طريق الحرير.. ماضي العراق الاقتصادي المشرق مع جمهورية الصين الشعبية

أجنادين نيوز  / ANN
الجزء الثالث

باسم حسين غلب

كاتب وصحفي ، عضو نقابة الصحفيين العراقيين،  مدير تحرير صحيفة البصرة الثقافية،  معاون مدير قصر الثقافة في محافظة البصرة إحدى تشكيلات وزارة الثقافة العراقية

في المقالتين السابقتين (الأولى والثانية)، من سلسلة مقالاتنا التي تناولنا فيهما، البعد التاريخي لطريق الحرير، والعلاقات التاريخية العربية مع الصين، ومدى أهمية تلك العلاقات اقتصادياً وثقافياً، على الشعبين العربي والصيني. وبينا كذلك طبيعة التحركات الجادة التي تبذلها القيادة الصينية (الحالية)، وسعيها الحثيث لإعادة إحياء طريق الحرير، وكيف إنها عملت خلال السنوات المنصرمة على عقد لقاءات واجتماعات، اسفرت عن نتائج مثمرة تعود على الشعبين (العربي والصيني) بالمنفعة المشتركة.
في الجزء الثالث، من هذه السلسلة من المقالات، سوف نتناول طريق الحرير في إطاره الدولي بشكله العام، والعلاقات (الأمريكية / الصينية) بشكل خاص ، وماهي أبرز نقاط التوتر في تلك العلاقة (السياسية / الاقتصادية)، وارتداداتها على الساحة الدولية، وربما نكشف بالتفاصيل في مقالاتنا اللاحقة، وانعكاس تلك التوترات على الشأن الداخلي العراقي.
بالعودة إلى قبل حوالي ثلاث سنوات تقريباً (2018)، عندما إدعى وزير الخزانة الأمريكي (ستيفن منوتشين)، في تصريح سابق له، من أن ” الخلاف التجاري بين واشنطن وبكين مفيد للإقتصاد” ؟ (1)
إلا أن الحقيقة، تقول: إن ذلك التصريح، كان متناقضاً، ليس مع تصريحات الصندوق الدولي، المحذرة من ” الحرب التجارية المتصاعدة بين القوتين الاقتصاديتين الأوليتين في العالم ستنعكس على النمو الاقتصادي العالمي” (2) ، وإنما، أيضاً مع توجهات الرئيس الأمريكي، الذي برر ” الحرب التجارية التي باشرها ضد الصين، بضرورة إرغام بكين على تبديل ممارساتها التجارية” .وبالتالي فإن تصريحات (ستيفن)، تخالف الحقائق المعلنة بشأن العلاقات الاقتصادية مع بكين.
الصين اعلنت لسان وزير خارجيتها (وانغ يي)، مطالبها في التاسع من تشرين الأول من عام 2018 ، أي قبل مايقارب أربعة ايام تقريباً من تصريحات ( منوتشين)، من وزير الخارجية الأمريكي (مايك بومبيو) ” أن توقف واشنطن إجراءات ((غير حكيمة))، نبه إلى أنها تلقي بظلالها على ((الثقة المتبادلة)) بين البلدين.(3). اذاً هناك عدم ثقة من الجانب الصيني تجاه سياسة الإدارة الأمريكية، وهذا الأمر مسلمٌ به، بسبب تناقض وتأرجح وتصاعد الخطاب السياسي الأمريكي، تجاه بكين . ومما يؤكد ذلك قيام (وانغ) بإبلاغ (بومبيو) ، من ” أن الولايات المتحدة ((صعدت خطابها حول التوتر التجاري)) بعد ((حرب)) تضمنت فرض رسوم تجارية بين البلدين على بضائع أمريكية وصينية بمئات البلايين من الدولارات، كما اتهم واشنطن بإتخاذ ((مبادرات)) تجاه تايوان. وحضها على وقف بيعها أسلحة وتجميد زيارات رسمية إليها وقطع العلاقات العسكرية معها. ولفت إلى ((ملفات أخرى)) تؤذي السيادة الصينية” (4).
بعد اقل من عام تقريباً، عاودت وزارة التجارة الأمريكية، لتؤكد صحة ما ذهبنا إليه بشأن تصريح (ستيفن منوتشين)، إذ اقترحت الوزارة المذكورة في عام 2019 سن قانون جديد ” لفرض رسوم جمرجية لمكافحة الدعم على منتجات الدول التي تخفض قيمة عملاتها مقابل الدولار، في تحرك آخر قد يؤدي إلى رفع رسوم مفروضة على منتجات صينية، وقد يعرض القانون الجديد سلعاً من دول أخرى لمخاطر رفع الرسوم الجمرجية، بما في ذلك اليابان وكوريا الجنوبية والهند وألمانيا وسويسرا. وجميع تلك الدول – بجانب الصين- مدرجة على قائمة مراقبة . تقرير الخزانة نصف السنوي للعملة” (5)
مايمكن وصفه بـ (حرب التعرفة الجمرجية)، بين الولايات المتحدة الأمريكية وجمهورية الصين الشعبية، لم يكن بمعزل عن الحليف القديم الجديد (الهند)، ذلك الحليف الاستراتيجي الذي تحدثنا عنه في مقالنا السابق (الأول)، إذ سرعان ما دخلت الهند على خط المواجهة مع واشنطن بعد أن إنضمت إلى ” حلقة مشكلات تجارية بدأت تتسع تدريجياً مع إستمرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، بفرض سياساته الحمائية ضد العملاق الصيني رافقها رفع الرسوم الجمرجية بنحو 25%” (6)
السؤال الجوهري الذي لابد أن يطرح هنا: إلى أي مدى يمكن ان تؤثر تلك الخلافات، التي يطلق عليها تسمية (حرب التعرفة الكَمركَية) بين واشنطن من جهة و الصين والهند وكذلك وهذا مهم ايضاً ، سنتناوله في مقالات اخرى (الجارة تركيا)، التي ترى واشنطن فيها خطر كبير يهدد أمنها الاقتصادي من خلال البوابة (العراقية – الصينية) نحو أوربا على الإقتصاد العالمي بمجمله؟ .
مسؤول في وكالة ((فيتش ريتنجز)) للتصنيفات الإنتمائية، يرى في الحرب التجارية المحتدمة بين الصين والولايات المتحدة الأمريكية، أنها تمنع مكاسب الأسواق الناشئة. ويرى ذلك المسؤول ” إن سياسة نقدية تحفيزية من بنوك مركزية رئيسية، ستساعد في تخفيف الضغوط على الأسواق الناشئة، لكن التوترات التجارية بين الولايات المتحدة والصين، تبقى مبعث قلق جدي.” (7).
تركيا تعتبر سوق ناشئ، بحسب تصنيف الوكالة المذكورة . وهنا تتضح الصورة بشأن مخاوف واشنطن من التعاون الصيني التركي، من خلال بوابة العراق (طريق الحرير الحديث).

