“كُسرت الهيبة وسقطت الأسطورة”

اجنادين نيوز / ANN
سمير السعد
بعد اثني عشر يومًا من النيران المتواصلة، والدخان المتصاعد من أعماق المنشآت العسكرية والاستراتيجية، وضربات صاروخية غير مسبوقة قلبت موازين المعركة، سقطت أوهام “الجيش الذي لا يُقهر”، وتهاوت خرافة “شعب الله المختار” تحت أقدام الواقع الإيراني الصلب. وبينما كانت تل أبيب تستغيث وواشنطن تترنح، خرج دونالد ترمب يعلن وقف إطلاق النار… لكنه لم يكن إعلانًا للسلام، بل اعترافًا بالهزيمة، ورفعًا لراية الاستسلام بعد أن أخفقت كل رهانات “نتنياهو – ترمب”.
ترامب ، الذي اعتاد المناورة بالكلمات وتقديم الوعود الخادعة، كان قد خدع إيران مرتين في الماضي. المرة الأولى حين حدد موعدًا مفترضًا للمفاوضات يوم الأحد، ليطلق يد إسرائيل للهجوم يوم الجمعة، 13 حزيران، دون سابق إنذار. والمرة الثانية حين تحدث عن مهلة أسبوعين لإجبار إيران على الجلوس إلى طاولة الحوار، ليشن بعد ساعات فقط غارةً جوية على منشآتها النووية، متوهمًا أن الرد الإيراني لن يتجاوز التصريحات.
لكن حسابات ترامب ونتنياهو سقطت سريعًا أمام مشهد جديد كليًا. صواريخ إيران لم تكن رسائل تحذيرية، بل ضربات تأديبية أعادت تموضع القوة في الإقليم، وفرضت قواعد اشتباك جديدة على الجميع. ومع أولى ساعات الرد الإيراني، لم تعد طهران تطالب بالتفاوض، بل فرضت وقف إطلاق النار كشرط لأي حديث، وأجبرت العدو على التراجع دون قيد أو شرط.
في عمق هذا المشهد، تبددت رهانات تل أبيب على الدعم الأمريكي، واختفى بريق القاذفات الشبحية والقنابل الخارقة، التي روجت لها واشنطن طويلًا كسلاح “حاسم” و”فائق التأثير”. إذ تحولت هذه القاذفات إلى مشهد فاشل في قبة الصخور بموقع “فوردو” النووي، حيث فشل الهجوم الأمريكي فشلًا ذريعًا، وثبت أن منشآت إيران محصنة، وأن اليورانيوم المخصب قد تم نقله بالكامل.
الفضيحة لم تكن فقط في الإخفاق العسكري، بل في مشهد إعلامي عالمي يفضح زيف التصريحات الأمريكية. فبينما أعلن ترامب كذبًا أنه دمّر المنشآت النووية الإيرانية، كشفت الأقمار الصناعية والتقارير الميدانية أن لا ضرر كبير أصاب “فوردو”، وأن الهجوم الجوي الأمريكي لم يحقق أي من أهدافه، بل أصبح “مسمارًا في نعش الهيمنة”.
ولعل الموقف الأبلغ كان في تراجع واشنطن عن المشاركة المباشرة في الحرب، بعد أن أدركت أن المواجهة لن تكون سهلة، وأن إيران تملك أوراق ضغط استراتيجية خطيرة، في مقدمتها مضيق هرمز وباب المندب، حيث هددت بإغلاقهما إذا استمر العدوان، وهو ما يعني شل الاقتصاد العالمي ودفع العالم نحو كارثة نفطية.
وإذا كانت الصهيونية “قوية” فعلًا، لماذا استغاثت بأمريكا؟ وإذا كانت أمريكا “قوية”، لماذا أعلنت انسحابها قبل بدء المعركة والمواجهة ؟ وكيف يتحول “أقوى سلاح أمريكي” إلى أضحوكة عالمية، كما تحوّل سحر فرعون إلى سراب أمام عصى موسى؟
ما حدث في هذه الحرب القصيرة، لكنه عميق التأثير، ليس مجرد مواجهة عسكرية، بل تحوّل استراتيجي في موازين القوى. الصهيونية انهزمت فعليًا بعد 12 يومًا من الجحيم والدمار، وترامب لم يعد يملك سوى خطاب الانسحاب والتسوية. وأما إيران، فقد انتقلت من الدفاع إلى الإمساك بقرار الحرب والسلم، وحددت سقف التفاوض وشروطه.
اليوم، تبددت أسطورة الدفاعات الصهيونية، وسقطت هيبة أمريكا عند صخور فوردو، ورفع الإيرانيون راية الإسلام والعزة فوق سماء المعركة. وهكذا، يكون النصر الحقيقي قد بدأ، لا بالصواريخ فقط، بل بكسر هيبة العدو، وتحويله من مهاجم إلى مستجدي للسلام.