عقد ذهبي وخيبة

اجنادين نيوز / ANN

كلثوم الجوراني / قصة قصيرة

صوت ماكنة الخياطة والكرسي الذي تجلس عليه امي وهي تنحني على ماكنتها ممسكة بقطعة قماش لتخيطها صورة لن تفارق مخيلتي ابدا .
في بيت صغير جدا وبسيط جدا جاء بي القدر كهدية لامي المسكينة ، لم يقدر لي أن ارى ابي فقد مات قبل ولادتي بشهرين، ولدت يتيمة وكل عائلتي هي امي .
تشرق الشمس وكأنها تشرق لأجلنا فهي تخترق زجاج نافذتنا لتلقي التحية وترسل خيوطها لتضيء بيتنا المتواضع ، من قال إن النعيم قصور مشيدة فيها الكثير من الطعام والأثاث الفاخر ، انا املك نعيما تفتقر إليه القصور رغيف خبز وكوب من الحليب المنكه بابتسامة امي كل صباح ، يوما ذهبت امي إلى السوق لتشتري ما يلزمنا وفي الطريق عثرت على عقد ذهبي يبدو أنه ثمين جدا ، عند عودتها إلى البيت رأيت الفرحة ترتسم على وجهها وما أن أفرغت يداها مما تحمل حتى أخرجت من جيبها عقدا له بريق كان عقدا جميلا وأخذت تنظر في عيني وتقول :
رقة يا ابنتي اخيرا ابتسم لي القدر فثمن هذا العقد يحل لنا مشاكل كثيرة وجعلت تفكر بصوت عال ، اشتري بعض الاثاث واشتري قماشا واخيطه ثم ابيعه وتتضاعف الأموال ، اشتري لرقة العاب كباقي الاطفال وربما دراجة هوائية كانت تفكر وهي تضحك من شدة فرحتها واخيرا تمالكت نفسها وقررت أن تحتفظ بالعقد للأزمات .
خبأت امي العقد في خزانتها واستمرت الحياة كالسابق إلى أن امي تغيرت أحوالها قليلا كانت كلما مرت بنا حاجة تقول : استطيع حلها فأنا لدي عقد ذهبي باستطاعتي أن ابيعه وثمنه يحل تلك المشكلة إلا أنها مشكلة بسيطة ، كانت تحل المشاكل وما يواجهنا من صعوبات الحياة والعقد يغفو في خزانة امي إلى أن جاء يوم مرضت فيه مرضا شديدا وكان على امي أن تذهب بي الى الطبيب ولم تكن امي تملك المال فأضطرت أن تأخذ العقد إلى أحد الصاغة لتبيعه ، وبالفعل ذهبت امي وكانت تنتظرها مفاجئة بل خيبة كبيرة فقد أخبرها الصائغ أن هذا العقد مزيف مطلي وليس ذهبا وأنه لا يساوي شيئا !
كادت امي أن تسقط أرضا فبريق ذلك العقد قد خدعها وكانت تظنه ذهبا لولا أن حاجتها كشفت معدنه .
كما في البشر فعند حاجتك تعرف معادنهم وما يضمرون لك ، تعود امي إلى البيت خائبة يبدو على وجهها الانكسار وكأنها تدفع ضريبة فرحتها يوم وجدت العقد .
بعد أيام شفيت وعدت لحياتي كالسابق ولكن ابتسامة امي لم تعد فقد سرقتها الخيبة ، ليت امي لم تعلق آمالها على شيء وضعته الأقدار في طريقها وهي تجهل معدنه
احيانا يجب على الإنسان أن يضع قواعد لاحلامه وخيالاته توافق المعقول ، الخيبة لا تأتي من أحدهم بل من أنفسنا لاننا نطلق الثقة فتحلق في سماء الآمال ليرسل عليها من وثقنا به سهما يسقطها أرضا .

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى