تفرض شروطها في لحظة غير محسوبة.

وعلى الرغم من هذا الخطر المعروف، لا تزال خطوات التخطيط الحضري المقاوم للمخاطر محدودة. تقرير حديث صادر عن لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا (UNESCWA, 2022) دعا بوضوح إلى دمج تقييمات المخاطر الجيولوجية في خطط التنمية العمرانية في المدن العربية ذات الكثافة السكانية العالية والموقع الزلزالي الحساس، كعمّان والزرقاء. وبينما تتخذ بعض الأطراف الإقليمية خطوات فعلية، فإن إسرائيل – على سبيل المثال – بدأت بنشر تحذيرات مبنية على ما تسميه “زلزال الألف عام”، كما ورد في تقارير إعلامية واسعة النطاق نشرتها الحياة نيوز ووكالة عمون في 2024، تدعو فيها إلى إعادة النظر في نمط التوسع العمراني في المدن الإسرائيلية الواقعة على خطوط الصدع.

في المقابل، يعاني الخطاب العربي من انقسام واضح بين التهويل الإعلامي من جهة، والإنكار المؤسسي من جهة أخرى. وقد قدم مركز “معًا” الفلسطيني في عام 2023 نموذجًا متوازنًا، بدعوته إلى قراءة علمية هادئة للبيانات الزلزالية بعيدًا عن التوظيف السياسي أو الإثارة العاطفية، مؤكدًا الحاجة إلى تحمّل مسؤولية علمية ومجتمعية في التعامل مع المخاطر الطبيعية.

في هذا الإطار، يجب إعادة النظر في آليات تنفيذ مبادرة الحزام والطريق في الأردن من منظور جيولوجي ذكي. فالموانئ التي يجري تطويرها، والطرق التي تُمد، والمناطق الصناعية التي تنمو — خصوصًا في العقبة وسحاب والزرقاء — جميعها بحاجة إلى إعادة تقييم هندسي مقاوم للكوارث. سلاسل التوريد لا تضمن مرونتها فقط عبر الكفاءة التشغيلية، بل عبر قدرتها على التعافي بعد وقوع حدث زلزالي حرج.

وإذ تروّج إسرائيل لنفسها كميناء آمن في المنطقة، خاصة عبر مشروع ميناء حيفا الذي تديره شركة صينية، فإن الأردن – إذا ما فعل إمكاناته الفنية والمؤسسية – يظل المرشح الأفضل لأن يكون شريك الصين اللوجستي المستقر. ولتحقيق ذلك، من الضروري تأسيس مركز أردني–صيني مشترك لتحليل المخاطر الزلزالية على مسارات التجارة والبنية التحتية، إلى جانب دمج مؤشرات النشاط التكتوني في جميع مشاريع التنمية الإقليمية الكبرى.

إن التحالفات الكبرى لا تُبنى فقط على المصالح الجيوسياسية، بل على معرفة دقيقة بطبقات الأرض. والزلازل لا تُعلن عن نفسها قبل أن تضرب، لكنها تترك أثرها واضحًا فيمن استعد لها، ومن غفل عنها.

زر الذهاب إلى الأعلى