قراءة في كتاب “ماذا وكيف يفكر القائد الصين استراتيجيات شي جينبينغ في قيادة الصين”

اجنادين نيوز/ ANN

بروفيسور عبد الكريم بن خالد: أستاذ محاضر بجامعة أدرار في الجزائر، عضو هيئة تحرير شبكة طريق الحرير الصيني الإخبارية، عضو الاتحاد الدولي للصحفيين والإعلاميين أصدقاء وحلفاء الصين، عضو الرابطة العربية الصينية للحوار والتواصل.

يعد كتاب (ماذا وكيف يفكر القائد الصيني ، استراتيجيات شي جينبينغ في قيادة الصين) الصادر عن منشورات زمكان ، بيروت ، عمل أكاديمي تحليلي متميز مشترك من تأليف أ. د. تشن جيه والدكتور محمد زريق ، الطبعة الأولى 2025 ، حيث يستعرض هذا الكتاب في مقدمته فلسفة القيادة عند شي جينبينغ منذ وصوله للسلطة سنة 2012 (كأمين عام للحزب الشيوعي) ثم رئاسة الصين في 2013.
ومن المحتوى العام للكتاب فهو جاد في الطرح من خلال التركي على مفهوم “النمط الصيني للتحديث”، الذي يجمع بين الأصالة الثقافية الصينية والتكيف مع متطلبات العصر (التكنولوجيا، الاقتصاد الرقمي، التنمية المستدامة) ، ويعرض دور الحلم الصيني كإطار شامل للنهوض الوطني وتحقيق العدالة الاجتماعية و”الرفاهية المشتركة”، ويوضح كيف شكلت مكافحة الفساد، تعزيز الاستقرار السياسي، والحوكمة الشعبية ركائز رئيسة في فكر شي، ويبين أن الابتكار (الذكاء الاصطناعي، الطاقة المتجددة، البنى الذكية) أصبح المحرك الأساس للنمو. ويعد هذا الكتاب فسحة جيدة لمعرفة دور مبادرة الحزام والطريق بوصفها ترجمة عملية لرؤية الصين في التعاون العالمي القائم على الترابط والمنفعة المتبادلة، بعيدا عن الهيمنة الغربية والتأكيد على الحوكمة الشعبية ضمن النموذج الصيني المختلف عن النموذج الغربي والتطرق إلى أن إنجازات الصين في عهد شي (مثل انتشال مئات الملايين من الفقر المدقع) تعد ترجمة عملية لهذه الفلسفة وهذا النموذج المتفرد. وما يلاحظ من القراءة المتأنية للكتاب أنه يجمع بين التحليل الاكاديمي و السرد السياسي لمسيرة شي جينبينغ، مركزا على الجمع بين التقاليد الصينية والاستراتيجيات الحديثة لمواجهة التحديات الداخلية والخارجية الراهنة.
اما الفصل الثاني من هذا الكتاب والذي تطرق فيه المؤلفان الى الرؤية الصينية الكبرى: “الحلم الصيني” تحت إشراف شي جينبينغ. ومن من خلال قراءة دقيقة و وتحليلية لهذا الفصل المتميز والذي يلخص أبرز المحاور الأساسية التي وقف فيها المؤلفان والتي يركز عليها الرئيس شي جينبينغ في رؤيته الاستراتيجية لبناء “الصين العظمى” والتي تنطلق
أولا: من تعزيز الهوية والثقافة الصينية من خلال إحياء التراث الثقافي (الكونفوشيوسية، الفنون التقليدية)، مبادرة الثقة الثقافية الصينية بربط الشعب بماضيه وتاريخه وإدماج الثقافة في التعليم و الإعلام و الأدب والفنون لمواجهة تأثير العولمة والثقافة الغربية مع الحفاظ على الأصالة، إضافة الى دعم الصناعات الثقافية الحديثة (السينما، الموضة، الفنون).
ثانيا: تعزيز الحلم الصيني انطلاقا من رؤية نهضوية شاملة اقتصادية، سياسية، وثقافية وبناء أمة قوية ومزدهرة، مما يجعل الصين قوة عظمى عالمية ذات تأثير ثقافي وسياسي.
ثالثا: التقدم الاقتصادي كركيزة للنهضة الانتقالية من النمو الكمي إلى النمو النوعي والتركيز على التنمية الخضراء، وتفعيل مبادرة الحزام والطريق لتعزيز النمو الاقتصادي والاستثمار في الطاقة المتجددة كأداة للتطوير الطاقوي.
رابعا: الإصلاحات الاقتصادية من خلال إصلاح القطاع المالي وتقليل المخاطر المرتبطة بالديون، تشجيع الشركات الصغيرة والمتوسطة، جذب الاستثمارات الأجنبية، تطوير الزراعة المستدامة والأمن الغذائي و إصلاح النظام الضريبي لتقليل الفوارق الاجتماعية وتعزيز التجارة الحرة والانفتاح على الأسواق الدولية.
خامسا: دعم السياسات الاجتماعية ورفاهية الشعب من خلال إصلاح شامل للتعليم وتحسين الرعاية الصحية ودعم الإسكان الاجتماعي و تحسين ظروف العمل وحقوق العمال وتعزيز العدالة الاجتماعية وتكافؤ الفرص.

