اليوم العالمي لمناهضة العنف ضد المرأة

اجنادين نيوز / ANN
بقلم الدكتورة كريمة الحفناوي
عرَّف القانون العنف ضد المرأة بأنه “كل اعتداء مادى أو معنوى أو جنسى أو اقتصادى ضد المرأة أساسه التمييز بسبب النوع، والذى يتسبب فى إيذاء أو ألم جسدى أو نفسى أو جنسى أو اقتصادى للمرأة. ويشمل أيضا التهديد بهذا الاعتداء أو الضغط أو الحرمان من الحقوق والحريات سواء فى الحياة العامة أو الخاصة”.
فى الخامس والعشرين من نوفمبر من هذا العام 2025، يمر 26 عاما على إعلان الأمم المتحدة، “اليوم الدولى للقضاء على العنف ضد المرأة” (1999)، ووفقا لتقارير الأمم المتحدة، يزداد وضع الفئات المستضعفة والمهمشة سوءاً، حيث توجد مخاطر ومعاناة غير مسبوقة للنساء، والأطفال، والفتيات وذوى الاحتياجات الخاصة.
وفى هذا المقال سا أركز على تداعيات العنف على النساء فى أماكن الصراعات فى منطقتنا العربية فى فلسطين والسودان
وتشير التقارير الصادرة من الأمم المتحدة الخاصة بالمرأة هذا العام، إلى أنه تعيش 676 مليون امرأة نازحة إلى مناطق تبعد عن مناطق الحروب، والصراعات ،وتعيش فى خيام وملاجىء غير آدمية، وغير صالحة للسكنى أو الحياة،.وتشير التقارير إلى أن تقليص ميزانيات مؤسسات الإغاثة أحد الأسباب القاتلة للنساء.
كما يشير تقريرالأمم المتحدة لعام 2025 حول “المرأة والسلام والأمن”، إلى أن تقليص المساعدات الحكومية تُعرِّض المزيد من النساء والفتيات للخطر، بسبب تفكك المنظمات الأساسية لإنهاء العنف، وأفاد التقرير أن عددا من المنظمات التى تعمل على إنهاء العنف ضد المرأة أُقفِلت، وأن 40% منها علقت خدمات إنقاذ الحياة، مثل الملاجىء والمساعدات القانونية والدعم النفسى والاجتماعى والرعاية الصحية.
وتشير تقارير الأمم المتحدة هذا العام إلى أن 137 إمرأة يتم قتلهن كل يوم، و60% منهن يتم قتلهن من شريك الحياة أوالأقارب داخل الأسرة، هذا بالإضافة إلى أن واحدة من كل ثلاث نساء تتعرض للعنف الجسدى أو الجنسى، وأن الكوارث النزاعات تتسبب فى زيادة فى العنف الجنسى.
لقد أكد مؤتمر بكين الذى تم تنظيمه تحت رعاية الأمم المتحدة عام 1995، أن النزاعات المسلحة لها عواقب خطيرة على حياة النساء، ودعا الدول إلى اتخاذ تدابير فعالة لحماية النساء والفتيات، ضد كل الأخطار التى يتعرضن لها، خاصة فى حالة الاحتلال، وذلك عن طريق احترام الدول للقانون الدولى الإنسانى، والعمل على فرض احترامه من قِبل المسئولين العسكريين والمدنيين التابعين لها.
وقد نتج عن المؤتمر”منهاج عمل بكين”، الذى تضمن فقرة خاصة بالمرأة والنزاع المسلح، جاء فيها “إن قيام بيئة تحافظ على السلام العالمى، وتعزز وتحمى حقوق الإنسان والديمقراطية، وتسوية المنازعات بالوسائل السلمية، وفقا للمبادىء المتمثلة فى عدم التهديد باستخدام القوة،وعدم استخدامها ضد السلامة الإقليمية أو الاستقلال السياسى، وفى احترام السيادة على النحو المنصوص عليه فى ميثاق الأمم المتحدة، يُشكَّل عاملا مهما من عوامل النهوض بالمرأة”.
كما جاء فى منهاج عمل بكين ” تُشكِّل النساء والأطفال قرابة 80% من ملايين اللاجئين، وغيرهم من المشردين فى العالم بمن فيهم المشردون داخلياً، وهم مهددون بالحرمان من ممتلكاتهم ومن السلع والخدمات، وحرمانهم من حقهم فى العودة إلى ديارهم الأصلية، ومهددون كذلك بالعنف وانعدام الأمن”.
