تداخل الرسائل بالرواية (قراءة في رواية مرة اخرى..المدينة التي احب) للايراني نادر ابراهيمي

اجنادين نيوز / ANN

البصرة / حيدر الاسدي

احد الاجناس النثرية التي عرفتها نظرية الادب هي الرسائل وهي تعد نصوصاً “شعرية ونثرية، تمزج بين الشعر والنثر أحياناً تكتب في الغالب لأغراض فلسفية واخلاقية إلا إنها تكتب بصيغ جمالية عالية المستوى يجعلها مفتوحة لقراءات متعددة ، منها قراءاتها كمقاربة درامية، إذ بإمكان البحث تلمس العديد من المظاهر الدرامية التي برزت في أغلب رسائل (إخوان الصفا) وغيرها من الرسائل ، كرسالة الغفران ، ورسالة التوابع والزوابع ، فضلاً عن رسائل أخرى” (1) اذ عرفت الاجناس الادبية في تراث وثقافة العرب وذاع صيتها واشتهرت في عهد الخلافات الاسلامية في الوطن العربي وكانت تستخدم للمراسلات وبخاصة اثناء” الخلافة الأموية والعباسية ،وبالنظر للتطور والانفتاح على الثقافات العالمية واتساع حركة الترجمة الذي مما شجع على انتشار هذا الجنس الأدبي المميز كفن قصصي وكذلك انتشرت ظاهرة نشر الرسائل في القرن السادس عشر على الرغم من انها موجودة قبل ذلك ومنها رسائل (شيشرون) و(سينكا) وهي رسائل عاطفية كتبت شعرا وتنسب الى العشاق المشهورين في التاريخ وكان الادباء الاندلسيون يطلقون لفظ رسالة على ما “ينشئه الكاتب في نسق فني جميل في غرض من الاغراض ويوجهه الى شخص اخر” (2)

