تفاعل الثلاثيات في رواية ( مخيم المواركة ) لجابر خليفة جابر

اجنادين نيوز / ANN

علي لفتة سعيد

في رواية ( مخيم المواركة ) للروائي جابر خليفة جابر ثمة ثلاثيات عديدة تتحرك وفقها الرواية سواء على مستواها التدويني او الحكائي .. كبنية كتابية فيها.. الرواية لا تصعد في الاتجاهات العمودية ولا تتوسع افقيا لكي تمسك بالخيط بل هي تصعد تارة او تسير في اتجاه افقي يمينا او يسارا تارة أخرى.. والرواية تأخذ أيضا ثلاثة ابعاد تأويلية.. تاريخية وايديولوجية وواقعية متخيلة مثلما تأخذ ثلاثة أزمنة الزمن الحاضر التدويني والزمن الماضي الذي يسبق التدوين والزمن التاريخي للبعد الصراعي الذي يريد مزجه بما يتوصل له الروائي من حيثيات يريد بثها واستنطاقها التفاعلي مع الحدث وهي تأخذ ايضا ثلاثة أمكنة وإن تشظى بعضها .. العراق وإسبانيا وما يأتي من اماكن أخرى لها علاقة بالمكانيين.. مثلما تتحرك وفق ثلاث عمليات تدوينية.. المخاطب الذي يبدأ من الراوي الى الشخصيات.,. والغائب من الراوي الى المتلقي.. والمتكلم من الروائي الى الراوي ذاته الذي يتحرك بدوافع الروائي.. وهذا أدى الى ان تتخذ الرواية ثلاث حالات ايضا من انها رواية وثائقية توثيقية لفعل ماضوي.. وهي رواية حكاية فيها معلومات تاريخية لا تعتمد على الأرخنة بصورة مباشرة.. وهي رواية المتخيل السردي الذي استل صراعا تاريخيا لينقله عبر سرد روائي بطريقة بمائية خاصة.. وهذه الطريقة اتخذت ثلاثة طرق ايضا.. البناء عن طريق الروي المباشر بين الشخوص.. والبناء عن طريق الخيط الوهمي الذي ترسمه الطرق التقنية في الانترنت عبر رسائل مكتوبة.. والبناء عن طريق التقافز المعلوماتي بين الشخوص وهو ما يؤدي الى تعدد المحركات التي تبقي المتلقي في حالة انتباه كامل ليس فقط لتشعي الامكنة والأزمة وطرق الروي بل لان الاسماء التي تحملها الرواية جعلها الروائي منذ البدء وكأنها تأتي من ظهر واحد عبر تناسل الاجيال وبالتالي التعاقب الزمني والتي تبدأ بشخصية ( عمار أشبيليو) الذي ارسل الى الراوي/ الروائي ذاته حيث ذكر بريده الإلكتروني الصريح الذي يحمل اسمه الاول ومختصر الاسم الثاني.. ليبدا الصراع ليس من قبل الشخصيات فحسب بل حتى من قبل المتلقي الذي يريد الامساك بالخيط فيجده ثلاثة خيوط تسير معا وهي تحمل كل الثلاثيات التي ذكرناها.
إن الرواية تبدأ بمهادٍ أولي وهي الروي بطريقة المخاطب ( بودي أن أتحدث لك أيضا عن الدكتور رودميرو، أحمد رودميرو) وكلمة ايضا تعني ان هناك حديثا سابقا تم ذكره في المقدمة التي عنونها ( اعتراف ) والذي قدم فيها مسحة خرائطية للشخصيات والغاية والقصد هدفها تشكيل منصات تشويقية فضلا عن ان الاعتراف جاء تبريرًا منطقيا لطريقة السرد التي انتهجها الروائي في إخراج الرواية من خلال تفعيل عنصر السؤال الذي أريد له ان يكون علامة دالة على الصراع وليس على التنبيه ( قررت أن أدعي تأليف الرواية وأضع اسمي على غلافها ) وهنا تكمن ثلاث قصديات.. إن ما سيأتي هو نتيجة طبيعية لهذا ( الاعتراف ).. وإن ما سيكون هو ربط الحيثيات بمجمل الصراع.. وإن ما يذكر يراد له أن يكون محمّلا برسالة وإن كان القصد ألّا تكون محملة بأيديولوجية مقصودة في تثبيت الصراع الاندلسي العربي الاسلامي..
