الآثار الإيجابية لمبادرة الحزام والطريق الصينية على القارة الأفريقية

اجنادين نيوز /ANN

بقلم: منال علي

*تعريف بالكاتبة: صحفية إذاعية بالبرنامج الأوروبي في الإذاعة المصرية، و مختصة بشؤون دول البحر الأبيض المتوسط و بلدان أسيا، وصديقة مُقربة من الإتحاد الدولي للصحفيين والإعلاميين والكتّاب العرب أصدقاء وحُلفاء الصين.

ينشغل العالم كله بمبادرة الحزام و الطريق الصينية لِما لها من تأثير دولي مباشر على مسألة الانتعاش الاقتصادي من ناحية و على إنعاش الوضع الاقتصادي و تحسينه في تلك الدول التي تشترك مع الصين في إطار تلك المبادرة و خاصة بعد تداعيات فيروس كورونا عليها من ناحية أخرى.
و تتلخص مبادرة الحزام و الطريق في ربط القارات الثلاث، افريقيا و آسيا و اوروبا، ببعضها البعض عبر طريق بري هو طريق الحرير، و أخر بحري يمثل حزام طوقي يربط هذه الدول عن طريق البحر بهدف تسهيل نقل البضائع و فتح أسواق جديدة بما يترتب عليها بطبيعة الحال استفادة كبرى و عظيمة الشأن من حيث توافر فرص العمل و تطوير البنى التحتية لتلك الدول و خاصة أن الصين كانت و مازالت تؤكد على أن واحدا من أهم أهداف تلك المبادرة العالمية، أي مبادرة الحزام و الطريق، هو بالأساس إقامة بناء اقتصادي صرف لتعزيز التعاون الدولي و تنشيط الاستثمار وانعاش التجارة بمزيد من توافر سبل متعددة للتنمية الاقتصادية.
“المبادرة” الصينية ستفرز واقعًا دوليًا جديدًا من خلال مشاركة الصين الفعّالة في قطاع البنية التحتية لتلك الدول، و من هنا نجد بعض مِمّن يثير ذلك المشروع الكبير حفيظتهم، يطرحون بعض الأسئلة حول أهداف الصين من تلك المبادرة، و هل هي في الأساس من أجل تعزيز الفوائد الاقتصادية لنفسها من جانب واحد فقط، دون أية استفادة لأي من الدول المشاركة في هذه المبادرة العالمية؟ و هل هناك هدفا استراتيجيا يتعلق بنوايا الصين الاستراتيجية باستخدام تلك المبادرة كأداة لتعزيز نفوذها الاستراتيجي العالمي؟
و للإجابة على كل هذه التساؤلات لابد من التطرق لمبادرة الحزام و الطريق و الإجراءات التي تم اتخاذها في إطار التعاون المتبادل بين الصين و الدول الأفريقية حيث أنه على مدى العقدين الماضيين أنشأت الصين وجودًا اقتصاديًا قويًا في معظم البلدان الإفريقية و استثمرت بشكل كبير في المجال الاقتصادي، و اتبعت منهجًا سياسيا مرنًا فضلا عن المشاريع التنموية في إطار مبادرة الحزام و الطريق و التي وفّرت فرصًا استثمارية كبرى لتلك الدول و التي انعكست بشكل مباشر على مساعدة تلك الدول بالنهوض من بعض العثرات الاقتصادية جعلتها تسلك مسارا مهما في طريق التطور و النمو الاقتصادي والاجتماعي والثقافي .
من خلال مشاركتها في قطاع البنية التحتية التي بدأت في الستينيات، أنشأت الصين صرحًا اقتصاديًا ضخمًا عبر القارة الأفريقية، حيث ارتفعت التجارة بين الصين و افريقيا بشكل كبير من مليار دولار أمريكي عام ١٩٨٠ إلى ١٢٨ مليار دولار أمريكي عام ٢٠١٦ و في منتدى ٢٠١٨ للتعاون الصيني الافريقي في بكين، قدمت الصين لأفريقيا ٦٠ مليار دولار أمريكي لتمويل عمليات التنمية حتى عام ٢٠١٢، و هنا تختلف الصين عن غيرها من الدول الغربية التي تتبع استراتيجية إقراض و تمويل معقدة تكون غالبا مصحوبة بشروط صارمة و احيانا مجحفة لحقوق تلك الدول الأفريقية، حيث تقدم الصين المنح و المساعدات بأسعار فائدة منخفضة، مِمّا يسمح بإقامة مشروعات ربحية سخية مع جدول عائد كريم خاصة على مشاريع البنى التحتية لتحقيق أكبر استفادة ممكنة لتلك الدول من أجل مساعدتها في التغلب على صعوبات بناء الطرق و المدن الجديدة بما يسهم في احداث التطور السريع و الدخول ضمن عجلة النمو الاقتصادي و مواكبة احداثيات التطور من منظور عالمي.
و ما يزيد الأمر تعقيدًا بالنسبة للولايات المتحدة و الاتحاد الأوروبي، هو زيادة الأزمات المالية التي لحقت بهم و التي حدّت من استثماراتهم في افريقيا في حين أن الصين ملتزمة بزيادة الاستثمارات، في القاهرة بصفة خاصة وفي افريقيا بصفة عامة، هو الأمر الذي ربما يدفعهم للتشكيك في نوايا الصين و محاولة عرقلة ذلك التعاون المهم للدول الأفريقية كما هو مهم للصين، من أجل تحقيق الاستفادة المتبادلة من ذلك التعاون المبني على ما يعرف باستراتيجية win_win أو سياسة المكاسب المشتركة كما هو معلوم و معمول به في مجالات الاستثمارات الدولية كافة.