لكن رغم تلك التراشقات الاعلامية والقرارات السياسية المتعلقة بالتعرفة (الكَمركَية)، تبقى تلك العلاقة أو بالأحرى تلك الحرب، متأرجحة في ضوء التطورات الدولية، وهذا واضح من خلال ما اعلنه الرئيس الأمريكي (ترامب)، في قمة مجموعة العشرين ، التي عقدت على مدى يومين ، في مدينة أوسكا اليابانية ، في مؤتمر صحفي قال فيه ” أن بلاده لن تفرض رسوماً جديدة على الصين، لكنه أضاف أن إدارته لن تلغي الرسوم السابقة” (8) مؤكدا في الوقت نفسه رغبة الصين التي وصفها بـ (الحقيقية)، في التوصل لإتفاق مع الولايات المتحدة.
أما وكالة (شينخوا) الرسمية، فقد أكدت في وقت سابق، “بأن البلدين سيستأنفان المفاوضات ((على أساس المساواة والإحترام المتبادل)). كما أشارت إلى أن الرئيس الصيني أبلغ نظيره الأمريكي بأنه يأمل بأن تعامل الولايات المتحدة الشركات الصينية بشكل منصف ” (9).
الولايات المتحدة الأمريكية، ومن خلال علاقاتها مع المجتمع الدولي، لاتنظر إلى الدول نظرة توازن واحترام متبادل، بل نجدها متأرجحة ومتناقضة في سلوكياتها مع الجميع، خاصة في علاقتها مع الصين ودول، اخرى كثيرة. إذ إنها تتبع تارةً، سياسة التصريحات المعتدلة، تقابلها تارةً اخرى، قرارات متشنجة (فرض تعرفة كَمركَية) وهكذا.
على اية حال، يمكننا القول: إن السياسة المتأرجحة للولايات المتحدة مع الصين، له ارتدادات ومخاوف في أوربا أيضاً ، إذ ” كلما ازداد تشدد الحمائية داخل البيت الأبيض مع الصين، زاد القلق بالنسبة للأوربيين، مع خشيتهم للمعاملة نفسها من جانب دونالد ترامب خاصة مع استمراره في انتقاد ارتفاع عدد السيارات الألمانية في الطرق الأمريكية وانخفاض حجم الصادرات الأمريكية الزراعية إلى أوربا” (10)