اما الفصل الثالث من هذا الكتاب فقد أجاد المؤلفان بإسهاب في التركيز على الاصلاحات الشاملة والتحول نحو التجديد الوطني، والذي يعد من أهم ركائز فكر شي جينبينغ في إعادة بناء الحزب والنظام الإداري والسياسي بما يضمن استقرار الصين وقوتها من خلال إصلاح الحزب الشيوعي والنظام الإداري وتعزيز مركزية القيادة الحزبية لتكون المرجعية العليا لكل السياسات واطلاق الحملة الشاملة لمكافحة الفساد وتحديث الجهاز الإداري وإنشاء مؤسسات جديدة مثل اللجنة المركزية للإصلاح لضمان سرعة التنفيذ، إضافة الى تجديد الروح المؤسسية وتعزيز الانضباط الحزبي وتعزيز مبدأ القيادة الجماعية للحد من النزعة الفردية في القرار. وتقريب الحزب من الشعب عبر زيارات ميدانية مباشرة إلى المناطق الريفية النائية، واطلاق مبادرات مكافحة الفساد كأداة للاستقرار الاجتماعي والاقتصادي وخلق بيئة سياسية ملائمة.
ومن خلال هذا الفصل الذي يظهر أن روية شي جينبينغ على ان الإصلاحات ليست مجرد تعديل إداري، بل مشروع متكامل لإعادة صياغة السياسة الصينية بما يضمن الاستقرار الداخلي للصين والذي حتما سوف يؤثر على المقاربة الخارجية الصينية.

أما الفصل الرابع فقد كان جادا ودقيقا في المقاربة الدبلوماسية الصينية في عهد الرئيس شي جينبينغ ورؤيته لبناء مجتمع ذو مستقبل مشترك للبشرية من خلال رؤيه العامة في تعزيز التعاون الدولي وتحقيق التنمية المشتركة بدلا من المنافسة الصِدامية مما جعل الصين قوة مستقرة ومساهمة في النظام الدولي لا قوة منازعة له بالتركيز على الشراكات المتكافئة خصوصا مع الدول النامية ، إضافة الى التنمية المشتركة التي تعتبر ركيزة أساسية في دبلوماسية الصين والتي تتجلى بوضوح في مبادرة الحزام والطريق (2013)، و المساهمة في السلام والاستقرار الدوليين مع احترام سيادة الدول وعدم التدخل في شؤونها الداخلية والدعوة إلى نظام دولي متعدد الأقطاب أكثر عدالة ومواجهة التحديات العالمية كـــ(التغير المناخي، الأزمات الصحية، الأمن السيبراني، الطاقة المستدامة) وبناء شراكات استراتيجية شاملة قائمة على ( الاقتصاد، الامن، الثقافة، البيئة) وقد تطرق هذا الكتاب بشكل دقيق ومفصل الى مبادئ السياسة الخارجية الصينية في عهد شي المبنية على الاحترام المتبادل والتنمية المشتركة والمنفعة المتبادلة، والتعددية كبديل للأحادية القطبية والتأكيد على مبدا حقوق الإنسان والعدالة الاجتماعية وفق منظور صيني شامل.

