بائعة الخبز…

اجنادين نيوز / ANN

راهي الحاتم …

فتاةٌ جنوبية جميلة، تحمل بمخيلتها احلام الطفولة الوردية بمستقبل غير واضح الملامح وضبابي ، ومجتمع لايرحم، لم يتجاوز عمرها الثالثة عشر، ملامحها طفولية بعقل تتزاحم به أمنيات خيالية، وعلى ابواب مراحل الشباب المتفتحة ،كنخلة جنوبية تحتضنها شتلات الحناء وورد الرازقي لتُعطر ظفائرها بعطرِ نسماتِ الجنوب لتبعث من خلالهِ عطر فواح بارض البساتين ممزوجة بخيوط شعاع الشمسْ اول اشراقها خطت الايام على جبينها حروف القهر وظلم العوز، سرقت منها احلام طفولتها مبكراً والقت على كاهلها الهزيل ظلال العوز والفقر ، دميتها التي تحتضنها بين ذراعيها وتعانقها دائما لتبثها هموم امها التي تحمل بين جنباتها ظلم الايام وعوز العيش وضنك الحياة،وضعتها الاقدار لاب حبَ وطنه ذهب لحرب لا ناقة له فيها ولا جمل فقط لانسان حب وعشق ارضه ليعانقها لتمتزج زفرات انفاسه مع ذراتها ويعفر جبينه بشذها ، ويسقي بدمه شتلات الحناء والرازقي بحب ابدي يفوح اريجه عبر الدهور.
(ولجدٍ) كبير متهالك تفوح منه رائحة الخمر سادي مجنون لم يرى من الحياة غير الذي بين قدميه يتفنن بتسلطه، لايعرف منها سوى الخمرة والقمار.
(سارة )هذه الفتاة الجميلة بائعة الخبز عرفها الناس بهذا الوصف (بائعةالخبز) ونسوا اسمها، كل يوم تذهب، وعلى رأسها سلة الخبز، من بيتها الى السوق تتمايل بها لثقلها، وتعاني بمسير خطاها وحركتها متلكأت، من الذي تلبسه بقدميها النعال الذي ضاق على قدميها الجميلتين لكثر ما تلبس من جوارب لتحميهن من وخزات السلك الذي تصلح به نعليها كسبت حب الناس وتعاطفهم معها لدفء مشاعرها وانسيابية كلامها بعفوية اصالتها الجنوبية، الا من بعض الشباب الذين يتنمر عليها من وقت لاخر، لتردعهم بصلابتها وعنفوانها وشموخها .
تنام بدفءٍ باحضان امها وحنانها وتتناسى تعبها، ومسيرتها كل يوم بسلة الخبز التي اصبحت خير رفيق وانيس، تعاتبها بالذهاب لثقلها على راسها الصغير وتُعانقها بلعودةِ مسرورةٌ بما تحملُ لأمها من مالٍ بسيط لتسد جزء من رمق جوعهم واحتياجهم ، (وجدٌ )ظالم يستولي على ما يدخرانهِ ليُحيي مسائاته الصاخبة بالخمرِ والمجون والقمار ليعود بعد منتصف الليلِ تفوح منهُ رائحة الخمر وما يحمل لسانه السليط بتفوهاتٍ تافهة من سبباب وشتائم وكلمات بذيئة مبهمة غير مفهومة طلاسمها يلعنُ البيت وساكنيه، وسقفهُ المتهالك الذي يروي حقبة من الزمن بحيطانه الخاوية الرطبة .
بائعةُ الخبز (سارة) الجميلة، اُجبرت على زواج بعمرها الذي لم تعيشه ولم يتسنى العيش بخيال احلامها ، لتدفن بتربة اسنة، وتساق كالشاة للجزاز من (جدٍ )كان يعتبرها عبأً ثقيلا على كاهله المتهالك (لرجل عجوز على ابواب الستينيات) ذهلت لهول الموقف والقرار، تكسرة الاهات بقلبها وتفجرت الالم بين اضلعها ،
تنظر لامها تعاتبها بنظرات يأس وصمت مطبق حزين، ودموع كانها قطرات الندى متلجلجةٍ تحرق محاجر عينيها، ترتمي باحضنها تمسح الام على خصلات شعرها المسترسل تحدثها وتهدهد عليها وتهمسها لاتبكين يابنتي فجمال روحك الملائكية تؤذيني .
استسلمت لقدرها بعد ان كانت ترى( ام) مظلومة تضرب يوميا من (جدها )تسارعت الاحداث رغم ثقلها بكوابيس مظلمة لأتي الايام ،
كفنوا الربيع بما يحمل من صباحات جميلة بنسأم اريج عطره ليزفوه لخريف في اواخر مواسمه سقطت كل اوراقه وبانت اغصانهُ الخاوية ولن يصل لربيع قادم .
افل نجمها وغابت بين صفحات الايام والسنين عبر الافاق بمقابر الاهات …
كم سارة وسارة وبائعة خبز طوتها الايام وغاب ربيعها بمواسم الخريف البائس …

زر الذهاب إلى الأعلى