الدرس الصيني للعالم: بناء المستقبل برؤية وصبر استراتيجي

اجنادين نيوز / ANN
بقلم نجيب الكمالي رئيس دائرة العلاقات العامة للصحفيين والإعلاميين اصدقاء وحلفاء الصين فرع اليمن
في عالم سريع التغير، حيث تتسارع الابتكارات التكنولوجية وتتغير موازين القوى، أصبح السؤال ليس فقط من سيقود المستقبل، بل كيف يمكن بناؤه بطريقة مستدامة وعادلة للبشرية جمعاء. ومن بين التجارب العالمية الملهمة، يقدم النموذج الصيني درسًا غنيًا في التخطيط طويل المدى يجمع بين الطموح الوطني والانضباط الاستراتيجي.
أحد أبرز الدروس المستفادة من التجربة الصينية هو الاستثمار الجريء في العلم الأساسي والبحث طويل الأمد. الصين لا تنتظر نتائج فورية؛ فهي تمول مشاريع قد تمتد لعقود، مؤمنة بأن الفوائد الحقيقية تظهر مع الوقت. هذا الدرس يذكّر العالم أن الابتكار الجاد يتطلب صبرًا واستثمارًا مستمرًا، وأن المكاسب السريعة غالبًا ما تكون سطحية مقارنة بما يمكن تحقيقه عبر الرؤية الطويلة.
النموذج الصيني لا يرى التكنولوجيا كغاية بحد ذاتها، بل كأداة لتحقيق رؤية حضارية شاملة. من تعزيز البنية التحتية إلى تحسين جودة الحياة وتأمين الاستقرار الوطني، تُوظف التكنولوجيا لتحقيق أهداف استراتيجية واضحة. هنا درس مهم: التقدم التقني يكون أكثر قيمة حين يرتبط برؤية وطنية أو حضارية تتجاوز المكاسب الاقتصادية أو العسكرية الضيقة.
من السمات البارزة للنموذج الصيني أيضًا القدرة على متابعة أهداف ضخمة بعقود من المثابرة دون انقطاع. هذا الصبر الاستراتيجي يمنح الدولة القدرة على تجاوز التحديات الداخلية والخارجية، ويؤكد أن النجاح الحقيقي يحتاج إلى ثبات طويل المدى وتخطيط متسق. وبينما يسعى النموذج الصيني لتحقيق أهدافه الكبرى، فإنه يتعلم بسرعة من الفشل الجزئي ويعدل استراتيجياته دون التخلي عن الهدف الكبير. هذا الجمع بين الصبر والمرونة يشكل درسًا مهمًا للعالم: النجاح المستدام لا يقتصر على الثبات فقط، بل على القدرة على التكيف والتعلم المستمر.
لكن القوة الوطنية ليست كافية إذا لم تُتوازن مع مسؤولية عالمية. يمكن لأي دولة أن تحقق قفزات تكنولوجية ضخمة، ولكن يجب أن تكون متوافقة مع مصلحة البشرية جمعاء. التعاون العلمي المفتوح، وضع الأطر الأخلاقية للابتكار، والشراكات الاستراتيجية الدولية، كلها عناصر ضرورية لضمان أن التقدم يخدم الإنسانية بأكملها وليس مجموعة محددة من الدول أو الكتل.
الدرس الأكبر الذي يمكن للعالم أن يتعلمه من النموذج الصيني هو القدرة على الجمع بين الرؤية الطويلة المدى، الاستثمار العلمي الجريء، الصبر الاستراتيجي، والمرونة في التعلم من التجربة. ولكن لكي يكون هذا النموذج مفيدًا للعالم، يجب أن يرافقه حوار عالمي مفتوح ومسؤولية أخلاقية تجاه البشرية جمعاء. فالمستقبل لا يُبنى بالقوة وحدها، بل بالذكاء والتخطيط والاستفادة المشتركة.


