مصر والتحولات الدولية من هامش الدور إلى مركز الفعل

اجنادين نيوز/ ANN

مصر _ بقلم: المستشار محمد مختار
متابعة / كواكب علي السراي

يشهد العالم في الوقت الراهن تحولات استراتيجية غير مسبوقة في بنية النظام الدولي. فالنموذج الأحادي الذي ساد منذ نهاية الحرب الباردة يتآكل تدريجيًا ، في ظل تصاعد قوى دولية وإقليمية جديدة ، وتراجع نسبي للفاعلية الغربية التقليدية. لم تعد الولايات المتحدة الطرف المهيمن بلا منازع ، ولم تعد أوروبا قادرة على صياغة قرار موحد ، في حين تشهد الصين وروسيا توسعًا متزايدًا في نطاق نفوذهما، سياسيًا واقتصاديًا وعسكريًا .

في هذا السياق الدولي بالغ التعقيد ، برزت جمهورية مصر العربية كفاعل إقليمي مستقل، يتعامل مع توازنات القوى بمنطق استراتيجي رشيد ، يوازن بين الحفاظ على السيادة الوطنية ، والانفتاح المدروس على دوائر المصالح العالمية .

لقد نجحت مصر في التحول من سياسة رد الفعل إلى سياسة المبادرة المؤسسية ، حيث اتخذت لنفسها موقعًا متقدمًا في عدد من الملفات الحيوية التي تمس الأمن الإقليمي والدولي ، من بينها الملف الفلسطيني، والوضع في ليبيا ، والأزمة السودانية ، وأمن البحر الأحمر. وفي كل هذه الملفات ، لم تكتف القاهرة بدور الوسيط ، بل أصبحت طرفًا فاعلًا في صياغة الحلول ، بما يحفظ استقرار الإقليم من جهة ، ويؤكد ثقلها السياسي من جهة أخرى .

اقتصاديًا ، ورغم التحديات المعروفة داخليًا وخارجيًا ، فإن مصر تسير في اتجاه إعادة بناء أولوياتها التنموية من خلال رؤية تقوم على تنويع الشراكات ، وتوسيع قاعدة الإنتاج ، والاستثمار في البنية التحتية والموقع الجغرافي كمركز لوجستي دولي .

وهذه الرؤية تستند إلى مبدأ أساسي : أن الحفاظ على القرار الوطني المستقل لا يتحقق إلا من خلال اقتصاد قوي غير هش ، لا يخضع لهيمنة خارجية .

وفي ظل هذا كله، تتسم السياسة الخارجية المصرية بالثبات والاتزان، حيث لم تنجرّ إلى أي تحالفات عقائدية أو محاور استقطابية ، بل حافظت على علاقة متوازنة مع القوى الكبرى، من واشنطن إلى بكين ، ومن بروكسل إلى موسكو ، وهو ما يمنحها مرونة استراتيجية عالية في التعامل مع أي تطورات مفاجئة على الساحة الدولية .

#الخلاصة : إن مصر اليوم لم تعد تكتفي بلعب “دور” في الإقليم ، بل أصبحت تُمارس “قوة” واقعية ناعمة وصلبة في آنٍ واحد ، وفي زمن تتشكل فيه خريطة العالم من جديد ، تبني القاهرة لنفسها موقعًا لا يستند فقط إلى تاريخها ، بل إلى قدرتها على الفعل والتأثير والاستمرار .

زر الذهاب إلى الأعلى