كل الاتجاهات واحدة

اجنادين نيوز / ANN

ياسمين شكري الخيام….. قصة قصيرة

كانت سوزان امرأةً بسيطة تعيش في بيتٍ صغيرٍ وادع، تحب روتينها اليومي الذي يمنحها إحساسًا بالاستقرار. لكن في الآونة الأخيرة، بدأ شيءٌ غريبٌ وغير مألوف يحدث لها. في كل مرة تغادر فيها منزلها لقضاء حوائجها أو زيارة جيرانها، وعند عودتها، تجد أن البيت قد غير اتجاهه!
في البداية، ظنت أنها تتوهم، أو أن إرهاق العمل يفسد عليها تركيزها. ففي إحدى المرات، خرجت صباحًا متجهة إلى السوق، ولما عادت، وجدت باب منزلها الذي كان يواجه الشرق، قد أصبح يواجه الشمال تمامًا. تجمدت في مكانها للحظات، ثم ضحكت بارتباك، ربما أخطأت الطريق أو دخلت شارعًا آخر. لكن لا، هذا هو شارعها، وهذا هو منزلها بوضوح. دفعت الباب ودخلت، محاولةً تجاهل الأمر.
تكرر الأمر مرارًا وتكرارًا. خرجت سوزان ذات يوم والبيت يواجه الجنوب، وعادت لتجده ينظر نحو الغرب، كأنه كائنٌ حيٌّ يمشي ويتجول على هواه. تحولت حياتها إلى سلسلة من المفاجآت المقلقة. باتت تعيش في حالةٍ من القلق الدائم، خوفًا من العودة إلى بيت لا تعرف في أي اتجاه سيجده. أرهقها هذا التغيير المستمر، وأصابتها حالةٌ نفسيةٌ صعبة. كانت تشعر بالضياع حتى وهي داخل منزلها، فلم يعد هناك أي زاوية تشعر فيها بالاستقرار أو الألفة المطلقة.
حاولت سوزان شرح الأمر لأصدقائها وعائلتها، لكنهم نظروا إليها بقلق، معتقدين أنها تمر بفترة ضغط عصبي شديدة. نصحوها بالراحة وزيارة الطبيب. لكنها كانت تعلم في أعماقها أن ما يحدث حقيقي، أو على الأقل، حقيقي جدًا بالنسبة لها.
تفاقم شعورها بالوحدة والعزلة. أصبحت تخشى الخروج من المنزل، وتفضل البقاء حبيسة جدرانه المتغيرة. في إحدى الليالي، بعد أن عادت لتجد منزلها وقد انقلب رأساً على عقب، وأصبح الباب الذي كان بالأمام في الخلف، جلست في منتصف الصالة، وغلبها اليأس. ألقت رأسها بين يديها، وبدأت تبكي بلا توقف.
وبينما كانت دموعها تنهمر، شعرت بيدٍ رقيقة تربت على كتفها. رفعت رأسها ببطء، لتجد وجه أمها الحنون يبتسم لها. همست أمها: “اصحي يا سوزان، لقد نمتِ كثيرًا”.
فتحت سوزان عينيها على وسعهما. كانت مستلقية في سريرها المريح، وشعاع الشمس الذهبي يتسلل من نافذة غرفتها التي كانت تواجه الشرق، تمامًا كما كانت دائمًا. نهضت من فراشها، وشعرت بخفة غريبة في جسدها. نظرت حولها في غرفتها، ثم خرجت إلى الصالة، ثم إلى الباب الخارجي. كل شيء كان في مكانه المعتاد، البيت يواجه الشرق، الشارع على يمينه، والحديقة الصغيرة أمامه.
تنفسّت الصعداء، وابتسامة واسعة شقت وجهها. لقد كان مجرد حلم! حلمٌ طويلٌ ومُرهق، لكنه في النهاية مجرد حلم. شعرت سوزان براحةٍ لا توصف، وكأن حملًا ثقيلًا قد أزيح عن كاهلها. نظرت إلى بيتها بثبات هذه المرة، وقد عاد إليه سحره وألفته، وباتت تقدر ثبات جدرانه التي لم تتحرك قيد أنملة.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى