هل نحن بحاجة إلى تيار المؤمنين الموحدين داخل الإسلام والديانات الأخرى؟

اجنادين نيوز / ANN
باسم فضل الشعبي
“ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة، ولا يزالون مختلفين”
“وخلقناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم”
هل كان الله عاجزا أن يخلق البشر أو الناس كلهم في أمة واحدة؟ طبعا لا، كان يستطيع أن يفعل ذلك بكل بساطة، ومع ذلك قال سوف يستمرون في اختلاف، أو ما يزالوا مختلفين، والاختلاف هنا عكس الخلاف، بمعنى اختلاف في الأفكار والرؤى والعادات والتقاليد وطريقة العيش والأكل والطعام واللهجات وغيرها، وليس خلافاً في العقيدة والإيمان والتوحيد لله الواحد الأحد ، وهو العمود الذي تستقيم عليه كل أمة أو حضارة، وبدونه تفسد وتتحلل وتنهار.
ثم تأتي الآية الأخرى لتوضح: وخلقناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم.
وهذه الكلمات الربانية تؤكد أن الله يحب الاختلاف في الألوان والأشكال واللغات واللهجات والطعام وطريقة العيش والأفكار والثقافات، لكنه لا يحب الخلاف الذي يقود إلى الصراع والحروب والخراب، لأنه يؤكد في نهاية الآية أن أكرم الناس من بين هذه الشعوب والأمم الكثيرة هم المتقين “إن أكرمكم عند الله أتقاكم” بمعنى أنه لا يكون الإنسان مكرما وله كرامة ومهابة عند الله ورضى وحضوة إلا إذا كان متقيا، وتقوى الله هي مخافة الله، وإذا خفت الله سوف تسلم بما يأتي من عنده من أوامر ونواهي، وهذا ما يدفعك عن الحرام والباطل والشر، ويجعلك مع الحلال والحق والخير، وبذلك تكون استحقيت هنا كرامة أو تكريم الله لك لأنك مؤمن موحد تحب الله، وتخشى عقابه وغضبه، وهذا هو قمة الإيمان والتوحيد لله الحق الفرد الصمد، والتسليم إليه.
والخوف من الله لا يعني الإرهاب كما يفعل الحكام والملوك والشياطين الذين يمارسون الإرهاب على الناس، وإنما الخوف من الله بمعنى الخشية والمهابة من الله أو التسليم بما يأتي من عنده، أو الحياء من الله، وذلك ما يشعرك بالدفء والحنان، والقرب من العدل الذي لا يظلم عنده أحدا.
ومن هذه الناحية يمكن القول إنه لا خوف من الاختلاف لأنه سنة من سنن الله في الكون والحياة الدنيا، يمنح الحياة مذاقا رائعا وجميلا، ويؤكد بأن الله جميل ومبدع يحب الجمال والإبداع والتنوع، بشرط أن لا يظل الإنسان طريق تقوى الله إلى طريق التمرد على الله الحق وعبادة خلقا من خلق الله كالشياطين والبشر والملوك، أو عبادة التماثيل والأصنام المصنوعة من الحجر والفولاذ والتمر وغيرها، كما كان عليه الناس في عصر الجاهلية الأولى، حينما كذبوا برسالات الأنبياء والرسل، وأنكروا وجود الله الحق.
