(امرأة تكتب حلمها)….قصة قصيرة

اجنادين نيوز / ANN

كانت “ليلى” تقفُ أمام المرآة، تتأملُ وجهها الذي خطّت عليه الأيامُ بعضَ التجاعيد الخفيفة، لم تكنْ تجاعيدَ شيخوخةٍ بقدر ما كانتْ بصماتٍ لقصةٍ طويلةٍ من الكفاح. قبلَ عامين، خطفَ الموتُ زوجها فجأةً، تاركًا إياها وحيدةً مع ثلاثةِ أطفالٍ صغارٍ، أكبرهم لم يتجاوز العاشرة. شعرتْ حينها بأنّ الأرضَ انشقتْ وابتلعتها، وبأنّ السماءَ انطبقتْ عليها.
لم يكنْ أمامها خيارٌ سوى أن تنهض. تذكرتْ كلامَ زوجها الراحل الذي كان يقولُ دائمًا: “أنتِ أقوى مما تتصورين يا ليلى”. بدأتْ تبحثُ عن عملٍ، أيّ عملٍ يوفرُ لقمةَ العيشِ لأطفالها. عملتْ خياطةً في البداية، ثم توسعتْ لتبيعَ بعضَ المأكولاتِ المنزليةِ التي كانتْ تعدها بمهارةٍ فائقةٍ. كانتْ تعملُ ليلَ نهارَ، لا تعرفُ الكللَ ولا المللَ، عيناها كانتْ دائمًا على أولادها، هم الوقودُ الذي يدفعها إلى الأمام.
مرتْ الأيامُ والشهورُ، وكبرَ الأطفالُ أمامَ عينيها، يكبرون وتكبرُ معهم أحلامها. كانتْ حريصةً على تعليمهم، توفرُ لهم كلَّ ما يحتاجونه من كتبٍ ودروسٍ، رغمَ ضيقِ الحالِ. كانتْ تجلسُ معهم كلَّ مساءٍ، تساعدهم في واجباتهم، وتقصُّ عليهم القصصَ، وتحكي لهم عن أبيهم الذي كانَ يحبهم كثيرًا. غرستْ فيهم حبَّ العلمِ، وقيمَ العملِ الجادِ، والإيمانَ بأنّ لا شيءَ مستحيلٌ بالإرادةِ والعزيمةِ.
وذاتَ يومٍ، جاءتْ ابنتها الكبرى “فاطمة” تحملُ شهادةَ تخرجها من الجامعةِ، وقد حصلتْ على تقديرٍ عالٍ. لمعتْ الدموعُ في عيني ليلى، واحتضنتْ ابنتها بشدةٍ، شعرتْ بأنّ تعبَ السنينَ قد تلاشى في لحظةٍ واحدةٍ. تلاها “أحمد” الذي أصبحَ مهندسًا ناجحًا، ثم “لينا” التي اختارتْ أن تكونَ معلمةً، لتزرعَ العلمَ في قلوبِ الأجيالِ القادمةِ.
نظرتْ ليلى إلى أولادها الذين أصبحوا شبابًا وشاباتٍ ناجحين، وابتسامةٌ عريضةٌ ارتسمتْ على وجهها. لقد تغلبتْ على المصاعبِ، وصنعتْ من الألمِ أملًا، ومن اليأسِ حياةً. لم تكنْ مجردَ أرملةٍ كافحتْ لتربيةِ أطفالها، بل كانتْ بطلةً حقيقيةً، قصةَ نجاحٍ تُلهمُ كلَّ من يسمعها. كانتْ مثالًا للمرأةِ العربيةِ القويةِ التي لا تستسلمُ للظروفِ، بل تصنعُ من التحدياتِ فرصًا للنموِ والازدهارِ..
ياسمين شكري الخيام

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى