وردة أمل…. قصة قصيرة

اجنادين نيوز / ANN

ياسمين شكري الخيام

كانت شمس الضحى قد اعتلت السماء ببهائها، تملأ الأجواء بدفئها ونورها حينما فتح “صلاح” باب بيته. كانت الحياة قد بدأت تدب في الشارع، وأصوات المارة وضجيج السيارات الخفيف يملأ المكان بهدوء مألوف. خرج صلاح بهدوء، تاركًا خلفه نوافذ منزله التي تتلألأ تحت أشعة الشمس الذهبية. لم يكن يبحث عن وجهة محددة بقدر ما كان يبحث عن فسحة لروحه، عن لحظة يتنفس فيها بعيدًا عن ثقل الأفكار.

بينما هو يسير، وقد أصبحت حركة الشارع نشطة، لمح شيئًا أبيض ناصعًا يلمع على حافة الرصيف بالقرب من سياج أخضر. اقترب بفضول، فوجدها وردة بيضاء صغيرة، سقطت للتو وكأنها تنتظر من يلتقطها. انحنى صلاح والتقطها برفق. بمجرد أن لامست أصابعه بتلاتها الناعمة، قفزت به الذاكرة إلى أيام قد سبقت، إلى زمن كان قلبه يرقص فرحًا بالحب.
تذكر “نسرين”، حبيبته التي كان يهديها كل يوم وردة، تمامًا ك هذه الوردة البيضاء. كانت الورود لغتهم السرية، رمزًا لوعودهم وأحلامهم التي خطوها معًا. لكن نشب بينهما خلاف، خلاف لم تستطع حتى كل ورود الدنيا أن تطفئ نار جفائه، فتفرقا. تنهد صلاح بعمق، وهو يتأمل الوردة البيضاء، كل بتلة فيها تحمل ذكرى عزيزة، وكل عطر يفوح منها يوقظ حنينًا عميقًا.

استمر في سيره، وعيناه معلقتان بالوردة، وذهنه شاردًا في خيوط الماضي. في نهاية الشارع، وعلى مرأى من مقهى كانت قد امتلأت مقاعده، سمع أصواتًا عالية وغاضبة. رفع رأسه فرأى شابين، فتاة وشاب، يتعاركان بينهما بالصراخ. بدت ملامح الغضب واضحة على وجهيهما، وكأن شمس الضحى الساطعة لم تستطع أن تبدد غيمة خصامهما.
في تلك اللحظة، لمعت فكرة إنسانية في ذهن صلاح. نظر إلى الوردة البيضاء في يده، ثم إلى الشابين الغاضبين. قال في نفسه: “لا يهديهما هذه الورده، لعلهما يهدا، وتهدأ معهما الأجواء.”
تقدم صلاح ببطء نحو الشابين، وابتسامة حانية ترتسم على وجهه، ابتسامة يلفها الحزن والأمل معًا. مد يده نحو الشاب، مقدمًا له الوردة البيضاء. تفاجأ الشاب، توقف عن الصراخ ونظر إلى صلاح، ثم إلى الوردة. ما كان منه إلا أن ابتسم له ابتسامة خجولة، بدأت ترخي توتر وجهه.
ثم التفتت الفتاة، التي كانت لا تزال ملامح الغضب على وجهها، لتنظر إلى ما يحدث. رأت الوردة في يد الشاب، ثم نظرت إلى الشاب نفسه. عندها، ابتسمت هي الأخرى. كانت ابتسامتها تشبه نسيمًا عليلًا بعد عاصفة. نظرت الفتاة إلى حبيبها، واختفى الخصام من عينيهما ليحل محله فهم صامت، وكأن الوردة حملت رسالة صلح.
ترك صلاح الشابين وهما يتبادلان النظرات والابتسامات الرقيقة، وكأن الوردة قد ألقت سحرها عليهما. استدار ومضى في طريقه، متأثرًا بهذه اللحظة. لم يكن يعلم ما سيحدث بينهما، لكنه زرع بذرة أمل صغيرة في قلبهما، بذرة بيضاء نقية ك نسرين التي أحبها يومًا، وكتلك الورود التي كانت لغتهما. شعر ببعض السلام يعود إليه، سلام لا يمحو الماضي تمامًا، لكنه يضيء الحاضر بأمل جديد في هذا الصباح المشرق.

زر الذهاب إلى الأعلى