طريق الحرير.. ماضي العراق الاقتصادي المشرق مع جمهورية الصين الشعبية

أجنادين نيوز  / ANN

الجزء الخامس

باسم حسين غلب
كاتب وصحفي، عضو نقابة الصحفيين العراقيين، مدير تحرير صحيفة البصرة الثقافية، معاون مدير قصر الثقافة والفنون أحد تشكيلات وزارة الثقافة العراقية.

في مقالنا السابق (الجزء الرابع)، من سلسلة مقالاتنا حول طريق الحرير، طرحنا سؤالاً بشأن بقاء التوترات بين الجانبين الأمريكي والصيني، مقتصرة على الوضعين الاقتصادي والسياسي، أم إن الأمور سوف تتجه نحو تصعيد من نوع آخر . في هذا المقال ، سنفتح ملف ، ربما هو الأخطر والأكثر تعقيداً (التوتر العسكري بين الصين والولايات المتحدة الأمريكية). يمكن القول، إنه وعلى مدى السنوات القليلة الماضية، حدث أكثر من إحتكاك بين الولايات المتحدة الأمريكية والصين، وهو ما ينذر بحدوث مواجهة عسكرية، بشكل أو بآخر، ليس بالضرورة بشكل مباشر ، وإنما قد يستعين الأمريكان بطرف آخر، لضرب الصين بهدف عرقلة مشروع طريق الحرير ( الحديث)، كما سنوضح ذلك من خلال سير الأحداث التي سنستعرضها خلال البحث.
في الحقيقة، هناك أكثر من دليل على تدخل الإدارة الأمريكية في الشؤون الداخلية للصين، ومنها على سبيل المثال ” دعمها للمتظاهرين في هونغ كونغ. وهو ما أثار الشكوك بشأن احتمال تحقيق تقدم في ملف التجارة” (1)
الموقف الأمريكي، تمثل بتوقيع الرئيس دونالد ترامب” قانوناً بشأن حقوق الإنسان والديمقراطية في هونغ كونغ” (2).
موقف الولايات المتحدة واجهته الصين بعقوبات صارمة، إذ أعلنت عن ” التعليق الفوري للرسو المؤقت لسفن حربية أمريكية في هونغ كونغ وفرض عقوبات على عدة منظمات أمريكية غير حكومية.وقالت المتحدثة بأسم وزارة الخارجية الصيني هوا شو نيينغ : إن (( هذه التدابير العقابية تأتي رداً على تبني الولايات المتحدة قانوناً لدعم التظاهرات التي تهز هونغ كونغ” (3) . من بين المنظمات التي طالتها العقوبات الصينية والتي لم تفصح عن طبيعتها : الصندوق الوطني للديمقراطية والمعهد الديمقراطي الوطني للشؤون الدولية والمعهد الجمهوري الدولي وهيومن رايتس ووتش وفريدم هاوس.

