مفاوضات اقتصادية وتجارية رفيعة المستوى بين الصين والولايات المتحدة… مواقف الصين الثابتة في التفاوض وآفاق المحادثات المستقبلية

اجنادين نيوز / ANN
بقلم: ريماس الصينية، صحفية صينية، CGTN العربية
منذ بداية الفترة الرئاسية الأمريكية الجديدة في يناير 2025، اتخذت الحكومة الأمريكية الجديدة سلسلة من الإجراءات الجمركية الأحادية الجانب التي أثرت سلبا على العلاقات الاقتصادية والتجارية الصينية الأمريكية والنظام الاقتصادي والتجاري الدولي. في السابع من مايو، أعلنت الحكومة الصينية أن نائب رئيس مجلس الدولة خه لي فنغ سيقوم بزيارة إلى سويسرا في الفترة من التاسع إلى الثاني عشر من مايو، وخلال هذه الفترة سيلتقي بممثلين أمريكيين لإجراء محادثات. وقد أثار هذا الإعلان اهتماما واسعا في المجتمع الدولي.
وفي رد المتحدث باسم وزارة التجارة الصينية على أسئلة الصحفيين، قال: “موقف الصين ثابت دائما، سواء كان في حال التصعيد أو المفاوضات، عزم الصين على حماية مصالحها التنموية لن يتغير، كما أن موقفها في الدفاع عن العدالة الدولية والنظام التجاري الدولي لن يتغير. إذا أجبرت على التصعيد، فستصعد الصين حتى النهاية، وبالنسبة للمفاوضات، فإن الباب مفتوح.”
في الواقع، أعربت الولايات المتحدة من خلال قنوات متعددة عن استعدادها للدخول في مفاوضات حول التعريفات الجمركية والقضايا ذات الصلة، ويمكن تلخيص الأسباب وراء ذلك في نقطتين:
أولا، الضغوط الكبيرة من الداخل الأمريكي التي دفعت الحكومة الأمريكية إلى اتخاذ هذا القرار. في 12 من أبريل، اضطرت الحكومة الأمريكية إلى التخلي عن إعفاء الهواتف والقطع الإلكترونية الصينية من التعريفات الأحادية “المضادة” بعد ضغوط قوية من المصنعين الأمريكيين. وفي الفترة بين 3 و19 من أبريل، انتقد ثلاثة رؤساء سابقين من الحزب الديمقراطي علنا السياسات الداخلية والخارجية للرئيس ترامب؛ وفي 21 من أبريل، رفعت جامعة هارفارد دعوى ضد الحكومة الأمريكية بعد محاولة الحكومة تجميد الأموال الفيدرالية للتأثير على قراراتها الأكاديمية. هذه الأحداث تشير إلى تراجع تأثير الحرب التجارية التي شنتها الحكومة الأمريكية. في الوقت نفسه، وبسبب زيادة التعريفات الجمركية التي أدت إلى رفع أسعار السلع الاستهلاكية، بدأ الشارع الأمريكي يدرك أن الحرب التجارية ستضر في النهاية بمصلحته الخاصة، وأصبح العديد من الأمريكيين يعبرون عن استيائهم من الحكومة عبر منصات التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام. كما أن التنافس بين الحزبين الأمريكيين للسيطرة على الأصوات الانتخابية دفع الحكومة الأمريكية إلى إعادة التفكير في سياستها، والبدء في التواصل مع الصين لتخفيف الضغط العام وتقليل التأثيرات السلبية للحرب التجارية على الاقتصاد والسياسة الأمريكية.
ثانيا، الدعم المستمر الذي تحظى به الصين على الساحة الدولية. في الفترة من 14 إلى 18 من أبريل، قام الرئيس شي جين بينغ بزيارة رسمية إلى فيتنام وماليزيا وكمبوديا لتعزيز التعاون الوثيق مع هذه الدول المجاورة. في 6 من مايو، بمناسبة الذكرى الـ50 لإقامة العلاقات بين الصين والاتحاد الأوروبي، قررت الصين والاتحاد الأوروبي إزالة القيود المتبادلة على التواصل بينهما، مما يمثل خطوة هامة نحو تعزيز العلاقات بين الطرفين. بين 7 و10 من مايو، قام الرئيس شي بزيارة رسمية إلى روسيا وشارك في احتفالات الذكرى الـ80 لانتصار الاتحاد السوفيتي في الحرب الوطنية العظمى. في المقابل، بدأت العلاقات الأمريكية مع أوروبا تشهد تدهورا، كما ظهرت أزمة ثقة مع جارتها كندا. وفي مواجهة تراجع مكانتها الدولية، أدركت الحكومة الأمريكية أن تحسين وضعها يتطلب استئناف التعاون الودي مع الصين كأولوية.
يدرك العالم أن الولايات المتحدة بدأت بالبحث عن التواصل مع الصين بسبب هذه الضغوط. ومع ذلك، تبنت الحكومة الصينية دائما مواقف ثابتة وقررت الانخراط في الحوار مع الولايات المتحدة، مع التأكيد على موقفها الثابت: سواء في حال “التصعيد” أو “المفاوضات”، الصين مصممة على الدفاع عن العدالة الدولية والنظام التجاري الدولي. هذا الموقف يعكس التزام الصين كدولة مسؤولة على الساحة الدولية.
