من أجل بناء مجتمع الحضارات: رؤية جديدة للتعاون الدولي بين المتاحف

أجنادين نيوز / ANN

بقلم: عبد القادر خليل
رئيس تحرير شبكة طريق الحرير الصيني الإخبارية، رئيس الفرع الجزائري للاتحاد الدولي للصحفيين والإعلاميين أصدقاء وحلفاء الصين

في عالم يشهد تصاعدًا في التحديات العابرة للحدود، تبرز الحاجة إلى تعزيز التفاهم بين الشعوب والحضارات. وتشكّل المتاحف، بما تختزنه من إرث إنساني مشترك، إحدى أهم الأدوات الثقافية القادرة على مدّ جسور التواصل بين الأمم. إن التعاون الدولي بين المتاحف لم يعد مجرد تبادل للمعروضات، بل أصبح يمثل ركيزة أساسية في بناء “مجتمع الحضارات” القائم على الحوار، والتعلم المتبادل، والاحترام المتبادل.
أولًا: المتاحف كذاكرة حية للحضارات
تُعد المتاحف مؤسسات توثيقية وتعليمية تلعب دورًا محوريًا في حفظ الذاكرة الجمعية للشعوب. فهي لا تقتصر على عرض القطع الأثرية، بل تُقدّم سرديات تاريخية تُجسّد الهوية الثقافية وتُبرز التنوع الحضاري. ومن خلال التوثيق، والبحث، والعرض، تساهم المتاحف في توعية المجتمعات بتاريخها وربطها بجذورها، وفي الوقت ذاته، تُتيح للزوار من خلفيات ثقافية مختلفة فرصة لفهم الآخر.
ثانيًا: التعاون الدولي بين المتاحف – الأهداف والآفاق
يشكّل التعاون بين المتاحف عبر الدول أداة استراتيجية لتعزيز التواصل الحضاري. ويمكن حصر أبرز أهداف هذا التعاون في ما يلي:
– حماية التراث الإنساني المشترك: من خلال التعاون في مجالات الترميم، والتوثيق الرقمي، والتصدي للاتجار غير المشروع بالآثار.
– التبادل الثقافي والمعرفي: عبر تنظيم المعارض الدولية، وتبادل الخبراء، وإجراء بحوث مشتركة.
– بناء جسور التفاهم: إذ يتيح التعرف على الإرث الحضاري للآخرين فرصة لفهم السياقات التاريخية والثقافية المختلفة، وهو ما يعزز ثقافة السلام والتسامح.
ثالثًا: التعلم المتبادل عبر المتاحف – مدخل لفهم الآخر
تلعب المتاحف دورًا مركزيًا في تعزيز التعلم المتبادل، من خلال ما تقدمه من معرفة غير مباشرة عن أنماط الحياة، والديانات، والعلوم، والفنون، في مختلف العصور والمناطق. فعندما تُعرض منجزات حضارة ما في بلد آخر، فإنها تفتح المجال أمام الزوار لإعادة النظر في الصور النمطية، وتُسهم في بناء تصور أكثر إنصافًا وتنوعًا عن “الآخر”. ويُعد هذا النوع من التعلم أداة فعالة في مواجهة النزعات الانعزالية أو الخطابات الثقافية الإقصائية.
رابعًا: المتاحف كجسور بين الحضارتين العربية والصينية
تمتلك كل من الحضارة العربية والحضارة الصينية تراثًا عريقًا ساهم في تشكيل ملامح الحضارة الإنسانية. وتأتي المتاحف اليوم لتكون منصة للتقارب بين هاتين الحضارتين من خلال مبادرات عملية، من بينها:
– تنظيم معارض مشتركة حول طريق الحرير القديم والحديث.
– التعاون في مشروعات التوثيق الرقمي للقطع الأثرية والمخطوطات.
– إقامة برامج تدريب وتبادل خبرات بين أمناء المتاحف والباحثين.
مثال رائد: عرض معروضات المتحف المصري في الصين
في إطار هذا التعاون، نُظّمت عدة معارض مؤقتة في الصين استضافت معروضات أثرية من المتحف المصري، شملت كنوزًا فرعونية نادرة. وقد لاقت هذه المعارض إقبالًا واسعًا في المدن الصينية، ما عكس الاهتمام المتزايد بالحضارة المصرية القديمة. يمثل هذا النموذج مثالًا ملموسًا على قدرة المتاحف على أداء دور في الدبلوماسية الثقافية، حيث تساهم في تعزيز الروابط الوجدانية والمعرفية بين الشعوب، وإبراز وحدة المصير الإنساني رغم تنوع الأصول والتجارب.

إن بناء مستقبل يقوم على التعايش والتفاهم يتطلب تجاوز الخطابات السياسية والاقتصادية إلى أدوات ثقافية أكثر عمقًا واستدامة. ويُعد التعاون الدولي بين المتاحف من أبرز هذه الأدوات، نظرًا لما يتمتع به من قدرة على التأثير في الوعي الجمعي وترسيخ قيم الحوار والاحترام. وبينما نخطو نحو عالم متعدد الأقطاب ومتعدد الثقافات، تبقى المتاحف بوابة مثالية لبناء مجتمع الحضارات، مجتمع لا يقوم على التنافس والصراع، بل على المعرفة والتقدير المتبادل لما أنتجه الإنسان عبر تاريخه الطويل

زر الذهاب إلى الأعلى