صلابة الشعب الفلسطيني… من أرض المواجهة إلى فرض السلام

أجنادين نيوز / ANN
بقلم: نجيب الكمالي
رئيس دائرة العلاقات العامة بالاتحاد الدولي للصحفيين والإعلاميين – أصدقاء وحلفاء الصين، فرع اليمن

منذ عقود، لم يتوقف الشعب الفلسطيني عن تقديم التضحيات دفاعًا عن قضيته العادلة. ورغم حجم العدوان، والخذلان الدولي، ومحاولات طمس الهوية، ظل هذا الشعب نموذجًا حيًّا للعزيمة، والصبر، والتحدي. لم تكن المقاومة فعلًا عسكريًا فحسب، بل كانت منظومة صمود شاملة، امتدت إلى تفاصيل الحياة اليومية: في الشارع، في البيت، في المدرسة، في المفاوضات، على منابر الإعلام، وحتى عبر وسائل التواصل الاجتماعي. لقد كان كل فلسطيني، على طريقته، جزءًا من معركة الوجود، متمسكًا بحقّه، ومؤمنًا بأن النصر لا يولد من السكون.

وفي قلب هذه الملحمة، كانت غزة، المدينة المحاصَرة والجريحة، أيقونة لا تُكسر. لم تُنهكها الحروب المتتالية، ولم تُضعفها سنوات الحصار والجوع، بل كانت تتجدد قوتها مع كل عدوان. كلما اشتد الخناق، ازدادت صلابة أهلها، وكلما ظنّ العدو أن الشعب تعب، عاد الفلسطينيون ليفاجئوا العالم من جديد بقوة إرادتهم وعمق إيمانهم بعدالة قضيتهم. هذه الصلابة لم تكن مجرد مشهد عاطفي يُلهب المشاعر، بل تحولت إلى قوة ضغط فعلية على مراكز القرار في العالم، ودفعت حتى الإدارة الأمريكية بقيادة دونالد ترامب، المعروفة بانحيازها الكامل للاحتلال، إلى الحديث عن “السلام” ليس اقتناعًا به، بل لأن الصمود الفلسطيني فرض معادلة جديدة: لا استقرار دون حقوق، ولا حلول دون الشعب الفلسطيني.

لقد استطاع الفلسطينيون تغيير قواعد اللعبة. لم يعودوا فقط يرفعون المطالب، بل باتوا يفرضون الوقائع. فالصوت الشعبي، والمقاومة الإعلامية والسياسية، والثبات الميداني، كلها تحركات تراكمت لتُجبر أقوى قوة في العالم على مراجعة خطابها، ولو على سبيل التكتيك المؤقت. ما جرى لم يكن مبادرة سلام من طرف قوي إلى طرف ضعيف، بل كان رد فعل على شعب لا يُكسر، شعب حول آلامه إلى قوة، وصموده إلى ورقة ضغط، وتضحياته إلى نقطة تحوّل مفصلية في مسار الصراع.

وفي النهاية، وبعد هذا الثبات الأسطوري، توقفت الحرب. انتصرت غزة، وانتصر الحق، وارتفعت راية الكرامة في سماء فلسطين. وما زال هذا الشعب يثبت، مرة بعد مرة، أن النصر ليس لحظة عابرة، بل مسيرة طويلة، وأنه مهما طال ليل الاحتلال، فإن فجر الحرية قادم لا محالة.

إن النضال الفلسطيني لا يقتصر على جبهة القتال وحدها، بل يتجلى في ميادين متعددة، أهمها الإعلام والفكر. لقد أدرك الفلسطينيون أن معركتهم مع الاحتلال ليست فقط مع الجندي والسلاح، بل مع الكلمة والصورة والرواية. وفي هذا السياق، برز دور المثقفين والإعلاميين، خاصة في غزة، حيث تحولت المواقع الإلكترونية، وصفحات التواصل الاجتماعي، إلى منصات نضال حقيقية، يُرسم من خلالها مسار المقاومة، ويتجدد فيها الوعي الجمعي.

ومن بين هؤلاء النشطاء والمثقفين، يبرز المهندس الزميل غسان جابر، الذي يناضل بكفاءة وإصرار، يرسم معالم الطريق في ساحة النضال الإعلامي والفكري، ويجعل من صوته سلاحًا، ومن قلمه منارة. إنه ليس مجرد كاتب أو ناشط رقمي، بل رمز لنضال حضاري واعٍ، يقف في وجه الحملات الدعائية المضللة، ويعيد توجيه البوصلة نحو الحقيقة التي يحاول الاحتلال طمسها. يمثل غسان جابر نموذجًا حيًّا للمثقف المقاوم، الذي يدرك أن المعركة لا تُحسم فقط بالبندقية، بل أيضًا بالكلمة، بالصورة، وبالوعي، وأن الدفاع عن الرواية الفلسطينية واجب لا يقل قداسة عن الدفاع عن الأرض.

وفي هذه المسيرة الغنية، يبرز أيضًا دور وجوه مدنية فاعلة مثل الدكتور مازن قمصية، الأكاديمي والناشط السياسي، الذي يعمل على تعزيز الحوار وتقليص التوتر داخل المجتمع الفلسطيني، ويسعى من خلال مبادرات مدنية وسياسية إلى تثبيت الحقوق، وترسيخ أسس العيش المشترك، رغم الاحتلال والضغوط. وعلى الجبهة الإنسانية، يُذكر اسم عيسى عمرو كأحد أبرز النشطاء الذين يعملون لتخفيف معاناة المدنيين، من خلال تقديم الدعم الطبي والإغاثي، والعمل على تعزيز التعايش المجتمعي بين الفلسطينيين في بيئة تتسم بالقهر والانقسام. يُظهر هذا النموذج أن السلام لا يُولد فقط من الاتفاقات الرسمية، بل يُبنى أيضًا من خلال رعاية الإنسان، وحماية كرامته، في أحلك الظروف.

كل ذلك يبرهن على أن النضال الفلسطيني متعدد الأشكال، شامل في رسالته، عميق في جذوره، متجدد في وسائله. هو نضال يصنعه الميدان، كما تصنعه الكلمة. يخطه الشهيد والمقاتل، كما يخطه المثقف والناشط والإنسان البسيط. وكل فلسطيني، على امتداد الأرض، هو جزء من هذا المسار النضالي، الذي لا يعرف الانكسار، ولا يعترف بالهزيمة، لأن فلسطين ليست قضية سياسية فحسب، بل هوية وتاريخ وحق لا يموت.

وفي زمن تتشابك فيه المعارك وتتعدد فيه الجبهات، يثبت الفلسطينيون — بصمودهم، بحضورهم الفكري والإعلامي، وبإيمانهم العميق بحقهم — أن الاحتلال مهما امتلك من قوة وسلاح، سيبقى عاجزًا أمام إرادة شعب قرر أن يعيش حرًّا، وأن ينقل صوته إلى العالم أجمع، حتى يتحقق الحلم، وتعلو راية فلسطين، حرّة، أبية، على أرضها المباركة.

زر الذهاب إلى الأعلى