العلاقات العربية الصينية: شراكة استراتيجية نحو مستقبل مشترك

اجنادين نيوز / ANN
عبد القادر خليل
رئيس تحرير شبكة طريق الحرير الإخبارية في الجزائر، عضو مجلس الإدارة في الرابطة العربية الصينية للحوار والتواصل، عضو الاتحاد الدولي للصحفيين والإعلاميين أصدقاء وحُلفاء
في ظل التحولات الجيوسياسية المتسارعة التي يشهدها العالم، تتجه أنظار العديد من الدول إلى إعادة رسم علاقاتها الخارجية بما يحقق التوازن والاستقلالية. وتُعد العلاقات العربية الصينية نموذجاً حيوياً لهذا التوجه، حيث تتعزز الشراكة بين الجانبين على أساس الاحترام المتبادل، والمصالح المشتركة، والدعم المتبادل في القضايا الجوهرية.
ومع انعقاد قمة جامعة الدول العربية في العاصمة العراقية بغداد، برزت مجدداً أهمية هذه العلاقة، حيث وجه الرئيس الصيني شي جين بينغ رسالة مهمة إلى القمة، عكست بوضوح تطلعات الصين إلى توسيع وتعميق التعاون الشامل مع الدول العربية.
رسالة الرئيس شي جين بينغ إلى قمة بغداد: تأكيد على الثوابت واستشراف لمجتمع صيني عربي ذي مصير مشترك على أعلى مستوى
في رسالته الموجهة إلى القمة العربية المنعقدة في بغداد، عبّر الرئيس الصيني شي جين بينغ عن التزام بلاده الثابت بدعم القضايا العربية العادلة، مؤكداً استعداد الصين للعمل مع الدول العربية على بناء مستقبل مشترك يقوم على التنمية والسلام والتعاون. وقد شدد على أهمية تعزيز الثقة السياسية المتبادلة، وتوسيع مجالات التعاون في إطار مبادرة “الحزام والطريق”، ودعم تطلعات الشعوب العربية إلى التنمية والسيادة والاستقرار.
جاءت الرسالة بمضامين استراتيجية تؤكد أن الصين تنظر إلى الدول العربية ليس فقط كشركاء اقتصاديين، بل كمساهمين أساسيين في تشكيل نظام دولي أكثر عدلاً وتوازناً. كما أكدت بكين على استعدادها لتعميق التنسيق مع الدول العربية في قضايا الأمن والتنمية والتكنولوجيا والثقافة، ما يشير إلى رغبة صينية حقيقية في إقامة شراكة مستدامة وطويلة الأمد.
دعم الصين الثابت للقضايا العربية
تحتل القضية الفلسطينية موقعًا مركزيًا في السياسة الخارجية الصينية تجاه العالم العربي، حيث دعت بكين مرارًا إلى حق الشعب الفلسطيني في إقامة دولة فلسطينية مستقلة عاصمتها القدس الشرقية. كما تؤيد الصين الجهود الرامية إلى التوصل إلى حلول سياسية للأزمات في سوريا، ليبيا، واليمن، والسودان، وتؤكد على ضرورة احترام سيادة الدول وعدم التدخل في شؤونها الداخلية.
وقد تجسد هذا الدعم أيضًا من خلال مواقف الصين في مجلس الأمن الدولي، حيث استخدمت حق النقض (الفيتو) لمنع قرارات عديدة كانت تضر بالمصالح العربية، مما عزز من مصداقيتها كشريك موثوق.
تقييم التعاون العملي بين الصين والدول العربية
شهدت العلاقات الاقتصادية العربية الصينية تطورًا ملحوظًا في العقدين الأخيرين، حيث بلغ حجم التبادل التجاري أكثر من 430 مليار دولار سنويًا، ما يجعل الصين الشريك التجاري الأول للعديد من الدول العربية.
يمتد التعاون ليشمل الطاقة، البنية التحتية، الفضاء والاتصالات، التكنولوجيا، التعليم، والصحة الذكاء الاصطناعي، الصناعة والزراعة والدفاع. ففي مجال الطاقة، لا تزال الدول الخليجية من أهم مزوّدي الصين بالنفط، بينما تستثمر بكين في مشاريع الغاز والطاقة الشمسية في عدة دول عربية. وفي مجال الصحة، لعبت الصين دورًا مهمًا خلال جائحة كورونا عبر تقديم اللقاحات والمساعدات الطبية، كما كان للصين الدور البارز في دعم المنظومة الصحية في الجزائر بعد استقلالها، فمنذ العام 1963 الذي أرسلت فيه الصين إلى الجزائر أولى بعثاتها الطبية خارج أراضيها، وحتى يومنا هذا وصل عدد الفرق الطبية الصينية العاملة بالجزائر إلى 28 فريقاً.
شخصيا أثمن المشاريع الاستراتيجية البارزة المنجزة في إطار التعاون الصيني العربي، وخاصة التي تنفدها الشركات الصينية في البلاد العربية ومن أبرزها:
– في الجزائر: إطلاق أول قمر صناعي جزائري ألكوم سات 1، الطريق السيار شرق غرب، خطوط السكك الحديدية، منجم الفوسفات ومشاريع طاقوية هامة وغيرها
– في مصر: إنشاء العاصمة الإدارية الجديدة، عبر تمويل وبناء ناطحات سحاب ومجمعات حكومية.
– في السعودية والإمارات: استثمارات ضخمة في مشاريع الطاقة المتجددة والنقل الذكي، إلى جانب التعاون في مجالات الذكاء الاصطناعي والفضاء.
هذا بالإضافة إلى مشاريع كبرى أخرى في جل الدول العربية على غرار المغرب، تونس، موريتانيا، سلطنة عُمان، الأردن وغيرهم.
مخرجات القمة الصينية العربية الأولى الرياض (2022) وتطلعات القمة الصينية العربية الثانية (2026)
أرست القمة الأولى، التي عُقدت في العاصمة السعودية الرياض، أسس “بناء مجتمع مصير مشترك عربي صيني”، وشهدت توقيع اتفاقيات تعاون في مجالات متعددة منها الأمن الغذائي، الاقتصاد الرقمي، الطاقة المتجددة، والتعليم العالي.
كما تم إطلاق خطة عمل للفترة 2023–2025 لتعزيز التعاون في المحاور الثلاثة: التنمية، الأمن، والحوار الحضاري، مما مهّد الطريق لتوسيع نطاق العلاقات الاستراتيجية بين الطرفين.
وينظر الجانبان إلى القمة القادمة باعتبارها محطة مفصلية للارتقاء بالعلاقات إلى مستويات أكثر عمقاً، حيث يتوقع أن تشمل الأولويات:
– تعزيز التعاون في مجالات الابتكار والتكنولوجيا المتقدمة.
– دعم الانتقال إلى الاقتصاد الأخضر والطاقات النظيفة.
– وضع آليات للتعاون في مجالي الأمن الغذائي والمائي.
– توسيع التبادل الثقافي والشعبي لتقوية الروابط بين المجتمعات العربية الصينية.
العلاقات العربية الصينية اليوم ليست مجرد تقارب اقتصادي أو مصالح مشتركة، بل تمثل نموذجاً لتعاون حضاري واستراتيجي يقوم على الاحترام المتبادل والتطلعات المشتركة. ومع الرسائل الإيجابية المتبادلة، والمشاريع الكبرى التي يتم تنفيذها، والأفق الواسع للقمة المقبلة، يبدو أن الشراكة العربية الصينية تتجه بثبات نحو بناء مجتمع مصير مشترك يسهم في صياغة مستقبل عالمي أكثر توازناً وإنصافاً.