العبّاس.. أسطورة الوفاء والفداء في ملحمة كربلاء

اجنادين نيوز / ANN
سمير السعد
في زمن اشتد فيه الظلم، وعلت فيه رايات الباطل، بزغت من كربلاء قامة شامخة لا تنحني، ونخلة باسقة لا تُكسر، هو العباس بن علي بن أبي طالب، حامل لواء الحسين وسيف عدالته، وأسطورة الوفاء التي خلّدها التاريخ في أبهى صوره. حين يُذكر الحسين عليه السلام، لا يُمكن أن تُنسى تلك اليدين المقطوعتين، ولا ذلك القلب الشجاع الذي سار نحو الشهادة دون تردّد.
وُلد العباس عليه السلام في بيتٍ هو مهدُ النبوة والإمامة، ونشأ بين عليٍّ أمير المؤمنين، وأخيه الحسن، وسيد الشهداء الحسين، فنهل من معين الشجاعة، وتربّى على قيم التضحية والكرامة. لم يكن مجرد أخٍ للإمام الحسين ( ع ) بل كان عضده وسنده، ورمزًا للفداء حتى آخر رمق.
كان العباس نافذ البصيرة، صلب الإيمان، كما وصفه الإمام جعفر الصادق عليه السلام، فحين حاصرت جيوش الظلم آل البيت في كربلاء، لم يتراجع أو يضعف، بل حمل راية الحسين بثبات، وقاتل قتال الأبطال حتى استُشهد عطشانًا، مجروحًا، مكسور القلب لعدم تمكنه من إيصال الماء إلى الخيام.
لقد مثّلت تضحيات أبي الفضل العباس عليه السلام تجلّيًا ناصعًا لأسمى معاني الإيثار، حين خرج بنفسه من أجل العيال، لا لأجل ذاته، وسار إلى المعركة ليس طمعًا في نصر دنيوي، بل طلبًا لمرضاة الله ونصرة للحق.
قال فيه الإمام زين العابدين عليه السلام ، ” رحم الله عمّي العباس، فلقد آثر وأبلى وفدى أخاه بنفسه”، وهي شهادة من معصوم تؤكد عظمة هذا الرجل الذي لم يتزحزح عن مبدأه، ولم تفتّ في عضده كثرة الجراح، أو مرارة العطش.
العباس عليه السلام ليس مجرد شخصية تاريخية، بل هو مدرسةٌ في الفداء والولاء، وأيقونةٌ للثبات حين تضعف النفوس، ومثالٌ يُحتذى به في زمن كثرت فيه التنازلات. لقد خلدّه التاريخ لا لأنه قاتل فحسب، بل لأنه قاتل من أجل القيم والمبادئ، فسقط شهيدًا واقفًا، مرفوع الرأس، شامخ الكرامة.
سلامٌ عليه يوم وُلد، ويوم استُشهد بين يدي أخيه، ويوم يُبعث حيًّا..