من الربيع العربي إلى الربيع العبري ..من هي القوة الخفية التي تحرك العالم؟

اجنادين نيوز / ANN

باسم فضل الشعبي

صحفي وكاتب ومحلل سياسي يمني
رئيس مركز مسارات للاستراتيجيا والاعلام

بالأمس وحينما تفجرت ثورات الربيع العربي ابتداءا من تونس مرورا بعدة دول عربية وصولا إلى اليمن، كان اعلام الأنظمة المستبدة يتهم شباب الثورات بأنهم يحركون ويستلمون الأوامر من دوائر تخريبية موجودة في اسرائيل، وأكثر رئيس عربي ردد هذا الكلام هو علي عبدالله صالح الرئيس السابق لليمن، إضافة إلى الرئيس الليبي معمر القذافي وغيرهم، اعتقدوا بأن الثورات التي انطلقت ضدهم هي مؤامرة خارجية تحركها إسرائيل، ولم يكونوا واقعيين البتة ليعترفوا بفشلهم في الحكم طوال ثلاثة أو أربعة عقود أنتجت الاستبداد والفساد وكانت في طريقها للتوريث، وان ما حدث من انتفاضات وثورات إنما هو تحصيل حاصل لما وصلت إليه الأوضاع من سوء مع انسداد كل أفق التغيير والإصلاح امام الناس.

واذا كانت اسرائيل هي العدو اللدود التي حملوها الثورات أو الربيع العربي، فإن السؤال اليوم هو: من يقف خلف الربيع العبري؟ الربيع الذي يجتاح اسرائيل منذ اشهر في محاكاة لثورات الشعوب العربية السلمية، التي انطلقت في بداية الأمر من جنوب اليمن فيما يعرف بثورة الحراك السلمي، التي مثلت فيما بعد الهاما للربيع العربي، وعلى الرغم من تراجع رئيس الحكومة الاسرائيلية نتنياهو عن التعديلات القضائية إلا أن الاحتجاجات الجماهيرية ما تزال في الشوارع تطالب بالمزيد من الإصلاحات، في الوقت الذي يجعل الكثير من الدوائر داخل إسرائيل والغرب وامريكا تتخوف من أن يكون ذلك بداية لتفكك اسرائيل وتمزق الجيش الذي يعد الضامن الحقيقي لبقاء هذه الدولة المحتلة في الوجود.

لا توجد اتهامات

لم يتهم نتنياهو أي دولة عربية أو غيرها بالوقوف خلف الاحتجاجات ضده كما فعل الزعماء العرب، وانما وجه اتهامه للمعارضة السياسية داخل إسرائيل نفسها، وتحت الضغط والمخاوف تراجع عن قرار التعديلات القضائية الذي كان من المرجح أن يمنحه الحصانة من المسالة القانونية في قضايا فساد يتهم بها.

التغيير إرادة ربانية وتحريك الشعوب والجماهير في انساق سلمية ليس من السهل، لذا فإن ما يحدث في اسرائيل – كما قال أحد المحللين- هي رسالة حقيقية على النخب أن تلتقطها قبل أن يحدث الانهيار الكبير وتتلاشى هذه الدولة الغاصبة القائمة على الحروب والتوسع في أراضي شعب وبلد اخر، بصورة همجية وغير قانونية، هناك مخاوف داخل إسرائيل يعبر عنها كتاب ومفكرون بأن العد التنازلي لهذه الدولة المحتلة بدأ في الظهور، ولأن هذا الكيان محمي بالغرب وامريكا وأموال اليهود وإمكانياتهم السياسية والإعلامية والمالية حول العالم، الا أن الله لا يحمي الظلم ولكن يمهله سنوات وعقود، لذا يعد الربيع العبري مؤشرا حقيقيا لحجم الأزمة التي تواجه هذا الكيان من داخله الذي اذا سلم اليوم لن يسلم غدا في حال ظل على ما هو عليه من ممارسات خاطئة وعنترية تجاه فلسطين وشعبها المؤمن بالخلاص.

ما الذي حدث بعد الربيع؟

الربيع العربي تم الانقلاب عليه من داخله وخارجه، من داخله عبر محاولة قوى بعينها الاستئثار بالثورة ومن ثم الدولة، ومن خارجه عبر دول عربية وأجنبية رأت في انتفاضات الشعوب خطرا حقيقيا عليها وعلى نفوذها ومصالحها في المنطقة.

