الصين والعراق: حضارتان متآخيتان

اجنادين نيوز  /  ANN

(الجزء الثالث)

بقلم / وو فو قوي / عبد الكريم
ـ مستشرق وعضو مجمع الكتاب الثقافي الصيني الدولي
ـ عضو معهد العلوم والتقاليد الصينية للثقافية الدولية
ـ كاتب من الصين/ واحد من أهم الخبراء في شؤون الشرق الأوسط الصيني
ـ كبير مستشاري الشؤون الثقافية في مركز الشرق الأوسط للدراسات و التنمية
ـ كبير مستشاري الشؤون الشرق الأوسط في دار نشر إنتركوننتننتال الصينية

إن الصين و العراق هذان البلدان اللذان يمثلان حضارتين من أقدم الحضارات في التاريخ، وخلال السنوات ال63 التي مرت بالبلدين، والتي ضمنها ظروف ومتغيرات كثيرة سياسية واقتصادية واجتماعية، برزت خيارات وتحديات عديدة في مجالات عددة وغيرها، ولكن من بين الدعائم التي بقيت ثابتة في حياة الشعبين والبلدين كانت الصداقة التي طبعت العلاقات الصينية العراقية، ومشاعر الود والاعجاب التي يحملها العراقيون، مسؤولون كانوا ام مواطنون عاديون، تجاه الصين وشعبها و قادتها.
لقد وقفت الصين مع العراق وشعبه ومع الشعب العربي على امتداد الوطن كله في مسيرته الطويلة للتخلص من الاستعمار الغربي ومن ثم التحرر من قيود التخلف الاقتصادي والسير في عملية التنمية وتحقيق الاستقلال الاقتصادي في المراحل التي تلت حصول بلدانه على الاستقلال السياسي.
واذا كان الموقف الصيني – ومازال – في إسناد العرب في صراعهم العادل في قضيتهم المركزية قضية فلسطين أحد المعالم البارزة في العلاقات العربية الصينية، وأن العرب ومن جانبهم، وقفوا دوما الى جانب الصين في مسيرتها لأنجاز استقلالها وانتزاع اعتراف المجتمع الدولي بها واصرارها على استرجاع حقوقها وتوحيد وطنها. وفي هذا الصدد فأن الموقف العربي من مسالة تايوان هو دوما الى جانب جمهورية الصين الشعبية بشكل واضح وصريح.
وفي العراق، بشكل خاص، في الوقت الذي يمر فيه بظروف بالغة الصعوبة منذ حوالي عشر سنوات، اذ دمر المعتدون أغلب البني التحتية التي أقامها العراقيون منذ عدة عقود وحاولوا تدمير جميع مرافق الحياة المدينة وارجاع الشعب العراقي الى عصر ما قبل الثورة الصناعية، وباعتراف قادتهم فإننا نجد في الصين الصديق المخلص الذي رفع دائما صوت العدل والانصاف، وكان لهم موقف واضح في الوقوف ضد سياسات العدوان أو التهديد بها، والتأكيد على ضرورة الرجوع الى تحكيم العقل والمناطق وحل المشكلات والخلافات عن طريق التفاوض والحوار، والثبات على مبادىء العدل والأنصاف.

يعاني العراق منذ عام 1990 وحتى الأن من ظروف قاسية للغاية بسبب سياسة الحصار المفروضة ضده والتي أدت الى نتائج صعبة و مؤلمة على الصعيدين العام الخاص، لكن يهمنا أن نشير هنا أن الموقف الصيني كان متميزا في الدعوة الى رفع الحصار والى الاستمرار في سياسة التعاون السياسي والاقتصادي و الفني مع العراق ضمن الأطر الممكنة في الظروف الحالية . ولابد أن نذكر هنا أن العلاقات الصينية العراقية تحظي برعاية قيادة البلدين وعلى أعلى المستويات ويتم التعبير عن ذلك بالتصريحات الرسمية والمواقف السياسية المعلنة والزيارات المتزالية بين المسؤولين العراقيين والصينيين.
ونذكر، أنه زار الصين كل من رئيس المجلس الوطني العراقي ووزير النفط اضافة الى وفود حزبية وفنية , كذلك فأن اللجنة المشتركة بين البلدين قد استأنفت نشاطها بعد بعض الوقت وقد عقدت في العام الماضي اجتماعا لها في بكين على مستوي وزارى وان المشاورات جارية لعقد اجتماعها القادم في بغداد.
كذلك، فأن التبادل التجارى بين البلدين والذي كان مزدهرا بشكل كبير في السابق، قد استأنف نشاطه بشكل محسوس وفق مذكرة التفاهم بين العراق و الامم المتحدة. وعدا هذا فان التعاون العلمي و الفني بين البلدين سائر بشكل جيد ويوجد في الجامعات الصينية عدد متزايد من الطلاب العراقيين يدرسون في مختلف الفروع العلمية و اللغات.
وعند الحديث عن مجالات التعاون لا بد ان نشير بشكل خاص الى التعاون الجيد والمثمر في المجال النفطي والذي يوجد بنتائج كبيرة رغم انه مازال في بداياته. وأعود فأقول أن احتفالنا بهذه المناسبة مليء بالذكريات الجميلة و الحاضر القائم على أرض صلدة وبالمستقبل الواعد.
يتمتع شعبي الصين والعراق بتاريخ من التواصل الودي التقليدي بينهما، حيث ربط ” طريق الحرير “حضارة النهر الأصفر الصينية التي كان مركزها مدينة تشانغ أ، وحضارة وادي الرافدين العراقية التي كان مرزها مدينة بابل.
يتمتع شعبي الصين و العراق بتاريخ من التواصل الودي التقليدي بينهما، حيث “ربط ” طريق الحرير” حضارة النهر الأصفر الصينية التي كان مركزها مدينة تشانغ أن وحضارة وادي الرافدين العراقية التي كان مركزها مدينة بابل. ولعب هذا الطريق العريق دورا مهما في تواصل الدولتين ودعم تنميتهما في كافة المجالات الاقتصادية و الثقافية و الاجتماعية. وتبقي الشواهد التاريخية في الدولتين العريقتين دليلا على هذا التواصل.
ما بين حضارة وادي الرافدين … عراق دجلة و الفرات وحضارة النهرين الصفر ويانزي في الصين…. يمتد الخطاب الإنسان…. عبر أحاسيس الفنانين العراقين… ليضعوا التبادل التشكيلي الذي ينقل اليكم المحبة و السلام.
يربط الصين والعراق بعلاقات تاريخية موغلة في القدم، صمدت للتجارب، رسخها الزمن، واوثقها التفاهم والتعاون المتبادلين على اقدام راسخة و اسس ثابتة ومتينة. سياسة العراق و البلدان العربية ثابتة ومبدنية في دعم الصين الوحدة و التوحيد السلمي لاراضيها. كما ان سياسة جمهورية الصين الشعبية كانت أيضا وتستمر راسخة ومبدنية في دعم لقضايا العربية العادلة، ومساندة كل ما يدعم التضامن العربي واحدة العربية. وهو ما ظهر في تطابق وجهات نظرهما تجاه العملية السلمية في الشرق الأوسط.
ولاشك ان التنمية والازدهار يشكلان احد الاهداف السامية التي تتطلع الى تحقيقها الشعوب. وفي هذا المجال يلعب التبادل التجاري و التعاون الاقتصادي القائمين على اساس المصلحة المتبادلة والمساواة والمنفعة المشتركة دورا أساسيا، بل وجوهريا في العلاقات بين الدول وقد تكفي نظرة اولية الى حجم التبادل التجاري بين الصين و العراق في العقد الماضي و مقارنته بحجمه الحالي للتأكيد من ان هذه العلاقات تنمو وتقوي بشكل مستنر، وحيث تجاوز ثمالية مليارات دولار في هذا العام 1998.
إذا استعرضنا ما جرى في هذه السنة التي توشك على نهايتها، فنجد ان العلاقات بين الصين والعراق استمرت في الحفاظ على زخمها الطيب للتطور، حيث كانت التبادلات تتواصل على مختلف المستويات. و جدير بالذكر ان حكومة الصين سبق وان طرحت مقترحا بأربع نقاط لتطوير العلاقات الصينية العراقية، كما ان حكومة العراق اصدرت قرارا يدعو الى تعزيز العلاقات مع الصين على نحو شامل. فجاء ذلك تعبيرا عن الرغبة القوية لدي كل من الصين و العراق الغفيرة في تطوير العلاقات فيما بينهما , حيث حدد الاتجاه الواضح لبناء علاقات الصداقة والتعاون الصينية العراقية الطويلة والمستقرة نحو القرن الحادي و العشرين من جهة، ومن جهة أخرى، جسد أيضا الاهتمام الفائق من الحكومة الصينية وحكومة العراق بعلاقاتهما. وفي الوقت نفسه، حقق التعاون الاقتصادي والتجاري ذو المنفعة المتبادلة بين الصين والعراق تطورات جديدة أيضا بصفة عامة , وشهد حجم التبادل التجاري زيادة ملحوظة بصفة خاصة، مما يبشر بآفاق نمو مشرقة. أننا نشعر بارتياح بالغ ازاء ذلك.
يقع العراق في ملتقي القارات الثلاث متمتعا بالتقاليد الثقافية الممتازة والموارد الطاقة البترول والغاز الطبيعي المتوفرة ووزن كبير في الشؤن الدولية. ان الصين اذ تحرص كل الحرص على تنمية علاقات الصداقة و التعاون مع العراق الغفيرة، لتعمل على جعلها نموذجا للتعاون بين الجنوب والجنوب.
احتفلت جمهورية الصين الشعبية وجمهورية العراق في الخامس والعشرين من أغسطس 2021 بمرور ثلاث وستين عاما على تدشين العلاقات الثنائية بين البلدين، وكانت الصين من أوائل الدول التي أعترفت بالجمهورية الجديدة في العراق وذلك في 16 يونيو 1958، تلاها إعتراف العراق بالصين يوم 17 يوليو من ذات العام، وافق البلدان على إقامة العلاقات الدبلوماسية بينهما إعتبارا من 18 أغسطس 1958.
طوال السنوات المنصرمة احتفظت الصين بعلاقات متميزة مع العراق تقوم على أساس المنفعة المشتركة والاحترام المتبادل لسيادة كل دولة.
أما التاريخ المعاصر فيذكر ان العلاقات ما بين العراق والصين قد بدأت في نهاية عقد الخمسينات من القرن العشرين، ففي 16/ 7 / 1958 انطلقت العلاقات الرسمية، اذ بعثت الحكومة الصينية انذاك ببرقية الى نظيرتها العراقية التي تسنمت مقاليد السلطة في العراق لتعترف بها، وهذه الخطوة الصينية دفعتها الضرورة الاستراتيجية والسياسية والتاريخية لمكانة العراق الجيواستراتيجية في المنطقة ودوره في تأسيس منظمة الامم المتحدة وجامعة الدول العربية، فلا نستغرب عندما يذكر الزعيم الصيني الراحل ماتسي تونغ اهمية دور الدول النامية والعرب في دعم جمهورية الصين الشعبية انذاك بقوله “لقد حملتنا الدول النامية على اكتافها الى الامم المتحدة”.
أقيمت العلاقات الدبلوماسية بين العراق والصين بتاريخ 25/ 8/1958 وهو ذات اليوم و الشهر الذي نحتفي به هذا العام لمرور ثلاث وستين عاما على إقامة العلاقات الدبلوماسية بين هذين البلدين العريقين، اذا تبادل كلا الجنبين السفراء رسميا عام 1960، ومنذ ذلك الحين تبادلتا الدولتان الاتصالات والزيارات والتعاون ف التجارة والاقتصاد والثقافة والرياضة وغيرها من المجالات، واستمر هذا التعاون خلال عقد الثمانينات، وخاصة في المجال العسكري نظرًا لظروف ذلك العقد.
يتبع..

زر الذهاب إلى الأعلى