وسط كل هذه الأجواء المشحونة بالقلق والتجاذبات السياسية، وهذا الجو الملبد بالغيوم السياسية والاقتصادية، واصل التنين الصيني، قفزاته التطويرية بنجاح ، وهذه المرة عبر بوابة ربط السندات. ذلك البرنامج الذي كان سبباً في ” تدفق المزيد من الزبائن الخارجيين ورؤوس الأموال إلى سوق ربط السندات ما بين البنوك الداخلية في البئر الرئيسي الصيني” (11) ” ووصل حجم التجارة للبرنامج إلى 158.6 مليار يوان (نحو 23مليار دولار أمريكي) بمعدل عائدات يومية وصل لنحو 7.6 مليار يوان” (12) طبعاً هذا الرقم فقط لغاية شهر آب 2019 . وبكل تأكيد، فإنه سوف يتضاعف مع الوقت ، ذلك أن سندات البنوك السيادية، شكلت نحو ” 48 بالمائة من إجمالي حجم التجارة” (13) ” لتسجل 75.6 مليار يوان، بينما أسهمت شهادات الإيداع القابلة للتداول بـ 47.7 مليار يوان، أي 30 بالمئة من إجمالي حجم التجارة الشهري” (14).
ربما نحتاج إلى أكثر من مقال، لتسليط الضوء أكثر على التوتر الحالي بين الولايات المتحدة الأمريكية من جهة وجمهورية الصين الشعبية من جهة اخرى من اجل أن نعطي للموضوع حقة، من الناحيتين البحثية والتحليلية. قبل ان نغادر الشأن الدولي، إلى الشأن العراقي، لنتعرف على تفاصيل اكثر اثارة في موضوع طريق الحرير.

 

يتبع

 

المصادر:
(1)،(2) جريدة الصباح الجديد – العدد 4036 – الأحد 14 / تشرين الأول 2018 ص 6 / شؤون عربية ودولية.
(3)،(4) جريدة الصباح الجديد – العدد 4034 – الأربعاء 10 / تشرين الأول 2018 ص 6 / شؤون عربية ودولية
(5) صحيفة الزوراء العراقية / العدد (7016 ) الأحد – 26 / ايار / 2019 ص 5
(6) جريدة الصباح الرسمية – العدد ( 4560) / السبت – 22 حزيران / 2019 ص 9 / الصباح الاقتصادي.
(7) جريدة الزوراء العراقية / العدد (7034) في 23 / حزيران 2019 ص 5 / أسواق
(8)، (9) جريدة الزوراء العدد (7039) – الأحد 30 حزيران / 2019 ص 3 تقارير.
(10)، (11)، (12)، (13)، (14) جريدة الصباح العراقية الرسمية / العدد (4549) – الأحد 9 حزيران / 2019 ص 11 / الصباح الاقتصادي.

زر الذهاب إلى الأعلى