السكان والمجتمع في الصين

اجنادين نيوز /ANN

يلينا نيدوغينا*

الأنباط الأردنية

في وسائل إعلام دول الغرب عمومًا وفي تلك التي تتسم بالتطلعات التوسعية يُكتب ويُنشر ال من “الأخبار” المُلفقة والمغالطات المقصودة والمَدسوسة، بهدف النيل من الصين دولةً وشعبًا بما يُسمّى نهج تحديد النسل أو سياسة الطفل الواحد “القمعية”!.
قبل الخوض في هذا المجال بتبصرٍ وواقعية، لا بد من التذكير والكشف عن أن ما يُسمّى في الغرب بسياسة الطفل الواحد كانت تُطبّق في الصين على قومية واحدة فقط، دون تعميمها على القوميات الأخرى الصغيرة والمتوسطة الحجم، وهذه القومية “الواحدة” هي الأكبر عددًا بين غيرها من القوميات، واسمها هو “قومية هان”‘ وتُشّكل غالبية سكان الصين على مر العصور والعهود.
أذكرُ، أن الرجل الثاني في سفارة جمهورية الصين الشعبية لدى المملكة الأردنية الهاشمية، الزميل والصديق والرفيق المُستشار مهدي تشانغ هايتاو، قال في لقاءات جمعتني إليه مع زملاء أردنيين من الوسط الإعلامي، إن عدد أفراد عشيرته الصينية كان قبل بضع عشرات قليلة من السنين 400 مليون شخص فقط!، بينما تقلص هذا العدد “الآن” إلى 250 مليونًا فقط!
من المهم والضروري الإشارة إلى أن القوميات الصينية الصغيرة والمتوسطة في أحجامها لم تكن مشمولةً في تقليد “الطفل الواحد”، ذلك أنها ضئيلة العدد “أصلًا وفصلًا”، وتطبيق سياسة تحديد النسل عليها كان سيؤدي لو تم، إلى مصيبة الاندثار التام لها من أرض الصين، ومن على سطح الكرة الأرضية أيضًا. لذا، كانت وما زالت هذه القوميات الصغيرة في الصين تتمتع بحقوق الإنجاب كاملة دون تحديد حكومي أو تقليد اجتماعي، وشخصيًا شهدتُ على هذه الحالة الانجابية في المناطق المدن والقرى والأرياف الصينية الواسعة ومشافيها، حيث كنتُ ومنذ عقود متلاحقة ما قبل ظهور فيروس “كورونا” أتلقى العديد من الدعوات المتواصلة لزيارة تلك الفضاءات، أتجوّل فيها وعائلتي بحرية دون الارتباط بوفد ما عدا المرافقين الرسميين. جُلت في أراضي القوميات الصينية، واطلعت على حياة وهموم وأفراح مَن ينتمون إليها، والتشغيلات المهنية التي توفّرها لهم الحكومة المركزية والحكومات المحلية في الصين لتكثير عددهم وتسهيل أمورهم الحياتية.
نظرة واحدة على سياسة الإنجاب الصينية نتأكد من خلال حقيقة اهتمام الحكومة الصينية بالقوميات الصغيرة التي برز دورها في مختلف مفاصل الحياة الصينية، أن ممثلي هذه القوميات احتلوا مراكز مفتاحية في الوظائف الحزبية والحكومية، ويتم إبتعاثهم للبلدان الأخرى بمختلف المهام التعليمية والعلمية والثقافية والدبلوماسية، ولجسر علاقات الصين مع دول الأرض.
في جانب آخر، وحسب تقرير أصدرته الأكاديمية الصينية للعلوم الاجتماعية، في يناير 2019، فإن إنجاب “الطفل الواحد” ربما حققت هدفها الأصلي المتمثل في إبطاء النمو السكاني، ولكنها أيضًا فرضت تحديات جديدة أمام الحكومة. وحذّرت الأكاديمية من أن انخفاض معدل المواليد وزيادة متوسط العمر المتوقع يَعني أنه سيكون هناك عدد قليل للغاية من الذين في سن العمل القادرين على إعالة عدد هائل من المُسنِّين.
لقد أدى النمو الاقتصادي في الصين إلى خلق مجتمع يُعاني فيه العديد من الأزواج الشباب من ضغوط اقتصادية، ومنها ارتفاع تكاليف التعليم والسكن، مما يجعل إنجاب طفل واحد قرارًا يحتاج إلى دراسة متأنية. ولكن، يظل السبب الأعمق لتراجع معدل النمو السكاني هو التقليد الاجتماعي لإنجاب الطفل الواحد فقط عند القوميات الكبيرة، وما أفرزته من نتائج سلبية، ومنها مثلًا أن عدد الإناث أصبح أقل كثيرًا من عدد الذكور. فالنساء الصينيات المولودات خلال السنوات التي تلت تقليد “الطفل الواحد” قد وصلن حاليًا إلى سن الخصوبة أو تجاوزنها، ولا يوجد منهن ما يكفي للحفاظ على المستوى السكاني للصين على الرغم من الجهود التي تبذلها الحكومة لتشجيع الأسر على إنجاب طفلين على الأقل. ويرى باحثون أن عام 2018 أصبح نقطة التحول التاريخية في عدد سكان الصين، إذ بدأت كتلتهم في التقلص، و “تزايدت الشيخوخة” بسرعة. وللحديث بقية.
*كاتبة وإعلامية مُتابِعة للشؤون الصينية.

زر الذهاب إلى الأعلى