ويحظر القانون الإنسانى الدولى المعروف بقوانين الحرب على أطراف النزاع المسلح، تعمد إيذاء المدنيين، وتحظر المادة (3) المشتركة فى اتفاقيات جنيف 1949 والقانون الدولى الإنسانى العرفى، الاغتصاب وغيره من أشكال العنف الجنسى.
بالرغم من هذه القوانين تتعرض المرأة لأبشع أنواع العنف فى فلسطين والسودان، حيث تشير التقارير إلى أنه يتم قتل امرأة كل 10 دقائق، هذا بجانب الاغتصاب، وتتعرض 70% من النساء فى الصراعات والحروب والأزمات الإنسانية، للعنف القائم على النوع.
ولقد أدت الاعتداءات والمجازر التى يرتكبها الكيان الصهيونى على الشعب الفلسطينى إلى نزوح مئات الآلاف من النساء والأطفال، إلى أماكن بعيدة، حيث المعيشة فى مخيمات لاتحميهم من قيظ حرارة الصيف وزمهرير وأمطار الشتاء، مع نقص مقومات الحياة من مأكل وملبس ودواء. هذا بجانب استشهاد ما يقرب من 70 ألف من الفلسطينيين معظمهم من النساء والأطفال.
وأيضا تتعرض النساء فى السودان للقتل والاغتصاب بل والتهجير القسرى، نتيجة للصراع بين القوات المسلحة وميليشيات الدعم السريع، وأيضا الصراع بين القبائل العربية والأفريقية، كما تتعرض للمجاعة، وأدت الحرب إلى نزوح 12 مليون من السكان منهم 2 مليون لاجىء.
وفى الفترة الأخيرة أشارت التقارير والإحصاءات، التى تتحدث عن الانتهاكات المرتكبة بحق النساء والفتيات فى السودان، إلى أن وضع النساء يزداد سوءاً يوما بعد يوم، وخاصة فى دارفور غرب السودان، حيث تُختطف السيدات والفتيات، ويتم اغتصابهن، واحتجازهن فى ظروف أشبه بالعبودية. مع تعرض عدد من النساء، لنزيف حاد بعد الاغتصاب ولم تتمكن من تلقى العلاج المناسب فى الوقت المناسب.
والآن ترتكب قوات الدعم السريع مجازر فى مدينة الفاشر فى دارفور (قتل واغتصاب النساء والأطفال، وتطهير عرقى وتهجير قسرى).
وإذا تحدثنا عن تداعيات الحروب على الأطفال نجد أن القانون الدولى الإنسانى يوفر حماية عامة للأطفال، كونهم أشخاصا غير مشاركين فى الأعمال العدائية، ويوفر لهم حماية خاصة، كونهم يعدون ضمن فئة الأشخاص الأكثر ضعفا فى الحروب والنزاعات المسلحة.
ويتمتع الأطفال بالحماية وفقا لاتفاقية جنيف الرابعة، كما يتمتع الأطفال بالحماية بموجب القانون الدولى لحقوق الإنسان، وباتفاقية حقوق الطفل عام 1989، وبروتوكولها الصادر عام 2000، بشأن إشراك الأطفال فى النزاعات المسلحة، وتنص الاتفاقية فى البند الرابع من المادة (38) “على الدول حماية الأطفال من آثار النزاعات المسلحة”، وينص البندين (أ ، ب) من المادة (37) على “عدم تعريض أى طفل للتعذيب، أو لغيره من ضروب المعاملة اللا إنسانية، أو المهينة أو القاسية، وعدم حرمان أى طفل من حريته بصورة قانونية أو تعسفية.
وهذه الاتفاقية ملزمة للدول التى اعترفت بها بما فيها “إسرائيل” التى صدقت عليها عام 1991،
ووفقا لإحصائية صادرة عن اليونيسيف، هناك عشرات الآلاف من الأطفال، ولدوا فى ظل العدوان الصهيونى منذ اندلاعه فى الثامن من أكتوبر 2023، مع غياب المستلزمات الطبية والتطعيمات الخاصة بالأطفال، مما سيؤدى إلى انتشارالإصابة بالحصبة وشلل الأطفال، بالإضافة إلى تعرض الأطفال “الخدج” حديثوا الولادة لجرائم الاحتلال، نتيجة لاستهداف المستشفيات بالعدوان والتدمير، وعدم وصول الوقود والمستلزمات الطبية والأدوية، من قِبل الكيان الصهيونى .
كما تعرض الأطفال للموت لعدم توافر الرعاية الطبية لأن العدو استهدف المستشفيات بالتدمير الذى أخرجها من الخدمة، بل ويستهدف الكيان المجرم الأطقم الطبية، وسيارات الإسعاف، وأيضا يمنع العدو دخول المساعدات الإنسانية، بما فيها الشاحنات التى بها المستلزمات الطبية والأدوية.
وأشار المكتب الإعلامى الحكومى الفلسطينى إلى أن 60 ألف امرأة حامل فى قطاع غزة تعاني من سوء التغذية والجفاف ويتعرضن لمضاعفات الحمل والولادة ومنها النزيف الحاد مع عدم توافر الأدوية والمستلزمات للأم وللطفل.
يرتكب العدو الصهيونى جميع الجرائم الوحشية بحق أطفال فلسطين، من قتل وتشويه واعتقال وإخفاء قسرى، والحرمان من حقهم فى الحياة والصحة والتعليم، بتدمير المدارس والمستشفيات، ومنع وصول المساعدات الإنسانية.
ولقد أعلن المكتب الإعلامى الحكومى الفلسطينى أن عشرات الأطفال استشهدوا نتيجة المجاعة وسوء التغذية والجفاف، كما أعلنت منظمة اليونيسيف فى فبراير الماضى 2024، أن هناك ارتفاع فى معدلات سوء التغذية الحاد بين الأطفال فى شمال غزة، فى الأطفال دون سن الثانية، بجانب تعرضهم للأوبئة والأمراض السارية، الناتجة عن عدم توفر مياة صالحة للشرب.
وعلى المستوى النفسى يجد الأطفال أنفسهم، ضحايا العدوان، والتعرض المباشر لمشاهد الموت والقتل، والنزوح من ديارهم، مما يصيبهم بصدمات نفسية، ستترك آثاراً نفسية صعبة لتستمر معهم. هذا بجانب الحرمان من التعليم، نتيجة لاستهداف المدارس من قبل العدو وتدميرها، بجانب استخدام مدارس أخرى كمراكز للإيواء.
هذا بجانب اعتقال الأطفال دون سن الثامنة عشر، ويتعرض الأسرى الأطفال لمحاكمات ظالمة، وللتعذيب والمعاملة غير الإنسانية، التى تهدد مستقبلهم بالضياع.
وبالنسبة للسودان حذرت منظمة الأمم المتحدة للطفولة “اليونيسيف” من أن 5 ملايين طفل أُجبِروا على الفرار والنزوح من منازلهم، أى بمعدل 10 آلاف طفل كل يوم، وفى قول آخر أشار المنسق الإقليمى لمفوضية اللاجئين بالسودان “مامادو بالدى” إلى أن المجاعة بدأت فى ولاية شمال دارفور وأن النازحين من الرجال والنساء والأطفال يموتون من الجوع وسوء التغذية والمرض والأوبئة.
وتشير التقارير الأخيرة الخاصة بالسودان إلى أنه يوجد 10 ملايين طفل وطفلة خارج المدارس ووفاة 45 ألف طفل نتيجة سوء التغذية غير 10 آلاف طفل مفقودين و10 آلاف طفل مصابين بجانب استشهاد 3 آلاف طفل
إن الاستهداف المتعمد للأطفال من الجرائم الكبرى، ويُظهِر انهياراً أخلاقياً وانفلاتا مرعبا من الالتزام بأى قوانين دولية.
إننا نطالب بوقف الحرب فورا فى أماكن الحروب، وإدخال المساعدات الإنسانية، ومحاكمة مجرمى الحرب الذين ارتكبوا هذه الجرائم الوحشية، ومحاكمة الذين ارتكبوا جرائم عنف من قتل واغتصاب بحق النساء والأطفال، بالمخالفة للقوانين، والمعاهدات الدولية، والأعراف الإنسانية.
كما نطالب فى هذا اليوم الحكومات والدول بتشريع قوانين عادلة تحمى المرأة من كافة أشكال العنف الأسرى والمجتمعى.
ونطالب أيضا الحكومات بالتوقيع على الاتقاقية (190) الصادرة من منظمة العمل الدولية فى يونيو 2019 الخاصة ب “مناهضة العنف فى عالم العمل” من أجل بيئة عمل آمنة .
إن الشعوب تحلم بعالم خالٍ من العنف والنزاعات، عالم يسوده السلام والمساواة وعدم التمييز، عالم، يقوم على العلاقات والشراكات من أجل خير البشرية.



