*طريق الحرير ودور الصين في التنمية الدولية*

أجنادين نيوز / ANN
الاستاذة الدكتورة خديجة عللي المختصة بالعلاقات العربية الصينية، عضو الإتحاد الدولي للصحفيين والإعلاميين والكتاب العرب اصدقاء وحلفاء الصين فرع المملكة المغربية.
تعتبر الصين لاعبًا رئيسيًا على الساحة الدولية، ليس فقط كقوة اقتصادية كبرى، بل أيضًا بوصفها محركًا رئيسيًا للتنمية في الدول النامية وهذا الدور ياتي بفضل التخطيط الجيد للقيادة الصينية، أحد أبرز تجليات هذا الدور يتمثل في مبادرة الحزام والطريق، المعروفة أيضاً باسم طريق الحرير الجديد، وهي مشروع عالمي طموح أطلقه الرئيس الصيني “شي جين بينغ” في عام 2013، بهدف تعزيز الروابط التجارية والاستثمارية والثقافية بين الصين والعالم، خاصة مع الدول النامية.
طريق الحرير: من الماضي إلى الحاضر
يعود أصل “طريق الحرير” إلى آلاف السنين، وكان شبكة من الطرق التجارية التي ربطت الصين بآسيا الوسطى، والشرق الأوسط، وأوروبا. لعب الطريق دورًا بارزًا في التبادل التجاري والثقافي بين الشرق والغرب، إذ لم يقتصر على نقل السلع مثل الحرير والتوابل، بل ساهم في نقل الأفكار، والديانات، والتقنيات.
في العصر الحديث، سعت الصين إلى إعادة إحياء هذا الطريق ضمن استراتيجية شاملة تُعرف باسم “الحزام الاقتصادي لطريق الحرير وطريق الحرير البحري”. تشمل المبادرة إنشاء بنى تحتية عملاقة، مثل الموانئ، والطرق، وخطوط السكك الحديدية، والمطارات، ومحطات الطاقة، في أكثر من 150 دولة.
الصين كقوة تنموية عالمية
تستخدم الصين طريق الحرير الجديد هدفا لتحقيق المنفعة المتبادلة والربح للجميع دون فرض قيود او شروط وهذا ما عزز من الصداقة بين الصين ودول العالم وانشد الثقة المتبادلة بينهما كأداة وساهم بشكل كبير خصوصًا في البلدان التي تعاني من ضعف البنية التحتية ونقص التمويل. توفر الصين التمويل والمقاولات والخبرات الفنية، مما يمنح تلك الدول فرصًا حقيقية لتحديث قطاعاتها الحيوية، وتنشيط اقتصاداتها.
وقد أنشأت الصين لهذا الغرض مؤسسات مالية مثل البنك الآسيوي للاستثمار في البنية التحتية (AIIB)، إلى جانب بنك التنمية الجديد التابع لمجموعة البريكس، لتقديم قروض بديلة عن صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، ولكن بشروط أقل تقييدًا.
أمثلة على تأثير طريق الحرير في التنمية الدولية
إفريقيا: تمول الصين عشرات مشاريع الطاقة والطرق والسكك الحديدية في دول مثل كينيا، إثيوبيا، ونيجيريا. وساهمت هذه المشاريع في تحسين حركة النقل وزيادة التبادل التجاري الإقليمي.
آسيا الوسطى: ربطت السكك الحديدية الصينية دولًا مثل كازاخستان وأوزبكستان بالصين وأوروبا، ما خلق فرصًا اقتصادية جديدة لتلك الدول.
الشرق الأوسط: استثمرت الصين في موانئ ومناطق صناعية في مصر، الإمارات، والسعودية، ضمن خطة لتعزيز التجارة بين آسيا وأفريقيا عبر قناة السويس.
أمريكا اللاتينية: وقّعت الصين اتفاقيات لتمويل مشاريع الطاقة والنقل في دول مثل فنزويلا والبرازيل، في إطار توسيع حضورها خارج المجال الآسيوي.
.
الصين والنموذج التنموي البديل
يُقدّم طريق الحرير نموذجًا بديلًا للتنمية يختلف عن النموذج الغربي القائم على الشروط السياسية والحوكمة الليبرالية. فهو يركز على البنية التحتية والاستقرار الاقتصادي أولاً، مع مرونة أكبر في شروط التمويل.
ورغم الجدل، فإن كثيرًا من الدول ترى في الصين شريكًا تنمويًا موثوقًا، خصوصًا في ظل التراجع النسبي للدور الغربي في تمويل مشاريع البنية التحتية.
خاتمة
يمثل طريق الحرير الجديد أداة لتعزيز بناء مصير مشترك للبشرية جمعاء وفي الوقت نفسه يعكس تحولاً في مفاهيم التنمية الدولية، حيث أصبح التمويل الصيني والبنية التحتية عاملاً أساسيًا في رسم خريطة اقتصاد عالمي مبني على الثقة بين جميع الدول خالي من فرض الهيمنة والتسلط، ورغم التحديات والمخاوف، يظل الدور الصيني في التنمية الدولية مؤثرًا ومتزايدًا، خاصة في ظل اتساع الفجوة بين احتياجات التنمية في الجنوب العالمي والقدرة التمويلية للمؤسسات التقليدية.