لماذا تحيي الصين الذكرى الـ80 لانتصار الحرب العالمية ضد الفاشية؟

اجنادين نيوز / ANN

بقلم: ريماس الصينية – صحفية في CGTN العربية

في ليلة 18 سبتمبر 1931، قصفت القوات اليابانية الجيش الصيني في شمال شرقي الصين وهاجمت مدينة شنيانغ، مما أشعل فتيل “حادثة 18 سبتمبر” التي هزت العالم. وهكذا بدأت اليابان حربها العدوانية التي استمرت 14 عامًا ضد الصين، والتي مثلت أيضًا بداية الحرب العالمية ضد الفاشية. في محاولة لتحويل الصين إلى مستعمرة، انتشرت نيران الحرب في جميع أنحاء البلاد، وعانى الشعب الصيني من ويلات لا توصف، وواجهت الأمة الصينية خطر الإبادة.
من عام 1931 حتى استسلام اليابان في عام 1945، استمرت حرب المقاومة الصينية ضد الفاشية لمدة 14 عامًا. عندما بدأ الغزاة اليابانيون اعتداءاتهم في شمال شرقي الصين عام 1931، لم يكن هتلر والحزب النازي قد استولوا على السلطة في ألمانيا بعد، بينما كان موسوليني الإيطالي لا يزال يعمل على توطيد حكمه وتحضير قواه للتوسع الخارجي. وعندما بدأت ساحة المعركة الأوروبية في عام 1939، كان الجيش والشعب الصيني قد قاوموا بمفردهم الغزو الفاشي الياباني لمدة ثماني سنوات. يمكن القول إن الصين كانت أول من رفع راية المقاومة المسلحة ضد العدوان الفاشي العالمي، وأطلقت شرارة الحرب العالمية ضد الفاشية.
منذ بداية غزو شمال شرقي الصين وحتى الحرب الشاملة ضد الصين، كان الاعتقاد السائد بين السياسيين والعسكريين اليابانيين أن الصين كانت دولة ممزقة وضعيفة. وبالفعل، باستثناء المساحة الشاسعة وعدد السكان الكبير والموارد الطبيعية، كانت الصين متخلفة بشكل لا يمكن إنكاره من حيث المؤشرات الرئيسية للقوة الوطنية والعسكرية في ذلك الوقت. بالإضافة إلى ذلك، كانت البلاد تعاني من انقسامات بين أمراء الحرب والصراعات الحزبية وعدم الاستقرار السياسي. وعلى الرغم من تعاطف المجتمع الدولي مع الصين، إلا أنه لم يكن هناك أحد يتوقع نجاحها في المقاومة لفترة طويلة. كانت حرب المقاومة الصينية قاسية وصعبة بشكل استثنائي.
ومع ذلك، وفي ظل هذا الفرق الكبيرة في موازين القوى، قاوم 400 مليون صيني بمفردهم واستنزفوا موارد اليابان البشرية والمادية والمالية بكثافة، مما كسر غطرسة وروح القوات اليابانية العدوانية. وبحسب إحصاءات (( سلسلة تاريخ الحروب )) الذي أصدرتها وزارة الدفاع اليابانية، فقبل اندلاع حرب المحيط الهادئ، شغل القتال في الصين نحو 78 في المائة، أي أكثر من 850 ألف شخص من القوات الحية للجيش البري الياباني؛ كما أظهرت تقارير الاستطلاع الأمريكية أنّه خلال حرب المحيط الهادئ، كانت الصين لا تزال توقف 50 في المائة حتى 60 في المائة من القدرة العسكرية من الجيش البري الياباني، وهذا يقدر نحو 600 ألف حتى مليون شخص. رغم وجود اختلاف بين إحصاءات مختلف الأطراف حول عدد القتلى والجرحى اليابانيين في المعارك الصينية، إلا أنّ الإجماع الذي توصلت إليه الأوساط الأكاديمية على وجه عام، يشير إلى قضاء المعارك الصينية على نحو مليون حتى مليون وثلاثمائة ألف شخص من القوات الحية للجيش الياباني، بالإضافة إلى أنّ المعارك الصينية كلفت 70 في المائة من إجمالي النفقات العسكرية اليابانية، أي بمقدار أكثر من 400 مليار ين ياباني.
