الحاجة الملحة لأنشاء مدارس حكومية في الاقضية والنواحي

اجنادين نيوز / ANN
فاطمة حسين العامري
تشهد محافظة البصرة، وتحديدًا أقضيتها ونواحيها، أزمة متفاقمة في قطاع التعليم الحكومي نتيجة للقصور الواضح في عدد المدارس وعدم كفايتها لاستيعاب الأعداد المتزايدة من الطلبة، ما يجعل من الضروري والملح إنشاء مدارس حكومية جديدة تلبي احتياجات السكان المتنامية. وتعود هذه الحاجة إلى مجموعة من الأسباب المتداخلة، يأتي في مقدمتها النمو السكاني المتسارع في المناطق خارج مركز المدينة، حيث تشهد القرى والنواحي توسعًا سكانياً دون أن يرافقه تطور في البنى التحتية التعليمية. وكنتيجة لهذا التفاوت، أصبحت المدارس الحالية غير قادرة على احتواء الأعداد المتزايدة من الطلبة، ما أدى إلى اكتظاظ الصفوف الدراسية، وظهور نظام الدوام الثنائي والثلاثي، وهو ما يؤثر سلبًا على المستوى التعليمي العام، ويحدّ من قدرة المعلمين على إيصال المادة الدراسية بكفاءة.
إضافة إلى ذلك، فإن البعد الجغرافي وصعوبة الوصول إلى المدارس يُعد من أبرز المشكلات التي يعاني منها طلبة الأقضية والنواحي. إذ يضطر الكثير من الطلبة، وخصوصاً في المناطق الريفية، إلى قطع مسافات طويلة سيرًا على الأقدام أو باستخدام وسائل نقل بدائية وغير آمنة، مما يجعل الذهاب إلى المدرسة تحدياً يومياً، ويتسبب في تسرب الكثير من الطلبة من العملية التعليمية، لا سيما الفتيات، بسبب المخاوف المرتبطة بالأمان والعادات الاجتماعية. هذا الواقع لا يُسهم فقط في تقليل نسب التعليم، بل يعمّق أيضًا الفجوة المعرفية بين سكان المركز وسكان الأطراف.
أما من الناحية الإنشائية، فإن العديد من المدارس القائمة حاليًا في هذه المناطق تعاني من تهالك الأبنية المدرسية، وافتقارها إلى الشروط الصحية والتربوية الأساسية. فهناك مدارس تفتقر إلى المقاعد الكافية، أو إلى النوافذ، أو حتى إلى المرافق الصحية الصالحة للاستخدام، فضلاً عن غياب المختبرات والمكتبات والأنشطة التربوية المرافقة، ما يجعل البيئة التعليمية غير محفّزة على الإبداع أو التفوق، ويؤثر في الصحة النفسية للطلبة والمعلمين على حد سواء. كما أن بعض المدارس ما تزال تُدار في مبانٍ مستأجرة أو طينية لا تصلح أن تكون بيئة تعليمية بأي شكل من الأشكال.
إن إنشاء مدارس حكومية جديدة في الأقضية والنواحي ليس فقط ضرورة تربوية وتعليمية، بل هو أيضًا مطلب إنساني وتنموي يهدف إلى تحقيق العدالة الاجتماعية في توزيع الخدمات، وضمان حق التعليم لجميع المواطنين بغض النظر عن موقعهم الجغرافي أو وضعهم الاقتصادي. فحرمان أبناء الأطراف من التعليم الجيد يعني خلق فجوة معرفية واقتصادية بينهم وبين سكان المدن، مما يهدد مستقبل الأجيال القادمة ويُعيق التنمية المستدامة في المحافظة.
ومن جانب آخر، فإن الاستثمار في بناء المدارس يمثل أحد أهم دعائم الاستقرار المجتمعي، إذ يسهم في خفض نسب البطالة من خلال توفير فرص عمل للكفاءات التربوية والإدارية، كما يؤدي إلى رفع الوعي والثقافة، وتعزيز قيم المواطنة والانتماء الوطني، خاصة في المناطق التي عانت من التهميش أو الإهمال طيلة السنوات الماضية.
لذلك، فإن الحاجة إلى إنشاء مدارس حكومية في أقضية ونواحي البصرة لم تعد خيارًا، بل هي أولوية وطنية تستدعي تحركًا سريعًا من الجهات الحكومية ذات العلاقة، كوزارة التربية، ووزارة التخطيط، والحكومات المحلية، مع ضرورة التعاون مع القطاع الخاص والمنظمات الدولية الداعمة للتعليم، لتوفير التمويل والموارد اللازمة. كما يجب أن يُعطى هذا الملف بعدًا استراتيجيًا ضمن خطط الدولة لإعادة الإعمار وتحقيق التنمية المتوازنة، عبر بناء مدارس نموذجية مجهزة بأحدث الوسائل، تضمن بيئة تعليمية متكاملة ومتكافئة لأبناء البصرة أينما وُجدوا. فالتعليم ليس خدمة فقط، بل هو ركيزة أساسية للنهوض بالمجتمع وبناء مستقبل مستقر ومزدهر.