نفهم مما سبق أن الاختلاف محمود عند الله لأنه يؤدي إلى الإبداع والجمال والجذب، أما الخلاف فهو مذموم عند الله، لأنه يقود إلى الصراع والحروب والدمار والخراب، بمعنى أدق الاختلاف ناموس وقانون من قوانين الله في الناس والأرض، والخلاف نزغة من نزغات الشيطان والشر في الناس والأرض، لذا لا يمكن أن نقضي على الخلاف والخلافات والصراعات إلا بتقوى الله أي بالعودة إلى الله والإيمان به وتوحيده والعمل بأوامره ونواهيه، كما هي في الكتب السماوية، كما أنزلت من عند الله، حتى وإن كنا شعوبا وقبائل وأمما وبيننا اختلافات، لأن التنوع والاختلافات كما قلنا أمر محمود يعزز الروابط، ويقوي العلاقات والشراكات ما دمنا في ظلال تقوى الله، أي متقيين نخشى الله الحق، ونؤمن بما يأتي من عنده من خير وتعاليم من أجل حياة أكثر سعادة وطمأنينة وسلام، وهذا ما سوف يكون عليه الأمر في دولة الله القادمة في الأرض، وجنة الله الأبدية في الحياة الآخرة، أو ما يسمى حياة الاستخلاف في الأرض بموجب نصوص كثيرة في القرآن الكريم، ونحن الآن في آخر الزمان، أو في الهزيع الأخير من اللحظات الأخيرة للحياة الدنيا، قبل ظهور وتحقق آخر علامة من علامات الساعة، أي قبل أن ندلف إلى حياة الآخرة الأبدية.
لذلك كانت وستكون أمامنا مسؤولية كبيرة ومهمة عظيمة تتمثل في دعوة الناس للتوحيد والإيمان بالله الحق لا شريك له، حيث أصبحنا نعلم أنه في الإسلام أو بين المسلمين من هم موحدون ومؤمنين بالله الحق ومن هم مكذبين ومشركون ، كما هو عند المسيحيين واليهود والنصارى وغيرهم من الممل والنحل والشرائع، لذا فإنه ومن الواجب علينا هو أن تصبح مسألة التوحيد هي المهمة والقضية الكبرى في نشاطنا وعملنا ودعوتنا اليوم، وهي القضية أو المسؤولية الربانية الكبرى التي حملتها رسالات الأنبياء والرسل من لدن آدم عليه السلام، مرورا بإبراهيم وموسى وعيسى، وحتى محمد صلى الله عليه وسلم، فبدون التوحيد لله وحده لن نعرف الله، ولن نستطيع أن نلقاه أو نراه على الحقيقة الناصعة.
قال تعالى: ومن كان يرجو لقاء ربه، فليعمل عملا صالحا، ولا يشرك بعبادة ربه أحدا”
والعمل الصالح هنا هو العمل الطيب المرتبط بالإيمان والتوحيد لله ” الإيمان هو ما وقر في القلب وصدقه العمل، والتوحيد هو أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه، فإنه يراك” بمعنى أوضح إذا صلح الإيمان والتوحيد بالله، وكان العمل صالحا، كان الإنسان أبعد ما يكون عن الشرك، أقرب ما يكون إلى لقاء الله.
ومن هذا المنطلق يبدو أننا بحاجة اليوم إلى تيار يضم في إطاره كل المؤمنين الموحدين بالله الحق في العالم والأرض ، وفي كل الديانات والأحزاب والتكتلات والكيانات، بحيث يكون تيارا عالميا قويا يسعى إلى تصحيح وإصلاح قضية التوحيد والإيمان في النفوس والعقول، وإعادة البناء على أسس سليمة، يصلح معها العمل على الأرض، وفي الأوطان وبين الناس، بحيث يكون صالحا نافعا للإنسان والبشرية، وحتى للكائنات الأخرى في الأرض، وهذا هو المعنى والمهمة الحقيقية لرسالات الأنبياء والرسل، التي كلفهم بها الله لتكون رحمة وهداية للعالمين والإنسانية كلها، تطهرهم بها من الخطايا والذنوب والشرك والكفر، وتزكيهم بها بالتوحيد والإيمان والعمل الطيب والصالح والنافع، وبهذا يدخل الله الناس المؤمنين الموحدين الصالحين جنة الأرض الأبدية، ويحيون معه حياة أبدية سعيدة إلى ما شاء الله أن تكون.
ونسأل من الله الهداية والتوفيق للجميع على كوكب الأرض، وبالله التوفيق والسداد، وإليه الحمد والشكر والسلام.
-مقال خاص بمركز مسارات للاستراتيجيا والاعلام
هل نحن بحاجة إلى تيار المؤمنين الموحدين داخل الإسلام والديانات الأخرى؟