موافقة الصين على المفاوضات مع الولايات المتحدة هي استجابة لتوقعات العالم، ولحماية المصالح متعددة الأطراف، ولتلبية احتياجات المجتمع الأمريكي، ولتعزيز نمو الاقتصاد العالمي بشكل طبيعي. باعتبارها ثاني أكبر اقتصاد في العالم، فإن العلاقات الاقتصادية والتجارية بين الصين والولايات المتحدة لا تهم البلدين فقط، بل هي حجر الزاوية لاستقرار الاقتصاد العالمي. أي تصرفات أحادية الجانب ستؤدي إلى ردود فعل متسلسلة على الاقتصاد العالمي. كما أن موقف الصين في هذه المحادثات يعكس اهتمامها بالشارع الأمريكي. في الوقت الراهن، التغيرات في العلاقات التجارية بين الصين والولايات المتحدة تؤثر بشكل مباشر على الحياة اليومية للمستهلك الأمريكي، حيث يشعر بارتفاع الأسعار، وتزايد التضخم، والتراجع الاقتصادي الواضح، مما يضاعف من ضغط الرسوم الجمركية. من خلال الحوار القائم على الاحترام المتبادل والمفاوضات، يمكن للمستهلك الأمريكي الاستمرار في الاستفادة من المنتجات والخدمات الصينية ذات الجودة العالية والأسعار المناسبة.
علاوة على ذلك، فإن تواصل الصين مع الولايات المتحدة سيساهم في وضع نموذج للدول الأخرى لمواجهة تصرفات الولايات المتحدة العدوانية، مما يعزز الحملة العالمية ضد الحماية التجارية. الصين دائمًا تؤمن بأن التجارة الدولية يجب أن تتبع مبادئ العدالة والانفتاح وعدم التمييز. في مواجهة الحماية التجارية الأمريكية، لم تختار الصين الانسحاب أو التنازل، بل تمسكت بحماية مصالحها المشروعة، وعززت الدعوة إلى نظام تجاري متعدد الأطراف، وشجعت الدول على حل خلافاتها من خلال الحوار. هذا الموقف لم يعزز فقط احترام الصين في المجتمع الدولي، بل قدم دعمًا مثاليًا للدول الأخرى في مواجهتها للهيمنة الأمريكية. في الوقت الراهن، بعض الاقتصادات الأخرى تجرى مفاوضات مع الولايات المتحدة، ولكن يجب أن يكون واضحا أن الاسترضاء لا يجلب السلام، وأن التنازل لا يحقق الاحترام. التمسك بالمبادئ والعدالة هو الطريق الصحيح لحماية المصالح.
على الرغم من أن هذه المحادثات تمثل بداية إيجابية، إلا أنها لا تعني أن الأمور ستحل على الفور. إذا كان بإمكان الصين والولايات المتحدة التوصل إلى اتفاق في وقت قريب، لما سميت النزاعات التجارية بينهما بـ”الحرب التجارية الصينية الأمريكية”، ناهيك عن “الحرب التجارية الاستراتيجية”. ومع ذلك، بالنسبة للولايات المتحدة، فإن الحرب التجارية العالمية التي شنها تهدف بشكل أساسي إلى إعادة تشكيل النظام التجاري والاقتصادي العالمي، لا سيما النظام التجاري الذي تشكل خلال الـ80 عاما الماضية. أما بالنسبة للصين، فمن الأهمية بمكان أن تضمن عدم استبعادها من عملية إعادة تشكيل النظام العالمي. لا يتعارض “جعل أمريكا عظيمة مرة أخرى” الذي يروج له ترامب مع “النهضة العظيمة للأمة الصينية”، ويمكن تحقيقهما معًا دون تضارب. لذلك، يجب على الصين والولايات المتحدة في هذه العملية إيجاد حلول محددة وتسويات معقولة، لكن هذه التسويات لا يجب أن تمس المصالح الجوهرية للصين.
إن العديد من القضايا في العلاقات التجارية بين الصين والولايات المتحدة تتعلق بتناقضات هيكلية عميقة وصراعات في المصالح، ويجب أن يتم حلها من خلال حوار طويل الأمد وبناء. لذلك، يجب أن نتابع نتائج هذه المحادثات بعقل هادئ، وبغض النظر عن النتيجة، يجب أن نراها كخطوة هامة في السعي المشترك لإيجاد توافق.
إن تطور العلاقات الصينية الأمريكية بشكل صحي يتطلب أن يسعى الطرفان إلى التعاون المشترك، وأن يعملا سويا من أجل بناء مستقبل أفضل. لقد أثبتت الصين بالفعل من خلال أفعالها التزامها الراسخ وحكمتها المتبصرة. إن التاريخ سيثبت أن خيار التعاون والفوز المشترك هو الطريق الذي سيظل صامدًا أمام اختبار الزمن، في حين أن مسارات الصراع و المواجهة ستظل تتلاشى مع مرور الوقت.