شال امي الأخضر

اجنادين نيوز / ANN

مهدي الجابري.. العراق

قصة قصيرة

يروح ويجيء بيننا متجاهلا كل من حوله مضطربا.
خلت انه لا يرانا، غرته مبللة بالعرق جبينه يلمع تحت شمس الصحراء، يركض من حفرة على حفرة يركل الرمال بقدميه، يضع سبابته على صدغه وكأنه يحاول التذكر كبير فريق حقوق الانسان يراقبه.. العسكر وفريق التنقيب توقفوا عن العمل وأخذوا يتابعون حركته البندولية التي لا تتوقف.

أحد المنقبين رفع يده بخرقة بالية وكأنها شال بهت لونه وتقطعت خيوطه.. انقض عليه كالصقر تلمس الخرقة نفض التراب عنها راح يبكي كطفل ويصرخ شال أمي
اقترب منه كبير فريق حقوق الانسان
هدئ من روعك..هل تعرفت على الموقع هل المقابر كلها هنا
رفع اليه بكفه فاردا أصابعه الخمسة
ممتاز كل هذه الصحراء ونعثر على خمسة مقابر جماعية انجاز … لكن كلمنا ماذا حدث؟

جلس محتضنا الشال وراح يحكي بصوت خفيض ونظرات شاردة وكأنه يكلم نفسه.

كانت حرارة حديد العربات لا تحتمل، الشمس تحرق رؤوسنا وكانت أمي تمسح دموعها بطرف شالها الأخضر وتظللني بطرفه الآخر إختلط نضح عرقنا بالدموع ليرسم خطوطاً مع التراب على وجوهنا، سلاح الحمايات في صدورنا، سأل أحدهم: أين نحن ذاهبون؟ كانت الإجابة! أنتم عملاء لدولة مجاورة عدوة ، لاكلام للخونة! لم أكن أعلم ماتعنيه كلمة الخونة.. ولا كلمة العملاء ولا كلمة عدو
الأرتال تتجه إلى طريق صحراوي بعيد جدا، ولازلنا نرتطم ببعضنا البعض، وصلنا إلى بناء قديم في الصحراء أشبه ما يكون بسجن، أنزلونا والضربات بالعصي والهراوات تتلاعب على ظهورنا، بقينا على هذا الحال في المنفى، حتى زارنا مسؤول كبير قال: وكل هذه الاعداد من الخونة ولا زالوا يأكلون ويشربون من خيرات البلد؟!! نفذوا حكم إعدامهم جميعا.. أصعدونا بذات المركبات العسكرية إلى أبعد نقطة، كانت هناك حُفر كبيرة جاهزة، صاح أحدهم أرموا الخونة في قعر التراب وساووا بهم الأرض، قلبت العجلات أحواضها محملة بالبشر كما تقلب أكداس النفايات، تعالت الصرخات منا وأرعبت الموجودين، تقدمت الآليات الثقيلة لتساوي بهم أديم الأرض بالأحياء، أمي كان شغلها الشاغل انا أمسكتني من يدي ورمتني خارج الحفرة تلقفني أحد الجنود خلت أنه سيعيدني إلى القبر لكنه على عجل ضمني إلى صدره حتى خلت أن القلادة ستخترق جبهتي استغل انشغال الجميع مسح دمعتي وطمرني بقليل من الأعشاب اليابسة كان مختلفا عنهم لم يضربنا طوال رحلة الموت وكان في عنقه قلادة تلمع تحت الشمس أنسحب الجميع، أخذت أصرخ وأرفس التراب بقدميّ و أخذتُ أبحث لعلي أصل إلى أمي ولكن دون جدوى، كأني للآن أسمع صراخهم، أخذني الخوف والتعب فوقعت مغشياً عليّ، حتى أيقظتني أشعة الشمس الحارقة، نهضتُ خائفاً اتلفت وأجول الصحراء ببصري لا ظل ولا ماء ولا طعام، حتى لاح من بعيد غبار اخذ يقترب مني رويدا رويدا، تبينته وإذا بها سيارة قادمة غاب نظري تشوشت الرؤية وجف حلقي ورحت بسبات أسبح بالفضاء يظللني شال أمي الأخضر أفقت في بيت السائق على يد سيدة تسقيني الماء ..
قطع حديثه إذ رأى الحفرة تتسع قفز فيها بين أكوام من العظام … وأخذ يصرخ: القلادة … ذاك الجندي كان بينهم ..القلادة …كان بينهم..

زر الذهاب إلى الأعلى