الدليل على نجاح مبادرة الحزام و الطريق
في افريقيا
كان لمذكرات التفاهم التي وقعها الاتحاد الافريقي بشأن التعاون في مبادرة الحزام و الطريق أبلغ الأثر في تسهيل عملية الاستثمارات للشركات الصينية في افريقيا، حيث استثمرت الصين في ٥٢ دولة من أصل ٥٤ دولة أفريقية وفقا الاحصائيات الرسمية للصين وقع معظم هذه الدول على مذكرات تفاهم بالفعل تسمح لإضفاء طابع رسمي يسمح بوجود اتفاقيات ملزمة تسمح بضمان حقوق الأطراف المتعاونة، و على سبيل المثال لا الحصر تستثمر الصين في موانئ على طول الساحل من خليج عدن عبر قناة السويس باتجاه البحر المتوسط و تشمل هذه الموانئ ميناء جيبوتي و بورتسودان و بورسعيد( مصر) و بورت توفيق( مصر) و ميناء جرجيس ( تونس) و ميناء الحمدانية ( الجزائر).

هذا بالإضافة للاستثمار في مجال الاتصالات و مشاريع الطاقة و تشمل النفط و الطاقة المتجددة كما نجحت الصين في بناء مشاريع عابرة للحدود في افريقيا، و على سبيل المثال أحرزت بكين تقدما كبيرا في مشروع السكك الحديدية عبر البلاد بين مالي و غينيا، كخط انابيب أنابيب النفط بين تشاد و الكاميرون، و للتأكيد على صدق تبني الصين لنموذج (التعاون المربح للجانبين)win_win)) اي المكسب المشترك حرص الرئيس شي جين بينغ من البداية على تطور العلاقة بين الصين و افريقيا ففي عام ٢٠١٣ اختار الرئيس شي القيام بأول زيارة دولية له إلى تنزانيا و جنوب افريقيا و جمهورية الكونغو، و حضر القمة الخاصة بالبريكس ـBRICS في دوربان بجنوب افريقيا و في عام ٢٠١٥ أنضم الرئيس شي جين بينغ إلى قادة أسيويين و أفارقة اخرين، بما في ذلك الرئيس روبرت موجابي من زيمبابوي و رئيس وزراء مصر آنذاك السيد ابراهيم محلب في الأنشطة التي أحيت الاحتفال بالذكرى الستين لمؤتمر باندونج الذي عقد في باندونج بإندونيسيا.
و في العام نفسه حضر قمة كوبنهاجن لمنتدى التعاون الصيني الافريقي FOCAC _ حيث عمل مع القادة الأفارقة لتطوير العلاقات الصينية الأفريقية و الارتقاء بها لمستوى الشراكة الاستراتيجية الشاملة، كما أكد الرئيس شي جين بينغ في أكثر من مناسبة أن الصين تدعم بقوة الاتحاد الافريقي و تحرص على تنمية العلاقات الصينية الأفريقية، كما أنشأت الصين بعثتها الدائمة إلى الاتحاد الافريقي في عام ٢٠١٥، مما أحدث ترقية في مستوى العلاقات الدبلوماسية الصينية الأفريقية من الثنائية الخالصة إلى الحرص على فتح قنوات ثنائية و متعددة الأطراف على حد سواء.
