الصين في الشرق الأوسط: اللاعب الهادئ في زمن الانفجار

اجنادين نيوز / ANN
بقلم المهندس : غسان جابر عضو الاتحاد الدولي للصحفيين و الاعلاميين والكتاب العرب اصدقاء وحلفاء الصين فرع فلسطين
سياسي فلسطيني – قيادي في حركة المبادرة الوطنية الفلسطينية – نائب رئيس لجنة تجار باب الزاوية و البلدة القديمة في الخليل.
بينما تتطاير الصواريخ فوق أجواء أصفهان وتل أبيب، وتُعيد الولايات المتحدة رسم خطوط النار في سماء الشرق الأوسط، تبقى الصين حاضرة في المشهد… ولكن بصمت. لا قواعد عسكرية، لا حاملات طائرات، ولا تهديدات نارية، بل استثمارات، مذكرات تفاهم، ومبادرات دبلوماسية تَغزل نفوذًا هادئًا في منطقة تمزقها المواجهات.
من الظل إلى التأثير: بكين تدخل على الخط
الحرب الأميركية-الإسرائيلية على المنشآت النووية الإيرانية، رغم خطورتها، لم تُقابل من الصين سوى بتصريحات مقتضبة تدعو إلى “ضبط النفس” و”تجنب التصعيد”. هذا الحذر ليس ضعفًا، بل جزء من الاستراتيجية الصينية بعيدة المدى: النفوذ بلا صدام، والتمدد بلا ضجيج.
فبينما تنشغل واشنطن في استعراض عضلاتها العسكرية، تُراكم الصين أوراقها عبر:
الاستثمار طويل الأمد، مثل اتفاق الشراكة الاستراتيجية مع إيران بقيمة 400 مليار دولار.
الشبكات التجارية واللوجستية ضمن مشروع “الحزام والطريق”.
دبلوماسية التهدئة، كما حدث في رعايتها التاريخية للتقارب السعودي-الإيراني في 2023.
إيران: شريك مضطرب لكنه مهم
إيران بالنسبة لبكين ليست فقط مزودًا موثوقًا بالنفط، بل عقدة لوجستية في طريق الحرير الجديد. ولهذا، ترى الصين أن إضعاف إيران عبر الضربات الأميركية لا يُهدد أمن المنطقة فقط، بل يُهدد مصالحها المباشرة في الطاقة والتجارة.
ومع ذلك، تُدير الصين علاقتها مع طهران بحذر. فهي لا تنوي الدخول في صدام مباشر مع واشنطن، ولا تريد أن تُحسب كـ”حليف استراتيجي مطلق” لإيران. بل تلعب دور المستفيد الحذر والموازن الصامت.
الفراغ الأميركي… وموطئ قدم صيني
الانسحابات الأميركية التدريجية من بعض بؤر التوتر في المنطقة، إلى جانب التوترات بين واشنطن وحلفائها التقليديين (مثل السعودية وتركيا)، فتحت للصين نوافذ استراتيجية لمد نفوذها، دون أن تطلق رصاصة واحدة.
في الخليج، تحولت الصين إلى الشريك التجاري الأول لكثير من الدول.
في أفريقيا والقرن الأفريقي، بنت موانئ ومناطق لوجستية تُعزز من حضورها في مدخل البحر الأحمر.
في إسرائيل نفسها، رغم الحذر الأميركي، توجد استثمارات صينية ضخمة في البنية التحتية، خاصة في الموانئ وتكنولوجيا المياه.
هل تتحول الصين إلى “حَكَم” إقليمي؟
في حال استمرار التصعيد وغياب مبادرات السلام الجادة، قد تجد الصين نفسها – رغم تحفظها التقليدي – أمام فرصة تاريخية للعب دور دبلوماسي أكبر. فهي الدولة الوحيدة التي لا تُتهم بالتحيّز الديني أو الاستعماري، وتتمتع بعلاقات مع جميع الأطراف: إيران، إسرائيل، الخليج، تركيا، وروسيا.
ومع تفاقم الكلفة الاقتصادية للحرب، قد تطلب بعض الأطراف “وسيطًا غير غربي”، وهنا تُصبح بكين مرشحًا طبيعيًا للعب دور المفاوض، أو على الأقل “الضامن الهادئ” لاتفاقات التهدئة المستقبلية.
القوة التي تنتظر
في وقتٍ يُعيد فيه الشرق الأوسط إنتاج أزماته بلغة المدافع والطائرات، تُراكم الصين مكانتها بإيقاع مختلف. لا حاجة لديها لصراع وجودي أو تحالفات أيديولوجية، بل تكفيها الحسابات الدقيقة والموارد الوفيرة، والسياسة الهادئة.
الصين ليست خصمًا، لكنها أيضًا ليست محايدة.
تريد استقرارًا يخدم مصالحها، ونفوذًا لا يهددها أحدٌ فيه. وفي لعبة الأمم هذه، قد يكون اللاعب الصامت هو من يربح في النهاية.