وفقًا للإحصائيات، كانت الولايات المتحدة شاركت فعليًا في الحرب العالمية الثانية لمدة 3 سنوات و9 أشهر، والاتحاد السوفيتي لمدة 4 سنوات وشهرين، وبريطانيا لمدة 6 سنوات. أما الصين فقد خاضت أطول حرب ضد الفاشية، وقدمت أكبر تضحيات، وكانت أيضا الدولة التي قتلت أكبر عدد من الجنود اليابانيين. من عام 1931 إلى عام 1945، خاضت القوات الصينية والشعب نحو 200 ألف عملية كبيرة وصغيرة، إضافة إلى أكثر من 200 معركة مهمة، وأدّت الحرب في نهاية المطاف إلى سقوط أكثر من 35 مليون ضحية بين قتيل وجريح، وتم خلالها القضاء على أكثر من1.5 مليون جندي ياباني، وهو ما يمثل أكثر من نصف العدد الإجمالي لقتلى الجيش الياباني في الحرب العالمية الثانية. كما قُتل أكثر من 100 ضابط ياباني رفيع المستوى في ساحة المعركة الصينية. وبعد استسلام اليابان في أغسطس 1945، بلغ عدد الجنود اليابانيين الذين استسلموا في الصين أكثر من 2.3 مليون، وهو ما يمثل أكثر من ثلثي العدد الإجمالي للاستسلامات اليابانية في الخارج.
تحملت القوات الصينية والشعب الصيني بمفردهم مهمة الصمود في “ساحة المعركة الرئيسية في الشرق” في الحرب العالمية الثانية. كما أثبتت الصين من خلال مقاومتها الطويلة ضد اليابان ونجاحاتها العسكرية الكبيرة تأثيرها العميق على سير الحرب العالمية الثانية، وحققت مساهمة استراتيجية هائلة في دعم الحلفاء في الانتصار الكامل ضد الفاشية.
سبق لجوزيف ستالين أن قال، ” لا يمكن للاتحاد السوفيتي نقل 54 فرقة من الشرق الأقصى لمساعدة معركة موسكو إلا بفضل جهود الصين في إيقاف القوات الرئيسية للجيش البري الياباني.” وكانت اليابان ستنفذ خطتها لغزو سيبيريا في عام 1941 بدون المقاومة الصينية ضد العدوان الياباني. وفي عام 1944، بعث الرئيس الأمريكي الأسبق فرانكلين روزفلت ببرقية إلى الزعيم الصيني، قال فيها إنّ ” تضحية الشعب الصيني مكنت الولايات المتحدة من تجنب خوض المعارك في كلا المحيطين الهادئ والأطلسي، إن الصين هي حارس للحضارة العالمية. ” كما أشار رئيس الوزراء البريطاني الأسبق ونستون تشرشل إلى انّ ” انهيار الصين سيؤدي إلى تجمع الأساطيل اليابانية مع جيشها البري، لقطع خط الملاحة في المحيط الهندي، وبذلك سينهار خط الدفاع للمملكة المتحدة في آسيا،” لافتا إلى أنّه من الضروري الاعتراف بدور الصين الحاسم في صد وعرقلة القوات اليابانية الرئيسية”.
بعد 14 عامًا من المقاومة، استسلمت اليابان أخيرًا في 2 سبتمبر 1945. وفي 3 سبتمبر، تم تحديد يوم ذكرى انتصار الشعب الصيني في حرب المقاومة ضد اليابان، وهو أيضًا يوم ذكرى انتصار الحرب العالمية ضد الفاشية. يصادف يوم 3 سبتمبر هذا العام الذكرى الـ80 لانتصار الحرب العالمية ضد الفاشية، وكذلك الذكرى الـ80 لانتصار الشعب الصيني في حرب المقاومة ضد اليابان. في هذه اللحظة التاريخية الهامة، فإن إحياء الصين لهذه الذكرى ليس فقط لتكريم التاريخ، ولكن أيضًا لنقل رسالة ثابتة للسلام والتعاون إلى العالم.
