البرغوثي بين القلم والرمز… حين تتحول الصفقة إلى عبث سياسي

اجنادين نيوز / ANN
بقلم: نجيب الكمالي
رئيس دائرة العلاقات العامة بالاتحاد الدولي للصحفيين والإعلاميين أصدقاء وحلفاء الصين – فرع اليمن
ما أجمل قلم فادي البرغوثي وما أعمقه، وهو يضيء زوايا السياسة الأمريكية بوعي ناقد، كاشفًا زيف الخطاب الذي يتجاهل جوهر القضية الفلسطينية وامتدادها التاريخي والإنساني. فادي، الذي يكتب بروح تشبه مروان في صلابته، لا يكتفي بالتحليل، بل يوقظ الوعي في زمن تتلاشى فيه البوصلة، ويعطي الكلمة قوة لتتكلم عن الحرية والكرامة.
في مقال فادي البرغوثي تناول الحديث عن نية الرئيس الأمريكى مسبقاً زيف الإفراج عن المناضل الفلسطيني مروان البرغوثي، معتبراذلك خطوة غير متوقعة في السياسة الأمريكية التقليدية، لكنه أشار إلى أن منطق ترامب قد تتجاوز هذه الأعراف التقليدية. بمعنى أن الرئيس الأمريكي ترامب يمضي على قاعدة أن كل شيء يمكن توظيفه طالما يخدم مصالحه السياسية. فالرجل القادم من عالم الصفقات لا ينظر إلى السياسة بمنظار القيم أو المبادئ، بل بعقلية من يربح أكثر ويبيع أكثر.
وأكد فادي أن الحديث عن البرغوثي في هذا التوقيت ليس صدفة، فواشنطن تستعد لانتخابات الكونغرس، والقضية الفلسطينية أصبحت محور نقاش داخل الحزبين، خصوصًا مع بروز تيار شبابي ديمقراطي يطالب بموقف أكثر عدلاً تجاه الفلسطينيين. وأشار الزميل فادي إلى أن ترامب يعرف أن هذه الموجة يمكن استثمارها انتخابيًا، لذلك يحاول أن يظهر كصانع سلام سريع قادر على تحقيق ما فشلت فيه الإدارات السابقة عبر إطلاق سراح مروان البرغوثي، لا بدافع العدالة، بل كصفقة سياسية انتهازية.
وفي المقابل، يوجّه ترامب رسالة مزدوجة: إلى الداخل الأمريكي ليؤكد أنه الوحيد القادر على تحريك ملفات الشرق الأوسط بجرة قلم، وإلى الفلسطينيين والعرب ليقول إن القوة، في نظره، لا تأتي من المقاومة أو النضال، بل من رجل يجلس في البيت الأبيض. ورغم أن إسرائيل تعتبر البرغوثي خطًا أحمر، فإن مجرد طرح فكرة إطلاقه دون ثمن سياسي كافٍ سيُحدث زلزالًا داخل الحكومة والمجتمع الإسرائيلي. ومع ذلك، لا يمانع ترامب في خلط الأوراق طالما أن الضجيج الإعلامي يخدم حملته الانتخابية ويضعه في واجهة نشرات الأخبار بعنوان: “ترامب يعيد تحريك ملف السلام”.
إن التلويح بإطلاق سراح مروان البرغوثي ليس تحولًا في الموقف الأمريكي، بل استثمار انتخابي في الدم الفلسطيني ضمن معركة الكونغرس المقبلة. فترامب يعرف أن الحديث عن فلسطين أصبح ورقة ضغط داخلية، وأن أي إشارة نحوها تُترجم إلى أصوات إضافية في صناديق الاقتراع.
لكن مروان البرغوثي أكبر من أي صفقة انتخابية. فهو المناضل الذي جعل من الأسر مدرسة، ومن الألم طاقة، ومن القيد نافذة للحرية. لم يبحث يومًا عن سلطة أو مكسب، بل عن كرامة وطن تُغسل بالدم لا بالشعارات. وكل محاولة لتحويل قضيته إلى ورقة سياسية ستصطدم بمعنى أعمق من أي صفقة: أن فلسطين لا تُقاس بموازين الربح والخسارة، وأن من وُلد من رحم الأسر لا يُباع في موسم الانتخابات.
فادي البرغوثي يكتب بالضمير، ومروان البرغوثي يجسّد الضمير، وبين الكلمة والفعل تبقى فلسطين هي المعنى الذي لا يُختصر في صفقة، ولا يُقايض في صندوق الاقتراع. قد يمتلك ترامب مفاتيح الصفقات، لكنه لا يمتلك مفاتيح التاريخ، لأن التاريخ كُتب بدماء الذين لم ينتظروا تغريدة من واشنطن ليؤمنوا أن الحرية حق لا يُمنح، بل يُنتزع.
سيبقى مروان البرغوثي، رغم العتمة والسلاسل، أيقونة الحرية التي لا تُكسر. فمن زنزانته الضيقة تنبض فلسطين كل يوم، ومن صمته تنفجر الأسئلة الكبرى عن العدل والكرامة. وإذا كان فادي البرغوثي قد حمل القلم ليكتب بصدق الكلمة، فإن مروان البرغوثي حمل الروح ليكتب بالتضحية معنى الوطن. إنهما معًا وجهان للبرغوثي الكبير: قلم يواجه التزييف، ورمز يواجه السجان. ولأن الحرية لا تُساوَم، فإن مروان سيخرج يومًا لا بصفقة من واشنطن، بل بنداء من شعب لم ينس أن من كتب اسمه في الذاكر