دخول العسكر على خط التصعيد، يعني ذلك إنتقال الصراع الاقتصادي بين الولايات المتحدة وجمهورية الصين الشعبية ، إلى مرحلة يمكن وصفها بالمتقدمة. الطرف الذي لعب دور في تأزيم الأمور وتحويله من المسارين (السياسي والأقتصادي)، إلى المسار العسكري، هي الولايات المتحدة الأمريكية . على سبيل المثال لوعدنا إلى ما قبل أكثر من عام تقريباً، أي في أواخر شهر آب من عام 2020 ، عندما ” هاجم وزير الدفاع الأمريكي مارك إسبر ، بكين قائلا: إن واشنطن ((لن تتنازل عن شبر)) في المحيط الهادئ” (4).
أيضاً ” عبرت وزارة الدفاع الأمريكية عن قلقها من التدريبات العسكرية التي أجرتها الصين مؤخراً والتي شملت إطلاق صواريخ في بحر الصين الجنوبي، واعتبرت الوزارة أن (( إجراء تدريبات عسكرية في منطقة متنازع عليها في بحر الصين الجنوبي، لايسهم في تخفيف التوتر والحفاظ على الاستقرار)) ” (5)
أما الصين، فقد ردت على لسان وزارة دفاعها، بعد أن وصفت الهجوم عليها من قبل الولايات المتحدة، محاولة لتحقيق مكاسب سياسية، خاصة إنها جاءت متزامنة مع انتخابات الرئاسة الأمريكية، والمقررة في تشرين الثاني عام 2020، وزارة الدفاع الصينية، ردت على تلك التصريحات بالقول: ” ستدافع الصين بحزم عن نفسها ولن تسمح للولايات المتحدة بإثارة الاضطرابات.” (6) . في الوقت نفسه” أعلن جيش التحرير الشعبي الصيني في بيان طرد القوات الصينية مدمرة أمريكية من منطقة تجري فيها مناورات عسكرية في بحر الصين الجنوبي، واتهم المتحدث بأسم قيادة المنطقة العسكرية الجنوبية لجيش التحرير الشعبي الصيني الولايات المتحدة بانتهاك القانون الدولي وتهديد السيادة الصينية ومصالح بكين الأمنية، إضافة إلى الإخلال بحرية الملاحة الدولية في المنطقة.” (7) هذا الإحتكاك حقيقة مقلق وغير محمود العواقب، ويتطلب من الولايات المتحد الأمريكية، مراجعة سياساتها مع دولة عظمى مثل الصين، ذلك البلد الذي بات يحسب الف حساب للتحركات الأمريكية ، لهذا ومن باب أخذ التحوطات، لأي تصعيد ، قد تقوم به الولايات المتحدة. لأجل ذلك عمدت إلى
تطوير قدراتها القتالية، وفق المعطيات السياسية التي ترى في الولايات المتحدة العدو اللدود الذي يجب رصد ومتابعة تحركاته،خاصة إذا كانت تلك التحركات تمس الأمن القومي الصيني. وإزاء ذلك خطت الصين، خطوة هامة في مجال تعزيز قدراتها العسكرية، من خلال شراء منظمومة ((إس -400)). * كانت الصين أول مشتر لهذه المنظومة، حيث وقعت على صفقة للحصول عليها في نوفمبر / تشرين الثاني 2014، وحصلت على أول دفعة من بطارياتها في مايو / أيار 2018 . (8)
هناك دول أخرى مثل تركيا والهند وباكستان، وبعض الدول العربية، اعلنت عن توقيع اتفاقيات مماثلة مع الجانب الروسي لشراء صواريخ المنظومة الدفاعية تلك .
ما أن حصلت الصين، على أول دفعة من تلك الصواريخ، في مايو / أيار2018
حتى سارعت وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاغون)، في تشرين الأول من العام المذكور، إلى ما وصفته بـ (الخطر الصيني) ، وقال تقرير اعدته الوزارة ” إلى أن الصين تشكل خطراً كبيراً ومتزايداً على إمدادات ضرورية للجيش الأمريكي” (9)
التصعيد هذه المرة عبر بوابة ما وصفتهم الولايات المتحدة الأمريكية بـ (الجواسيس)، فقد ” نشرت وكالة (بلومبرغ) تقريراً أفاد بأن جواسيس صينيين دسوا رقائق كمبيوتر داخل معدات لشركتي (أبل)) و (أمازون) تستخدمها نحو 30 شركة ووكالات حكومية أمريكية (10)
من بين النقاط المهمة التي ذكرها البنتاغون حول مزاعم الخطر الصيني، بالقول :” أن الصين تشكل خطراً كبيراً ومتزايداً على توريد مواد وتكنولوجيات تعتبر استراتيجية وشديدة الأهمية بالنسبة إلى الأمن القومي الأمريكي” (11)
الإتهامات الإستفزازية الأمريكية للصين، الهدف منها إجهاض أي مشروع إقتصادي تنموي، خاصة (طريق الحرير). هذه الخشية، لم تتوقف عند حدود التصريحات أو فرض رسوم جمرجية ، أو حتى (الإحتكاك) العسكري (البسيط)، إن صح التعبير. أو عند حدود التدخل في الشؤون الداخلية للصين، عبر بوابة التظاهرات. إنما الخطوات الأمريكية في إطارها الدولي الأوسع والأخطر، عبر بوابة (افغانستان)، التي سلمتها إلى أكثر الجماعات الإسلامية تطرفاً ودموية (طالبان).

يتبع

 

المصادر:
(1) جريدة الصباح الجديد – العدد (4305) – الاربعاء / 4 كانون الأول / 2019 ص 6 / اقتصاد
(2) ، (3) جريدة طريق الشعب – العدد (77) السنة 85 – الثلاثاء / 3 / كانون الأول / 2019 ص 4 (عربية ودولية)
(4)، (5) ، (6) ، (7) جريدة الصباح العراقية الرسمية – العدد (4907) – السبت / 29 / آب / 2020 ص 5 العربي والدولي
(8) جريدة الزوراء – العدد (7047) – الأربعاء 10 / تموز / 2019 ص 3
(9)، (10)، (11) جريدة الصباح الجديد – العدد (4031) – الأحد / 7 / تشرين الأول / 2018 ص 6 – شؤون عربية ودولية.
(12) جريدة الزوراء – العدد (7047) – الأربعاء 10 / تموز / 2019 ص 3 تقارير

*واحدة من أكثر منظومات الدفاع الجوي تطوراً بالعالم حالياً، وهي من إنتاج شركة ((ألماز – أنتي)، المملوكة للحكومة الروسية. دخلت هذه المنظومة الخدمة في الجيش الروسي عام 2007، وتعتبر ترقية لمنظومة الدفاع الجوي ((إس – 300 ) (S-400 Triumf)
التي تم تطويرها في تسعينيات القرن الماضي.
و(إس 400 تريومف) مخصصة لرصد وإسقاط أهداف في مدى يتراوح بين 40 و 400كم ، وفي بيئة شديدة التشويش، وتنطلق صواريخها بسرعة 15 ضعف سرعة الصوت . وتستخدم 4 صواريخ مختلفة المدى لتغطية نطاق عملياتها وهي: صاروخ
بمدى 400 كم للأهداف بعيدة المدى، وصاروخ 40N6
بمدى 250 كم للأهداف طويلة المدى، وصاروخ48N6
بمدى 120 كم للأهداف المتوسطة المدى، وصاروخ9M96E2
بمدى 40 كم للأهداف قصيرة المدى . والمنظومة مصممة لتدمير طائرات وصواريخ استراتيجية وتكتيكية، وصواريخ بالستية وأهداف تفوق سرعتها سرعة الصوت، وهي قادرة على تدمير عدة أهداف في آن واحد. (12)9M96E

زر الذهاب إلى الأعلى