اجنادين نيوز / ANN

بقلم: ريماس الصينية – الصحفية في CGTN العربية

في 21 يوليو 2025، تحتفل الصين والمملكة العربية السعودية بالذكرى الخامسة والثلاثين لإقامة العلاقات الدبلوماسية بينهما. فمن قبل خمسة وثلاثين عاما، أسس البلدان علاقاتهما الرسمية، وبدأت رحلة صداقة عابرة للجبال والوديان. من شراكة تجارة الطاقة إلى شراكة استراتيجية شاملة . واليوم تعمقت العلاقات الصينية-السعودية على أساس الاحترام المتبادل والمساواة والمنفعة المتبادلة، لتصبح نموذجا لتعاون الجنوب العالمي، وتضخ قوة استقرار للعالم من أجل السلام والتنمية.
التعاون في مجال الطاقة: من التجارة التقليدية إلى التكامل الصناعي الشامل
لطالما كان التعاون في مجال الطاقة حجر الزاوية في العلاقات الصينية-السعودية. فمنذ إقامة العلاقات، ظلت السعودية موردا موثوقا للطاقة بالنسبة للصين، حيث ظلت الصين في طليعة مستوردي النفط السعودي. ففي عام 2024، استوردت الصين من السعودية 78.639 مليون طن من النفط الخام، ما يعادل نحو 15% من إجمالي واردات النفط الصينية، مما يؤكد مكانة السعودية كشريك رئيسي في أمن الطاقة الصيني. هذه الروابط الوثيقة للطاقة لا تلبي فقط احتياجات التنمية الاقتصادية الصينية، بل توفر للسعودية أيضا سوقا مستقرا.
ومع ذلك، تجاوز التعاون في مجال الطاقة بين البلدين علاقات البيع والشراء البسيطة. في السنوات الأخيرة، توسع التعاون ليشمل مراحل متعددة من سلسلة الصناعة. شركة فوجيان المتحدة للبترول هي واحدة من أكبر الشركات الصينية المتكاملة في التكرير والبتروكيماويات، وتتمتع بمرافق إنتاج متطورة وقدرة معالجة سنوية بعشرات الملايين من الأطنان؛ أما مصفاة يانبو فهي مشروع كبير مشترك بين شركة النفط السعودية الوطنية والشركات الصينية، وتتمتع بقدرة معالجة وصادرات قوية. هذان المشروعان النموذجيان يمثلان مثالا بارزا على التعاون الطاقي بين البلدين، إذ ساهما في رفع مستوى صناعة البتروكيماويات السعودية، ودعما أمن الطاقة الصيني بقوة.
مع تسارع التحول العالمي في مجال الطاقة، أحرز التعاون في مجالات الطاقة الجديدة تقدما ملحوظا. تلعب الشركات الصينية دورا مهما في مشروع تخزين الطاقة بمدينة البحر الأحمر الجديدة ومشروع محطة جدة للطاقة الشمسية. مشروع تخزين الطاقة في مدينة البحر الأحمر الجديد، بمشاركة شركتي نينغده تايمز وبكين إلكتريك، هو أول مشروع تخزين بطاريات واسع النطاق في الصحراء الحارة بالشرق الأوسط؛ أما محطة جدة للطاقة الشمسية، التي شاركت فيها شركات الصين للطاقة واللونجي، فتتميز بمكونات ضوئية عالية الكفاءة وأنظمة تشغيل ذكية، ما يمثل نقلة تقنية صينية رفيعة المستوى في السعودية. في عام 2022، وقعت الصين والسعودية مذكرة تفاهم للتعاون في مجال الهيدروجين الأخضر، لاستكشاف مسارات جديدة للطاقة المستقبلية. هذا التعاون الشامل من الطاقة التقليدية إلى الطاقة الجديدة يعكس التصميم المشترك للبلدين على مواجهة تغير المناخ.
التعاون الاقتصادي: التنويع يخلق فرصا رابحة
استنادا إلى التعاون في مجال الطاقة، تتجه العلاقات الاقتصادية بين الصين والسعودية نحو التنوع المتزايد. تفاعل رؤية السعودية 2030 مع مبادرة الحزام والطريق الصينية فتح آفاقا أوسع للتعاون الاقتصادي.
يعد بناء البنية التحتية من المجالات المهمة للتعاون بين البلدين. شاركت الشركات الصينية في بناء قطار الحرمين السريع، ومدينة نيوم، وميناء الملك عبد الله، ما حسن من بنية السعودية التحتية وخلق آلاف فرص العمل محليا. وفقا للإحصاءات، أصبحت السعودية أكبر سوق تعاقدات هندسية صينية في غرب آسيا.