وفي مقابل ثورات الشعوب السلمية أشعلت الدول المشار إليها ثورات مضادة دعمتها بالمال والسلاح للقضاء على تطلعات الشعوب في التغيير والإصلاح والبناء، حيث يعرف جميعنا القصة من اولها الى اخرها، كيف تم التعامل مع الثورات في مصر وسوريا وليبيا واليمن، وما حدث ويحدث في تونس من محاولة لإعادة الديكتاتورية والاستبداد من جديد، يرى مراقبون أن نجاح ثورات الربيع العربي في تحقيق الشراكة والديمقراطية والاستقرار يعد مهددا مباشرا لا سرائيل، التي تعتقد أنها الدولة الديمقراطية الاولى في المنطقة، ومن هذه الزاوية رأت امريكا الأمر ايضا، فضلا عن أن وجود دولة عربية ناجحة مسنودة بإرادة شعبية يشكل مهددا حقيقيا لمصالحها في المنطقة، اما إيران فإنها لا تريد دول عربية وطنية وقائمة على أساس مشروع وطني لأن ذلك سوف يمنعها من تحقيق أهدافها عبر الانقسامات الطائفية وغيرها، وفي الوقت نفسه رأت دول عربية غنية وجود أنظمة عربية وطنية ودول ناجحة بجوارها يشكل تهديدا وجوديا لها، مع أن ذلك غير صحيح، لذا تظافرت كل هذه الدول ووحدت جهودها رغم تناقض مشاريعها في القضاء على الربيع العربي بوسائل عديدة استخدمت فيها القوة والحروب في بلدان معينة منها اليمن، التي كما يبدو التقت فيه مصالح دول كثيرة وأوصلته إلى هذا المال من التمزق والتشرذم والمعاناة.

الربيع العربي رسالة من السماء في لحظة تظافرت فيها كل العوامل، وستظل كذلك تعبر عن أن التغيير والإصلاح تصنعه الشعوب قبل كل شيء ثم تستجيب إليه النخب إن فهمت وان لم تفهم يؤتى بغيرها.

إن محاولة الالتفاف على تضحيات الشعوب بإعادة إنتاج الاستبداد من جديد، والعمل على احباطها بالازمات المختلفة والمفتعلة حتى لا تفكر مرة أخرى بالتغيير، هو سلوك غبي وفاشل سوف يرتد على أصحابه في يوم ماء قريبا أو بعيدا.

ان معاقبة رجال التغيير والإصلاح بوسائل شتى، ومحاولة تشويههم واخضاعهم هو سلوك غبي أيضا لأن من نظروا للثورات ومن يحملون هم الأمة والإنسانية جمعاء، هم بالضرورة ادوات ربانية يتلقون ما يشبه الوحي من السماء لإنفاذ أرادة الله في الأرض في كل الظروف والاحوال، وان تأخر التغيير والخير والصلاح لا يعني أنه لن ياتي، فالخير يغلب الشر في الاخير في صراع كوني أزلي.

وليس بالضرورة أن يأتي التغيير والنهوض القادم عبر الثورات السلمية، لكنه سياتي بطرق أخرى عديدة ومتوفرة، فإرادة الله لا تقهر.

من هو المحرك؟

صحيح أن هناك قوى كبرى في العالم او كما يقول البعض قوى خفية تحرك الامور في غير مكان، لكن يمكن القول إن القوة الكبرى في الكون التي تحرك العالم كله هي قوة الله، علينا أن نؤمن بذلك، لان الايمان بقوة البشر والدول في مقابل قوة الله هو شرك بالله، فالبشر هم ادوات الله سواء أكانوا رسل أو أنبياء او مفكرين أو سياسيين أو علماء اوغيرهم، والحياة مجرد دار ابتلاء لمن يفعل الخير والشر، لكن الملك لله اولا واخيرا.

اذن القوة الخفية هي قوة الله، واذا كانت هناك قوى سياسية أو اقتصادية تدير وتتحكم بالعالم هي تفعل ذلك بإرادة الله، سواء أكانت تعمل الخير أو الشر، فالشر خلقه الله والخير خلقه الله، وهما في صراع وتدافع مستمر حتى يأذن الله بالنصر للخير باذن الله وتوفيقه، والله يقول في محكم التنزيل ” والأرض يرثها عبادي الصالحون” وفي ذلك إشارة ضمنية واضحة بانتصار الخير والصلاح، علينا أن نؤمن بذلك ونحن نناضل من أجل الخير والصلاح والفضيلة، كما أمرنا الله تعالى سواء أكنا أفرادا أو جماعات او دول.

العالم قادم على تحولات وتغييرات كبيرة، وما حدث بالأمس ويحدث اليوم هو مخاض عسير ليس إلا.

المقالة تعبر عن وجهة نظر الكاتب

زر الذهاب إلى الأعلى