“الردع المتبادل والاختراق العميق: قراءة ما بعد المواجهة”

أجنادين نيوز / ANN
بقلم فادي البرغوثي عضو اتحاد الدولي للصحفيين الدوليين واصدقاء حلفاء الصين فلسطين
انتهت الحرب، لكنها لم تنتهِ في العقول والقلوب، ولم تُغلق بعد دفاتر الحسابات. هذه ليست لحظة احتفال أو ندب، بل لحظة عقلانية تستدعي تقييمًا موضوعيًا بعيدًا عن العاطفة. فما حدث من تصعيد عسكري واسع بين إيران وإسرائيل، بمشاركة غير مباشرة من الولايات المتحدة، كشف أكثر مما أخفى، وعلّم أكثر مما هدم.
أولاً: إسرائيل وضربة الفرصة الأخيرة
من الواضح أن إسرائيل لم تكن تتحرك كرد فعل، بل ضمن خطة استراتيجية طويلة المدى. الهدف كان إسقاط النظام الإيراني، وإعادة تدوير إيران على النمط الذي يُناسب الغرب، وربما عبر عودة “ابن الشاه”، كسياسي لما قبل الثورة. كذلك أرادت تل أبيب إنهاء البرنامج النووي الإيراني بضربة خاطفة.
لكن النتائج جاءت معاكسة ف
فالنظام لم يسقط، لا بل أظهر قدرة على البقاء والرد. والبرنامج النووي لم يُدمَّر، والدليل غياب أي تسرب إشعاعي.
على العكس، تعرضت البنية التحتية العسكرية والمدنية الإسرائيلية لضربات صاروخية أثبتت لأول مرة وجود توازن رعب، على الأقل من حيث القدرة على الرد.
ثانيًا: إيران في مرآة نفسها
رغم نجاحها في الصمود، إلا أن طهران اكتشفت عيوبًا عميقة في جسدها الأمني والعسكري اتضح في عدة امور
ا _ لاختراق الأمني الواسع: ما حدث من استهدافات دقيقة للقيادات والعلماء، إضافةً إلى انطلاق طائرات مسيّرة من داخل الأراضي الإيرانية، يكشف أن البنية الأمنية تعاني من ضعف خطير، لم يعد يمكن تجاهله.
٢ _ الضعف الجوي: فشلت الدفاعات الجوية الإيرانية في صد الهجمات الجوية، ما يضع علامات استفهام حول استعدادات إيران لأي مواجهة مستقبلية مع خصوم يملكون تفوقًا جويًا.
٣ _:انكشاف “محور المقاومة”: بدا حزب الله، الذراع الأقوى لإيران، مكشوفًا أمنيًا، وجرى استهداف قياداته من الصف الأول والثاني سابقا ، بما يُشبه عملية إفراغ مرحلية. والسبب، كما يبدو، يعود إلى ثغرات أمنية بدأت من الداخل الإيراني نفسه.
ثالثًا: الولايات المتحدة… تردد الإمبراطورية العجوز
تظهر واشنطن في هذا المشهد كقوة مترددة. صحيح أن ترامب نفّذ ضربة “خجولة”، لكن عدم الرجوع إلى الكونغرس يؤكد أن المؤسسة الأمريكية لم تكن معنية بالدخول في مستنقع جديد. فالحرب التي كانت لتندلع في تسعينيات القرن الماضي او بداية القرن الحالي بلا تردد، أصبحت عبئًا في هذا الوقت.
لقد تعلّمت الولايات المتحدة من تجربتها في العراق وأفغانستان في انها تستطيع إسقاط الأنظمة ، لكن لا يمكنها الاحتفاظ بالسيطرة بعد الاحتلال .
ما الذي يجب أن تفعله إيران الآن؟
هذه الحرب قد تكون جرس إنذار أخير قبل الانفجار الكبير. وإذا كانت إيران قد كسبت مناعة جزئية، فإن عليها الآن أن تقوم بخطوات جذرية:
1_ إعادة بناء منظومة الدفاع الجوي :لا يمكن لدولة تريد لعب دور إقليمي أن تظل بهذا الضعف الجوي. يجب الاستعانة بتكنولوجيا روسية أو صينية متطورة، أو إنتاج أنظمة محلية أكثر كفاءة.
2_ التحقيق الصارم في حجم الاختراق الأمني: من دون محاسبة ومراجعة عميقة، لن يبقى شيء من هيبة “الثورة” أمام أجهزة التجسس الإسرائيلية والأمريكية.
3_ استكمال بناء القنبلة النووية كرادع استراتيجي: لا يمكن الوثوق بالمعاهدات الدولية، خصوصًا في ظل ضعف الضمانات الأمنية. إيران بحاجة إلى ورقة قوة نهائية تحميها من التهديد بالاجتياح الكامل.
4. إعادة هيكلة محور المقاومة: دعم حزب الله مجددًا وتحصينه أمنيًا هو خط الدفاع الإقليمي الأول لإيران. وقد يكون الوقت قد حان لتغيير أسلوب القيادة والعمل، وجعله أكثر مرونة وأقل مركزية.
خلاصة
ربما لم تنتصر أي من الأطراف بشكل كامل، لكن من المؤكد أن هناك من تعلّم الدرس، وهناك من لم يتعلمه بعد. لقد كشفت الحرب هشاشة الكبار، وأثبتت أن المعادلات القديمة لا تصلح لعصر جديد تحكمه الصواريخ، والاختراقات، والانكشاف الإعلامي.
إيران أمام لحظة مصيرية … إما أن تراجع نفسها وتحول الندبة إلى فرصة، أو لا تستفيد من ذلك فتتكرر الصدمة بشكل أعنف.