تتقارب العلاقات التجارية والاقتصادية بين البلدين باستمرار. السعودية هي الشريك التجاري الأول للصين في منطقة الشرق الأوسط، والصين هي الشريك التجاري الأول للسعودية. في عام 2024، بلغ حجم التجارة الثنائية بين البلدين 107.53 مليار دولار، منها صادرات صينية بقيمة 50.05 مليار دولار وواردات بقيمة 57.48 مليار دولار. تعكس هذه الأرقام ترابط الاقتصادين وتؤكد متانة وحيوية التعاون القائم بينهما.
برز التعاون المالي كإحدى النقاط المضيئة. مع تسارع عملية تدويل اليوان، أصبحت السعودية مركزا مهما لنظام الدفع عبر الحدود باليوان (CIPS). في عام 2024، تم إتمام أول قرض باليوان بين البلدين، مما سهل المعاملات الاقتصادية والتجارية الثنائية. في الوقت نفسه، زاد صندوق الثروة السيادية السعودي (PIF) استثماراته في شركات الطاقة الجديدة والتكنولوجيا الصينية كما شاركت مؤسسات صينية بنشاط في سوق رأس المال السعودية، ما أسهم في تدفق رأس المال في الاتجاهين بشكل إيجابي.
التبادل الثقافي: جسور الصداقة بين الشعوب
العلاقات بين الدول تقوم على تواصل الشعوب. على مدار 35 عاما، تعمق التبادل الثقافي بين الصين والسعودية، مما أسس قاعدة قوية من الدعم الشعبي للعلاقات الثنائية.
اللغة هي جسر التواصل. أدرجت السعودية اللغة الصينية ضمن نظامها التعليمي الوطني، وتقدم 10 مدارس حاليا دورات في اللغة الصينية. في الوقت ذاته، زاد عدد الجامعات الصينية التي تقدم تخصصات في اللغة العربية بشكل ملحوظ، حيث بلغت 125 جامعة في عام 2024، مع ازدياد أعداد الشباب الصيني المهتم بالتعرف على الثقافة السعودية. يعزز هذا التبادل اللغوي التفاهم المتبادل بين شعبي البلدين ويربي مواهب قيمة في مختلف المجالات.
تشهد السياحة وتبادل الشباب نشاطا متزايدا. منذ فتح السعودية التأشيرات السياحية للصينيين، ازداد عدد السياح الصينيين المتجهين إلى السعودية بسرعة، ووفقا لرئيس منطقة آسيا والمحيط الهادئ في الهيئة السعودية للسياحة، السيد داي هانسون، شهدت أعداد السياح الصينيين في الفترة 2023-2024 نموا نسبته أكثر من 40 بالمئة. وخلال منصات مثل ”منتدى القادة الشباب الصيني-السعودي“، يتفاعل الشباب من البلدين لتشكيل رؤية مشتركة لمستقبل الصداقة بينهما. من أسواق المدينة القديمة في الرياض إلى أسوار سور الصين العظيم في بكين، يستقبل شعبا البلدين كنوز ثقافة الأخرى بانفتاح متزايد.
التعاون الدولي: حماية مصالح الدول النامية
على الساحة الدولية، تدعم الصين والسعودية بعضهما البعض باستمرار، وتحافظان على حقوق ومصالح الدول النامية. داخل أطر متعددة الأطراف مثل الأمم المتحدة، ومجموعة العشرين، وآلية البريكس، يتواصل الطرفان عن كثب بشأن القضايا الدولية والإقليمية المهمة، ويقدمان مساهمات فاعلة لإصلاح نظام الحوكمة العالمية.
في الشؤون الإقليمية، تدعم الصين مبادرة الأمن الخليجية، بينما تروج السعودية بنشاط لمفاوضات الاتفاقية التجارية الحرة بين الصين ودول مجلس التعاون الخليجي. ويستندان إلى ”المبادرة العالمية للتنمية“ و ”المبادرة العالمية للأمن“ لتحقيق السلام والاستقرار الإقليمي وتعزيز التنمية المستدامة عالميا.
عصر ذهبي مستقبلي
عند استرجاع مسيرة 35 عاما، نجد أن العلاقات الصينية-السعودية حققت إنجازات ملحوظة؛ ومع النظر إلى المستقبل، فإننا نري آفاق التعاون بين البلدين أوسع وأرحب. في مجالات الذكاء الاصطناعي، وتكنولوجيا الفضاء، والطب الحيوي وغيرها من المجالات الناشئة، تتكامل مزايا الطرفين، ويبدو أن فرص التعاون هائلة. لقد تطورت العلاقات بين الصين والسعودية على مدار سنوات طويلة، وأسسا شراكة استراتيجية متينة، تجسد علاقة أخوية وروح تعاون رابحة للجانبين. وعلى هذا الأساس الجديد، ستشهد الشراكة الاستراتيجية الشاملة بين البلدين مستقبلا أكثر إشراقا. وفي مسيرة بناء مجتمع المصير المشترك للبشرية، ستواصل الصين والسعودية المشي معا، لبناء مستقبل مزدهر قائم على المنفعة المتبادلة.

زر الذهاب إلى الأعلى