الصين ومفاتيح المستقبل: كيف تقود بكين ثورة التحول نحو رفاهية الإنسان؟

أجنادين نيوز / ANN

بقلم المهندس : غسان جابر – مهندس و سياسي فلسطيني – قيادي في حركة المبادرة الوطنية الفلسطينية – نائب رئيس لجنة تجار باب الزاوية و البلدة القديمة في الخليل، عضو الاتحاد الدولي للصحفيين والإعلاميين والكتاب العرب أصدقاء وحلفاء الصين

في عالم يسير بخطى متسارعة نحو المستقبل، تقف الصين في مقدمة الركب، لا كمصنع عالمي فحسب، بل كمركز تحوّل عميق يعيد صياغة حياة الإنسان في مجالات الصحة، الطاقة، النقل، التعليم، والصناعة. إنها ثورة صامتة، لكنها عميقة الأثر، تدفع بالبشرية نحو أنماط حياة أكثر رفاهية، ذكاء، واستدامة.

▪︎ السيارات الكهربائية: من بكين إلى كل العالَم

لم تعد الصين مجرد لاعب في سوق السيارات، بل أصبحت اللاعب الأكبر في صناعة السيارات الكهربائية، من حيث الإنتاج، التصدير، وحتى الابتكار. شركات مثل BYD وNIO وXpeng باتت تُنافس “تسلا” عالميًا.

كما تقود الصين بناء شبكة ضخمة لمحطات الشحن الكهربائي داخل مدنها وخارجها، ما يُسرّع من نهاية عصر البنزين ويؤسس لمستقبل أخضر، نظيف، وأقل ضوضاءً.

▪︎ الطاقة الشمسية والهيدروجين: الطريق إلى مدن نظيفة

تمتلك الصين أكثر من 40٪ من إجمالي القدرة العالمية للطاقة الشمسية، وتصنع أكثر من 80٪ من الألواح الشمسية في العالم. ومع توسّعها في إنتاج الهيدروجين الأخضر، وتطوير البطاريات المتقدمة، لم تعد الصين تهدف فقط للاكتفاء الذاتي، بل لتصدير نموذج جديد من الطاقة النظيفة.

وفي ظل انخفاض تكاليف الإنتاج وزيادة كفاءة التخزين، فإن البيوت الصينية باتت تُنتج وتخزن الكهرباء خلال النهار، وتعيد بيعها للشبكة – نموذج طاقة لا مركزي يُبشّر بعصر جديد.

▪︎ المدن الذكية والتعليم والصناعة 4.0

تُعد مدن مثل شينزن وهانغتشو نماذج حية لـ”المدن الذكية”، حيث تُدار الخدمات عبر أنظمة ذكاء اصطناعي، وتُراقب حركة المرور، والنفايات، واستهلاك الطاقة بلحظات واقعية.

أما في مجال الصناعة 4.0 – وهو مصطلح يُشير إلى الجيل الرابع من الثورة الصناعية – فقد قادت الصين التحول إلى المصانع الذكية المعتمدة على الروبوتات، وإنترنت الأشياء، والبيانات الضخمة.

ويُعد هذا الجيل الصناعي نقلة نوعية تختلف عن الثورات السابقة، إذ تعتمد فيه المصانع على الأنظمة الرقمية ذاتية التعلم، لا على القوى البشرية وحدها.

في موازاة ذلك، يستند التعليم في الصين إلى الرقمنة والابتكار، حيث تُدرّس البرمجة والروبوتات في المراحل الأساسية، مما يُنتج أجيالًا قادرة على مواكبة التغير، بل وصناعته.

▪︎ ثورة الرعاية الصحية: ذكاء اصطناعي في خدمة الجسد

الصين تُعيد رسم مشهد الطب الحديث عبر مشاريع مثل جهاز Tricorder – أداة ذكية تُستخدم عبر الهاتف لتحليل مؤشرات حيوية من الدم والتنفس وشبكية العين، وتقديم تشخيص طبي دقيق خلال دقائق.

إلى جانب ذلك، تعتمد المستشفيات الذكية على الروبوتات في العمليات، وتستفيد من الذكاء الاصطناعي في التشخيص، لتقليل الخطأ الطبي وتسريع الخدمة وخفض التكلفة.

▪︎ من صدمة كوداك إلى دروس المستقبل

كما تسببت الكاميرا الرقمية بانهيار شركة كوداك، فإن الصين تدرك أن من لا يُواكب الموجة سيغرق. ولهذا فإن استراتيجيتها واضحة: الابتكار أولًا، والاستثمار طويل الأمد في المستقبل.

▪︎ الصين لا تسابق الدول.. بل تسابق الزمن

قلق الغرب من “الصعود الصيني” مشروع، لكنه لا يجب أن يتحول إلى رهاب. فالصين لم تأتِ لتغزو، بل لتقود ثورة في الحياة نفسها. رفاهية الإنسان، كفاءة الموارد، الحفاظ على البيئة، دمج التقنية بالحياة اليومية – هذه ليست شعارات، بل سياسات تنفيذية فعلية في بكين وشنغهاي وسائر المدن.

▪︎ الختام: من يتأخر عن القطار الرقمي.. يبقى في الماضي

المستقبل ليس لمن يملك الموارد، بل لمن يعرف كيف يستخدمها. وفي هذا السباق، تبدو الصين وقد مدت السكك الحديدية لعالم جديد.
ويبقى السؤال مفتوحًا أمامنا جميعًا:
هل نراقب الصين من بعيد؟ أم نبادر للتعلّم منها، ومواكبتها، وربما في يومٍ ما، منافستها؟

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى