ندوب الخيانة

اجنادين نيوز / ANN
ياسمين شكري الخيام / قصة قصيرة
في بستانٍ يرتعش تحت أشعة الشمس الذهبية، كانت تقف شجرة تفاح شامخة، أغصانها ممتلئة بالثمار الحمراء اللامعة. لم تكن مجرد شجرة، بل كانت رمزًا للكرم والعطاء. كانت تُظلّل العابرين، تُطعم الجياع، وتُنعش النفوس بعبير زهورها في الربيع. أحبت الشجرة جميع الكائنات التي عاشت في ظلها، من السناجب النشيطة إلى العصافير المغردة.
وفي أحد فروعها العالية، كان يسكن طائرٌ ذو ريشٍ أسود لامع. كان يتمتع بالذكاء والفصاحة، ولكنه كان يحمل في قلبه حبًا عميقًا لذاته فقط. لم يكن يُشارك في جمع الطعام، ولا في بناء الأعشاش للغير، بل كان يستمتع بظل الشجرة ودفئها، ويأكل من ثمارها الطيبة دون أن يمدّ يد المساعدة لأحد. كان يُعرف بحكمته في الحديث، وكثيرًا ما كان يُقدم النصائح للحيوانات الأخرى، ولكن نصائحه كانت دائمًا تصب في مصلحته.
كانت الشجرة تُكنّ لهذا الطائر ودًا خاصًا. لطالما استمعت إلى أحاديثه، وأحبت صوته الهادئ الذي كان يصدح في المساء. كانت تثق به، وتعتبره جزءًا لا يتجزأ من حياتها.
مرت الفصول، وذات شتاء قاسٍ، هبت عاصفة ثلجية لم تشهدها البستان من قبل. تكسرت أغصان الشجرة، وتساقطت أوراقها، وتجمدت ثمارها. أصبحت ضعيفة، هزيلة، بالكاد تستطيع الصمود في وجه الريح. لجأت الحيوانات الأخرى إلى جحورها الدافئة، بينما بقيت الشجرة وحيدة، تُصارع مصيرها.
نظر الطائر من عشه، رأى الشجرة وهي تُصارع. رأى أغصانها المتكسرة وثمارها المتجمدة. لم يفكر للحظة في مدّ يد العون، في حماية فرعها من الثلج، أو حتى في البقاء بجانبها لتقديم العزاء. بدلًا من ذلك، بدأ يُردد بصوته الجهوري للطيور التي كانت تبحث عن مأوى: “انظروا إلى هذه الشجرة! لقد فقدت بريقها، لم تعد تُعطي. ابحثوا عن مكانٍ آخر، عن شجرةٍ قوية تستطيع أن تحميكم!”
لم يكتفِ بذلك، بل بدأ ينقر على الأغصان المتكسرة، مُحدثًا أصواتًا تُشبه السخرية، وكأنما يُعلن فشل الشجرة أمام الجميع. كان يتسرب من فمه كلامٌ جارح، يصف الشجرة بأنها “عبء” و”لا فائدة منها”.
أحست الشجرة بلسعات الألم، ليس من البرد القارص، بل من كلمات الطائر. كانت تثق به، اعتبرته ابنًا لها، ولكنه تخلى عنها في أضعف لحظاتها، بل وتعمّد زيادة معاناتها. في اليوم التالي، ومع أول شعاع شمس، طار الطائر بعيدًا، باحثًا عن شجرة أخرى يجد فيها مأوى وثمارًا جاهزة، دون أن يُلقي نظرة أخيرة على الشجرة التي احتضنته لسنوات.
مر الشتاء، وبدأت الحياة تدب في البستان من جديد. عادت الشجرة لتستعيد عافيتها ببطء، نمت لها أغصانٌ جديدة، وأزهرت من جديد. ولكن بريقًا ما كان قد انطفأ في قلبها، بريق الثقة المطلقة. تعلمت الشجرة درسًا قاسيًا عن الخيانة والتخلي، وأن بعض الوعود ليست سوى كلمات تُقال، وأن الكرم قد يُقابل بالجحود. أما الطائر، فقد ظل ينتقل من شجرة إلى أخرى، يجد الدفء والطعام، لكنه لم يجد أبدًا الدفء الحقيقي الذي يمنحه الولاء والوفاء.