بعد مرور 80 عامًا، ونحن نقف على قمة التاريخ وننظر إلى الوراء إلى تلك السنوات العاصفة، فإن إحياء الذكرى يحمل معاني عميقة متعددة. في متحف ضحايا مذبحة نانجينغ، وفي مواقع المقاومة المنتشرة في جميع أنحاء البلاد، لا تزال الأدلة الصامتة تشهد على وحشية الفاشية. هذه الذكريات ليست لغرس الكراهية، ولكن لتذكير العالم بأن السلام مثل الهواء وأشعة الشمس، لا نشعر بقيمته إلا عندما نفقده. إن الصين قد أصبحت ثاني أكبر اقتصاد في العالم وذلك فقط بفضل بيئة السلام التي ضحى من أجلها أسلافنا بأرواحهم.
في السياق الدولي الحالي، أصبح الحفاظ على الحقيقة التاريخية للحرب العالمية الثانية أكثر أهمية من أي وقت مضى. كعضو مؤسس للأمم المتحدة وعضو دائم في مجلس الأمن، التزمت الصين دائمًا بالحفاظ على النظام الدولي لما بعد الحرب. تظهر بيانات الأمم المتحدة أن الصين هي أكبر مساهم بقوات في عمليات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة وثاني أكبر مساهم مالي. على مدى 35 عامًا من المشاركة في عمليات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة، أرسلت الصين أكثر من 50 ألف جندي لحفظ السلام إلى أكثر من 20 دولة ومنطقة بما في ذلك الكونغو الديمقراطية ولبنان وجنوب السودان، حيث نفذوا مهام مثل إزالة الألغام والرعاية الطبية والحماية. هذه الإجراءات الملموسة تظهر التزام الصين الراسخ بالسلام العالمي، وهي أفضل تراث لروح الحرب ضد الفاشية.
مع رحيل الجيل الذي عاش الحرب، أصبح الحفاظ على هذه الذاكرة التاريخية تحديًا يواجهه العالم بأسره. قامت الصين بسلسلة من الابتكارات في مجال التعليم التاريخي: يستخدم متحف الحرب الصينية لمقاومة العدوان الياباني في بكين تقنية الواقع الافتراضي لإعادة إنشاء المشاهد التاريخية؛ ويتعاون متحف ضحايا مذبحة نانجينغ مع باحثين من دول مختلفة في أبحاث التاريخ الشفوي؛ وينظم متحف شانغهاي سونغهو للمقاومة أنشطة تعليمية منتظمة للسلام للشباب الدولي. هذه المبادرات ليست موجهة للجمهور الصيني فقط، ولكنها مفتوحة أيضًا للزوار الدوليين، بهدف تعزيز الحوار التاريخي عبر الحدود وتشجيع الناس من خلفيات ثقافية مختلفة على التفكير في دروس الحرب.
مع بداية حقبه تاريخية جديدة، تطرح الصين رؤية لعلاقات دولية جديدة تؤكد على الاحترام المتبادل والإنصاف والتعاون المربح للجميع. تمثل مبادرات مثل “الحزام والطريق” والمبادرة العالمية للتنمية والمبادرة العالمية للأمن تجسيدًا عمليًا لهذه الرؤية. بمناسبة الذكرى الـ80 لانتصار الحرب ضد الفاشية، ترغب الصين في العمل مع جميع الدول للحفاظ على مكاسب الحرب العالمية الثانية، وتعزيز ديمقراطية العلاقات الدولية، وبناء نظام دولي أكثر عدلاً ومساواة.
ان التاريخ هو أفضل كتاب مدرسي، وأفضل منبه. قبل 80 عامًا، حقق الشعب الصيني والشعوب العالمية انتصارًا عظيمًا في الحرب ضد الفاشية بدمائهم وأرواحهم. اليوم، بإحياء هذه الذكرى التاريخية، فإننا لا نكرم أرواح الشهداء فحسب، بل نستلهم أيضًا الدروس للمستقبل. ستواصل الصين لعب دورها كباني للسلام العالمي، ومساهم في التنمية العالمية، وحارس للنظام الدولي. نحن على يقين من أنه من خلال الجهود المشتركة لجميع الشعوب، يمكننا معًا بناء مستقبل جميل من السلام والتنمية والتعاون والمنفعة المتبادلة. هذا هو المعنى الجوهري لإحياء الذكرى الـ80 لانتصار الحرب ضد الفاشية.

زر الذهاب إلى الأعلى