عيد قوارب التنين الصيني: تراث ثقافي يحرك عجلة الاقتصاد الحديث

أجنادين نيوز / ANN

بقلم الصحفية الصينية: سعاد يايي شين هوا

في الخامس من مايو حسب التقويم القمري، تحتفل الصين بعيد “دوان وو”، أحد أقدم أعيادها التقليدية. ويتميّز هذا العيد بطقوس بارزة، أهمها سباق قوارب التنين وتناول طعام “تسونغ تسي”. ويصادف عيد دوان وو لعام 2025 يوم 31 من مايو. مع حلول هذا اليوم، تفوح رائحة تسونغ تسي في الأرجاء، وتتنافس قوارب التنين في مياه الأنهار، احتفاءً بهذا العيد العريق.

يعود تاريخ عيد “دوان وو” إلى أكثر من 2500 عام، حيث بدأ كعيد شعبي للعبادة ودرء الكوارث والأرواح الشريرة. قبل نحو 2200 عام، ضحّى الشاعر الوطني “تشيو يوان” بنفسه، بإلقاء جسده في نهر ميليو تعبيرًا عن إخلاصه لوطنه. فتأثر الناس بتضحيته، وخرجوا يجدفون للبحث عنه، ويلقون كرات الأرز “تسونغ تسي” في الماء لإبعاد الأسماك عن جسده الطاهر.

ومنذ ذلك الحين، أصبحت عادة تناول تسونغ تسي وتنظيم سباق القوارب جزءًا لا يتجزأ من طقوس الاحتفال بعيد دوان وو في اليوم الخامس من الشهر القمري الخامس، وتوارثها الصينيون جيلًا بعد جيل. ولهذا، يُعرف أيضًا باسم “عيد قوارب التنين” أو “عيد تسونغ تسي”، لما يحمله من مشاعر الوفاء والمحبة العميقة للوطن.

حين يُذكر “دوان وو”، يتبادر إلى ذهن الصينيين أولًا طعام “تسونغ تسي”، وهو أكلة تقليدية تُصنع من الأرز اللزج وتُلف بأوراق الخيزران، وترمز إلى الحماية من الشر والدعاء بالسلامة. وتختلف نكهاته حسب المناطق: فمنه الحلو ومنه المالح. وفي وجدان الصينيين، لا يُعتبر تسونغ تسي مجرد طعام، بل هو رسالة حب ونيّة طيبة، ملفوفة في ورقة خيزران، تُهدى إلى الأحبّة مع كل لقمة.

اليوم، وبفضل التجارة الإلكترونية والبث المباشر، بات تسونغ تسي يُباع في مختلف أنحاء العالم، ليصبح مذاق العيد الصيني عالميًا بكل ما للكلمة من معنى.

إلى جانب تسونغ تسي، يُعدّ سباق قوارب التنين أحد أبرز تقاليد عيد دوان وو، خصوصًا في مدينة ميليو، حيث لم يعد مجرد رياضة، بل أصبح تجسيدًا عميقًا للهوية الثقافية الصينية.

تُعدّ ميليو من المراكز الرئيسية لصناعة قوارب التنين، ولا تزال المهارات التقليدية في النحت والبناء تُنقل فيها من جيل إلى جيل منذ آلاف السنين. وتتميّز هذه القوارب برأس التنين المنحوت في مقدمتها.

يقول السيد “شيو قوي شنغ”، حامل التراث الثقافي غير المادي في مجال صناعة قوارب التنين:
“رأس التنين ليس مجرد زينة، بل هو روح القارب. نحن الصينيين نُسمّي أنفسنا أحفاد التنين، فالتنين منذ القدم كان رمزًا روحيًا مقدّسًا في ثقافتنا. لذا، نصمّم مقدّمة القارب على شكل رأس تنين، تعبيرًا عن دعائنا لنيل بركة إله التنين، واستقرار بلادنا وازدهارها. نحن لا ننحت تنينًا فقط، بل نجسّد من خلاله روح الصين وصلابة شعبها.”

في ميليو، لا يمكن تفويت فرصة مشاهدة سباق قوارب التنين، لما يحمله من رمزية قوية للتكاتف والتعاون. فهو تجسيد حي لروح الأمة الصينية التي تتقدم بشجاعة وإصرار.

ومنذ عام 2005، نظّمت مدينة ميليو عشرين دورة من المهرجان الدولي لقوارب التنين، حيث شهد نهر ميليو عروضًا رياضية شيّقة شاركت فيها فرق دولية، جذبت أنظار الجماهير من شتى أنحاء العالم. وأصبح هذا الحدث بطاقة ثقافية تُبرز تكامل التراث الشعبي مع السياحة الثقافية، وتنقل هذه العادات إلى الساحة الدولية.

كما يعلّق الناس في يوم العيد نبات الشيح ويصنعون أكياس الأعشاب العطرية التقليدية، إيمانًا منهم بأن الشيح يطرد الأرواح الشريرة، وأن الأكياس العطرية تحمل دعاءً بالسلامة والبركة.

هذا الكيس الصغير، المطرز يدويًا، ليس مجرد قطعة زينة، بل يحمل بين خيوطه حبًا ودعاءً صادقًا لمن يُهدى إليه.

في ميليو، من ورقة تسونغ تسي، إلى قارب التنين، وصولًا إلى الكيس العطري، كلها رموز تحكي قصصًا انتقلت من الماضي إلى الحاضر، وتنبض اليوم بحياة جديدة.

عيد دوان وو لم يعد مجرد مناسبة تقليدية، بل تحوّل إلى منصة للتنمية الثقافية الشاملة، تسهم في دفع قطاعات متعددة إلى الأمام: من السياحة، إلى الصناعات اليدوية، ومن الطعام، إلى التجارة الدولية.

تسونغ تسي يُصدّر إلى مختلف أنحاء العالم، وقوارب التنين تُبحر نحو البحار البعيدة، لتروي للعالم قصة عيد صيني نابض بالأصالة والانفتاح.

زر الذهاب إلى الأعلى