وللرسائل تداخلات عدة مع الاجناس الادبية ولاسيما السردية منها فبعض الرسائل كانت تنتهج اسلوبا قصصيا في مضامينها وشكلها اذ يطلق الباحث فرج بن رمضان على هذا النوع من الرسائل بالرسالة القصصية ويرى انها انموذجا للتفاعل بين الاجناس(3) وهناك الرواية الرسائلية اذ ان (جيريمي هوثورن) قسم الرواية الى انواع ومنها الرواية الرسائلية التي افادت من الرسائل كعنصر في تنويع السرد في الرواية (4) فقد كانت الروايات المكتوبة على شكل رسائل رائجة “رواجاً كبيراً في القرن الثامن عشر مثل روايات صموئيل ريتشاردسون ومنها رواية باميلا 1741م رواية كلارسيا 1747 م وهما من روايات الاغراء المكتوبة في صورة رسائل” (5) كما ان هناك روايات تعتمد على اسلوب المراسلات بين شخصيات الرواية سواء الرسائل العادية او حتى الرسائل الالكترونية ولعل اشهر رواية كتبت على شكل رسائل هي (الام فارتر) للالماني (غوته).
الان ياتي الحديث عن رواية (مرة اخرى…المدينة التي احب) رواية للاديب الايراني (نادر ابراهيمي) وترجمة المبدعة (مريم العطار) وصدرت الرواية عن دار الهجان للنشر والتوزيع وهو الدار المميز للاديب البصري الشاب (ليث الهجان) والذي يختار اصداراته بعناية ونوعية كبيرة ، والرواية جنست على انها (رواية قصيرة) وهي لكاتب ايراني معاصر ترجمته بلغة عالية الزميلة مريم العطار مع التقديم الجميل الذي يدل على اضطلاع العطار بالادب الفارسي ، حين قراءتك لهذه الرواية سيتمظهر امامك حجم التداخل بين تقنيات واساليب ( الرسائل) والسرد الروائي ، وربما تقترب احيانا بنى هذه الرواية من الاسلوب الرسائلي ، اذ كتبت الرواية باسلوب سارد رسائلي متعلق بحبيبة ومدينة معاً ، وتفتتح العطار بمقدمة مغرية (العاشق الحقيقي من وقع في حب مدينة بادق تفاصيلها ، شوارعها، اشجارها، ترابها، انهارها ورائحة الطهي في بداية الليل ، ونوافذ بيوتها التي تنطفئ بشكل تدريجي ، ومن يكره مدينة ربما لديه ذكرى ، مع احد سكانها) الرواية كتبت بطريقة اقرب للرسائل الرومانسية التي كتبها (ابن المزارع) لحبيبته ( هليا) وبعد ان يمتنع والدها على تزويجها لابن المزارع يهربا معا وبعد فترة تقرر هليا العودة فما كان من الرجل سوى كتابة الرسائل العاطفية لحبيبته هليا ، تلك الرسائل التي تلامس الوجدان والعاطفة الانسانية وتبحث المتناقضات في وجودنا الاجتماعي والانساني ، انها رسائل ناقمة احيانا ، وناقدة احايين عدة ، وبين الكتابة بالقلب يمر خيطاً رفيعاً سيري للمؤلف السارد لهذا العمل القصير والذي لا تشعر معه بالملل لكثرة ما يلامس الوجدان في بنية هذه الرسائل السردية التي كتبت تحت يافطة تجنيسية (رواية قصيرة) والاكثر جمالاً الترجمة الابداعية للعطار التي تمسك زمام المفردة من ياقة الجمال النصي للغتنا العربية ، فتحيل المشاعر المؤثثة لحروف تلامس وجدان القارئ ، فضلاً عن جمالية (الامكنة) وصياغاتها التي يؤثث لها المؤلف في رسائلته السردية ، والتركيز على مفردات يشعر المرء معها بحميمة وحنين كبير (للمدينة) التي يعشق وهذا الجزء الاهم من هذه السردية القصيرة ، وكأنك احياناً تشعر بمونولوجات يكتبها ابن المزارع لذاته ، للقارئ وليس لهليا وحسب ، الانثيالات التي تندرج ضمن تاثيث السرد لابن المزارع (السارد) انما تتحدث عن اخيلة واقعية واحياناً افتراضية يقدمها السارد لهليا ، يملىء من خلالها الفراغات الكامنة في روحه وذاته او في الامكنة المجاورة التي يشعر فيها بنقص كبير لانها لا تضم معها جسد هليا ، انها سرد يفضي لفضح مكبوتات مضمرة في نفس السارد (العاشق) وهنا تكمن جمالية المكاشفة في هذه النصيات السردية ، فنحن بتنا (نعيش في زمن ياحبيبتي نرى اشياء كثيرة ولا نصدقها ونصدق اشياء لم نرها ابداً / الرواية ص68).ووسط كل هذا تقودك الرواية في سياحة ذاتية ومكانية جميلة يصورها السارد بطريقة جميلة وترجمة اجمل من مريم العطار الاديبة والمترجمة المبدعة ، كل الشكر لدار الهجان وليثه الذي يقدم لنا التحف الادبية دائماً.
……………
هوامش//
======
1-احمد ناصر حسن الشندل،المقاربة الدرامية لنص أبي مخنف،رسالة ماجستير غير منشورة ،باشراف الاستاذ المساعد الدكتور محيد حميد الجبوري والدكتور حسن عبد المنعم الخاقاني،(جامعة البصرة:كلية الفنون الجميلة،قسم الفنون المسرحية،2007)،ص 25.
2-فايز عبد النبي فلاح القيسي،ادب الرسائل في الاندلس،ط1(عمان:دار البشير للنشر والتوزيع،1989)،ص78.
3-ينظر: فرج بن رمضان، الأدب العربي القديم ونظرية الأجناس،ط1،(صفاقس:دار محمد علي الحامي، 2001)،ص187.
4-ينظر: سهام جبار هاشم ، تجنيس الادب في النقد العربي الحديث،رسالة ماجستير غير منشورة ،باشراف الدكتور حسن البياتي،(جامعة المستنصرية:كلية الاداب،قسم اللغة العربية،1997)،ص103.
5-عز الدين المناصرة،الاجناس الادبية في ضوء الشعريات المقارنة : قراءة مونتاجية ،(عمان:دار الراية للنشر والتوزيع،2010)،،ص159.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى