الصين ترسم خريطة جديدة للتنمية الاجتماعية العالمية: أين يقف العرب وفلسطين من مقترحات هان تشنغ؟

أجنادين نيوز ANN

بقلم: المهندس غسان جابر
. سياسي فلسطيني – قيادي في حركة المبادرة الوطنية الفلسطينية – نائب رئيس لجنة تجار باب الزاوية و البلدة القديمة في الخليل – نائب رئيس اللجنة التحضيرية لمنبر صحفيون من أجل فلسطين

في خضم التحولات العالمية المتسارعة، جاءت كلمة نائب الرئيس الصيني هان تشنغ في القمة العالمية الثانية للتنمية الاجتماعية المنعقدة في الدوحة، لتعيد صياغة مفهوم “التنمية الاجتماعية” بوصفها أداة سياسية وإنسانية لتقريب الشعوب، لا لتفريقها، ولتعلن — بوضوح صينيٍ هادئ — أن بكين تمتلك رؤية بديلة لنظام عالمي أكثر عدلاً وتوازناً.

لقد حملت مقترحات هان تشنغ الأربع رسائل تتجاوز الجانب الاقتصادي، لتلامس جوهر العدالة الاجتماعية والمصير المشترك للبشرية. وهي ليست مجرد خطوط عامة، بل إطار فلسفي وتنفيذي يترجم مبادرة الرئيس شي جين بينغ في بناء “مجتمع مصير مشترك للإنسانية” إلى خطوات عملية.

أولاً: التنمية المتمركزة حول الإنسان

أولى نقاط المقترح الصيني تدعو إلى التمحور حول الإنسان لا السوق، وإلى جعل رفاه الشعوب المعيار الأول لنجاح التنمية.
هذا المفهوم يذكّرنا بجوهر العدالة الاجتماعية الذي نادت به التجارب الوطنية العربية في بدايات نهضتها، قبل أن تبتلعها الخصخصة والعولمة النيوليبرالية.
الصين هنا تُعيد الاعتبار إلى الكرامة الاجتماعية، لا إلى أرقام النمو.
وبالنسبة لفلسطين، فإن هذا المفهوم يفتح الباب أمام تبنّي نموذج تنموي مقاوم، يقوم على تمكين الإنسان الفلسطيني الصامد في أرضه، لا على انتظار المنح أو المساعدات.

ثانياً: التنمية المشتركة لا التنافسية

حين دعا هان إلى “تنفيذ أجندة الأمم المتحدة للتنمية المستدامة لعام 2030 على نحو كامل”، كان يضع العالم أمام معادلة أخلاقية: التنمية ليست سباقًا بين الأغنياء والفقراء، بل شراكة متكاملة بين الشمال والجنوب.
إن هذا المبدأ يعيد للدول العربية — ولا سيما الفقيرة منها — حقها في أن تكون شريكًا لا تابعًا، مستفيدة من المبادرات الصينية مثل مبادرة الحزام والطريق ومبادرة التنمية العالمية.
ولفلسطين تحديدًا، فإن هذا التوجه يعني إمكانية الانخراط في مشاريع تنموية إقليمية دون المرور عبر بوابات الاحتلال أو إملاءات المانحين الغربيين، في انسجام مع رؤية التنمية المستقلة والمستدامة.

ثالثاً: الشمول والمنفعة العامة

الحديث عن “توزيع متوازن للموارد وتكافؤ فرص التنمية” ليس جديدًا في الخطاب الأممي، لكنه يأخذ بعدًا عمليًا في التجربة الصينية التي نجحت في بناء أكبر أنظمة للتعليم والرعاية الصحية والضمان الاجتماعي في العالم.
إن دعوة الصين إلى شمول كبار السن وذوي الإعاقة والنساء والشباب في التنمية، تمثل درسًا للعالم العربي الذي لا تزال فيه الفجوات الاجتماعية واسعة، والتمييز في الفرص صارخًا.
أما في الحالة الفلسطينية، فالشمول يعني الاستثمار في رأس المال البشري رغم القيود، وتمكين الفئات المهمشة لتصبح جزءًا من معادلة الصمود الوطني لا عبئًا عليه.

رابعاً: التضامن والتعددية الحقيقية

في النقطة الرابعة، وضع هان تشنغ إصبعه على جرح العالم المعاصر: أزمة الثقة في النظام الدولي.
حين دعا إلى “حوكمة عالمية تستند إلى التشاور والمنافع المشتركة”، كان يشير إلى فشل النمط الغربي الأحادي في تحقيق العدالة، وإلى ضرورة تمكين الدول النامية من صوت حقيقي داخل منظومة الأمم المتحدة.
هذه الرسالة تمس العرب مباشرة، خصوصًا في ظل التهميش الدولي لقضاياهم المركزية وعلى رأسها فلسطين.
فالصين، برؤيتها المتعددة الأقطاب، تمنح الأمل في نظام دولي لا يحتكر القرار ولا يساوم على العدالة.

الصين والعرب: نحو شراكة قيمية لا اقتصادية فقط

ما يميز المقاربة الصينية أنها تتحدث بلغة القيم قبل الأرقام، وبذلك تلتقي مع طموحات الشعوب العربية التي تبحث عن تنمية تحترم خصوصيتها الثقافية والاجتماعية.
إن العالم العربي — إن أحسن التقاط هذه اللحظة — يمكن أن يجد في الصين حليفًا تنمويًا واستراتيجيًا يدعم استقلال قراره الاقتصادي والسياسي، بعيدًا عن مشروطيات المانحين التقليديين.

فلسطين في قلب المعادلة

إن مقترحات هان تشنغ تضع أمام الفلسطينيين فرصة جديدة: الانتقال من خطاب المظلومية إلى خطاب التنمية والصمود الذاتي.
فالتنمية الاجتماعية في المفهوم الصيني ليست ترفًا اقتصاديًا، بل شكل من أشكال المقاومة الحضارية، إذ تُبنى من القاعدة الشعبية، وتُكرّس العدالة بوصفها حقًا إنسانيًا لا منّة.
ومن هنا، فإن تبنّي فلسطين لنهج تنموي إنساني قائم على العدالة والمشاركة — كما تدعو الصين — هو تعبير عن السيادة بحد ذاتها، في وجه الاحتلال والتبعية.

نقول: العالم يتغير.. والفرصة أمام العرب

لقد قدّمت الصين من خلال خطاب نائب رئيسها رؤية متكاملة لعالم أكثر توازنًا وإنصافًا.
وللدول العربية، وللفلسطينيين خاصة، أن يدركوا أن التحالف مع قوى العدالة والتنمية الجديدة ليس خيارًا اقتصاديًا فحسب، بل خيار وجودي لحماية كرامة الإنسان العربي، وترسيخ الحق الفلسطيني في التنمية والحرية.

.

زر الذهاب إلى الأعلى