و بصفة عامة دعمت الصين الدول الأفريقية، و خاصة، في السنوات الأخيرة عن طريق إنشاء صندوق التعاون بين بلدان الجنوب و زادت استثماراتها في افريقيا و ألغت ديون بعض الدول الأقل نموا و البلدان غير الساحلية و قدمت أيضًا تمويلا إضافيا لصندوق التنمية الصيني الافريقي و القرض الخاص لتنمية المشروعات الأفريقية الصغيرة و المتوسطة.
كما تم تأسيس صندوق التعاون الصناعي في الصين و افريقيا الذي يمثله بنك الصادرات و الواردات الصيني برأسمال أولي قدره ١٠ مليارات دولار للبلدان الإفريقية و هو ما يمثل حوالي نصف إجمالي القروض البالغ ٢٠ مليار دولار التي وعدت بها الصين لأفريقيا من عام ٢٠١٣ إلى عام ٢٠١٥، حيث يظهر هذا الدعم المالي المتزايد لأفريقيا مدى صدق الصين في مساعدة افريقيا على تحقيق التنمية المشتركة.
و فيما يتعلق بالتجارة نجد أن حرص الصين على استمرارية التعاون بينهما يظهر في ارتفاع حجم الاستيراد و التصدير بين الجانبين الصيني الذي يتجاوز عتبة ٢٠٠ مليار دولار امريكي و الأمر في تزايد مستمر مما يجعل الصين شريكا تجاريا أساسيا لأفريقيا.
أما في المحال الثقافي، قامت الصين بمساعدة العديد من دول افريقيا في تحسين ثروتها البشرية من خلال التعاون الثقافي و التعليمي و إلحاق الطلبة الأفارقة بالجامعات الصينية، كما قامت بإنشاء المعاهد و المراكز الثقافية و هناك ما يقرب من ٤١الف طالب افريقي يدرسون في الصين، منهم ما يزيد عن ٨٠٠٠ طالب و طالبة يدرسون من خلال منح تعليمية و تدريبية تقدمها الحكومة الصينية.
و في الآونة الأخيرة تعمل الصين على تنفيذ بعض المشروعات التي تفيد السكان الأفارقة بالكامل عبر بناء القدرات المحلية في مجال الرعاية الصحية و التدريب على اكتساب المزيد من مهارات التعلم عن طريق استحضار متخصصين في تلك المجالات بهدف تطوير المنظومة الصحية العامة لتلك الدول و من هنا يمكننا القول إن ما تفعله الصين على الأرض هو الشاهد الوحيد على حسن نواياها و على دحض ادعاءات البعض حول سوء تلك النوايا فما تفعله الصين ليس أكثر من تطبيق ما نؤمن به من قول حكيم أن ما يمكث في الأرض هو الحق و العدل و الصلاح و أما غير ذلك فيذهب جفاء، و لا يتوقف الأمر هنا فالاستثمار في القارة السمراء أمر توليه الصين أهمية قصوى و مازال المجال مفتوحا للمزيد من المنفعة المتبادلة بين الجانبين و لذلك يبقى دائما للحديث بقية.

زر الذهاب إلى الأعلى