الفصل الخامس والمعنون بــــــــ “حكم مستقر وأمة مزدهرة” يعرض فيه المؤلفون بشكل تحليلي جيد الاستراتيجيات التي اعتمدها الرئيس شي جينبينغ في قيادة الصين وسط التحولات العالمية ،والتي يمكن تلخيص أهم محاورها في النقاط التالية : التكيف مع العولمة والتحديات الاقتصادية ، التحولات الهيكلية نحو الابتكار وإدارة سلاسل التوريد ومواجهة الحروب التجارية إضافة الى تحقيق النمو المستدام ودعم المشروعات الصغيرة والمتوسطة ومواجهة التحديات البيئية مثل خفض الانبعاثات وتبني استراتيجية الاقتصاد الأخضر والاعتماد على الابتكار العلمي والتكنولوجي حيث ان الصين أصبحت ثاني أكبر دولة في العالم من حيث الإنفاق على البحث والتطوير الاقتصاد الرقمي و الريادة في التجارة الإلكترونية والدفع الرقمي ودعم بحوث الفضاء ، وما يمكن استخلاصه من في هذا الفصل للكاتبين ان استراتيجية شي جينبينغ تقوم على التوازن بين الانفتاح على العولمة وحماية الاستقلالية الاقتصادية.
الفصل السادس فيتناول مقاربة شي جينبينغ في التحديث العسكري والدفاع عن الأمن القومي، وهو محور أساسي في فكره السياسي والقيادي حسب وجهة نظر المؤلفون من خلال دمج الجيش في مشروع النهضة الصينية عن طريق التكنلوجيا الحربية و الاستثمار في الذكاء الاصطناعي، الفضاء، والروبوتات العسكرية، تعزيز القدرات الفضائية من أقمار صناعية، مركبات فضائية و أنظمة مراقبة عسكرية، إضافة الى مواجهة التحديات الحربية التقليدية كالحرب على الإرهاب و الهجمات الإلكترونية و والحروب الهجينة وتحديث البحرية والمشاركة النشطة في حفظ السلام عبر هيئة الأمم المتحدة.
اما الفصل السابع والذي يعالج فيه المؤلفان باطناب كبير مستقبل الصين: التطلعات والتحديات، مع التركيز على استراتيجيات الرئيس شي جينبينغ في قيادة البلاد من خلال التناغم الداخلي والوحدة الوطنية والانسجام القومي والذي يمثل تحديا وفرصة لتحقيق الرفاه المشترك والقضاء على الفقر وتخفيف الفوارق بين المناطق الريفية والحضرية و الاستثمار في التعليم، الصحة، والبنية التحتية والاعتماد على الصناعة كقوة اقتصادية حولت الصين من اقتصاد يعتمد على الصناعات التقليدية إلى اقتصاد مبني على التكنولوجيا والابتكار وجعل التكنولوجيا في خدمة المجتمع بالاعتماد على منصات الذكاء الاصطناعي، المنصات الرقمية، والخدمات الذكية لتقليص الفجوة بين الحضر والريف ، حيث يبرز الكاتبان في هذا الفصل رؤية شي جينبينغ في جعل الصين دولة قوية، متناغمة داخليا، متقدمة صناعيا وتكنولوجيا وحاضرة دوليا.
وفي الختام إن ما يميز هذا الكتاب عموما أنه يعد مرجعا مهما لفهم فكر القيادة الصينية المعاصرة من خلال الجمع بين التحليل الأكاديمي الرصين والسرد السياسي المبسط، إضافة إلى التغطية الشاملة لمختلف الأبعاد: السياسية، الاقتصادية، الاجتماعية، الثقافية، والعسكرية مع إبراز الخصوصية الصينية في مسار التحديث، بعيداً عن النموذج الغربي، إضافة الى التوازن بين الهوية الثقافية الصينية والتحديات المعاصرة واعتماد أمثلة عملية ملموسة مثل القضاء على الفقر والتقدم التكنولوجي وتقديم رؤية دقيقة للسياسة الخارجية الصينية من خلال مبادرة الحزام والطريق.

زر الذهاب إلى الأعلى