إن الاستهلال هو الجلد الذي يمكن ان ينزعه المتلقي من عمليات التراكم السردي والحكائي والبنائي المقصود في هذه الثلاثية لأنه الكاشف عما سيكون وما سيأتي من عمليات تفعيل الفعل الدرامي .. فالاسم رودميرو والاسم أحمد وان أمادو هو يصلي ( المغرب ) كما تقول له أمه الإسبانية التي تتذكر كيف كان الجد يصلي في القبو وهي المرحلة السرية للإعلان عن اسلمة الشخصية والدخول في الاسلام ليكون من خلال هذا الاستهلال نقطة الانطلاق نحو المخيم وتوسيع فعل ( المواركة ) عبر ذكر الشخصيات وطرق التوصيل الى الحكاية.. ولهذا فان بنية الكتابة لا تعتمد على تلاحق الحدث للشخصية الواحدة ولا للفعل الدرامي المرتبط بالزمان بالمكان ولا لتفعيل ماهية الحكاية الكلية بقدر ما تعتمد على تداخل الاحداث والمهام والغايات، وهي تأتي مرة بطريقة التعاقب أو بطريقة القفز او التداخل وهي ثلاثية اللعبة التدوينية أيضا والتي تحتاج كما اسلفنا الى قدرة جيدة من قبل المتلقي العربي الذي قد يتهم انه يقرأ رواية مترجمة لولا ان الروائي يعيده الى الاصل المكاني في البصرة او العربي في المغرب وتونس وغيرها
إن الرسائل التي تعتمد عليها الحكاية في بث تفاصيلها تعد تكتيكا سرديا وليس حكائيا ولهذا تعد هي الانجح في التدوين لهكذا فكرة محملة بالعديد من القصديات فالرسائل هي العمود الفقري لثلاث قصديات.. التكنيك التدويني.. الاخبار عن العلاقة بين الشخصيات وترابطها عبر اختلاف الامكنة وتجميعها في بؤرة الشاشة او البريد الالكتروني.. بث القصدية العليا التي يريدها الروائي من خلال تفاعل المعلومة التاريخية والمتعلقة ( بالإسلام ) مع الواقع الذي يريده.. ولهذا فإن الإرسال والاستلام ظل محكوما هو الاخر بما يريده الروائي من راويه في الكثير من الاحيان ولكنه يأتي محكيا مرة على لسان الراوئي او على لسان الشخصيات او من خلال لسان الراوي عبر الشخصيات وهو ما يتوضح من خلال وجود السؤال الذي مستوى فلسفيا وهو سؤال افتعال وافعال يضخ عبر توسع الأماكن وهو ما يتوضح بشكل جلي حين يكون الروي بطريقة المتكلم حيث يتحول التكنيك الى لعبة سردية تهرب من تصاعدية الحدث الى تصاعدية الغاية والقصد ومحولة الاستغناء بما اجتهد من تأثير التاريخ الحقيقي حتى لا تتحول الرواية الى مدونة تحمل فعل الأرخنة التي يكتبها المنتصرون وهنا ان تحولت الى مدونة فأنها ستسقط في فخ القصدية التي يكتبها المؤدلجون والرواسي ازاح هذا الفعل من خلال تقاسم المستويات السردية التي تسيد عليها المستوى التحليلي ومن ثم الاخباري المشبع بالتصويري.. رغم ان الرواية ومنذ البدء حملت معلومات اريد لها ان تبث بطريقة ايضاح المعلومة كما هي معلومة ( الجنرال فرانكو) حيث وردت جملة تحليل تاريخي من وجهة نظر واحدة ( وما ارتكبه من مجازر وإبادات جماعية للشعب الاندلسي وللعديد من الشعوب في الامريكيتين، وآسيا وافريقيا كذلك، ويرى ان الاعتذار الملكي من اليهود أمر جيد لو انه شمل غيرهم، خاصة وأن ما تعرضوا له اقل بكثير مما تجرعه الاندلسيون وهنود المايا والأزتيك والآخرون ) ص13وهذا الاقتباس يكون هو ذاته على بقية ما يورد من معلومات.
إن الرواية تتمتع بقدر عال من اللغة المنسابة التي اريد لها ان تكون وفق ثلاث اتجاهات.. أن تكون متقاربة ما بين لسان الراوي والشخصيات وهي منطقة الروي الكلي.. أن تكون سلسة معبرة عن الفعل الخارجي للمفردة ليكون المتن السردي مشهديا يحمل مستواه الإخباري بشكل بسلس.. أن يكون الفعل اللغوي متصل بالقصدية الكلية التي أريد لها ان تنطلق من لحظة التفكير بالمخيم والتفاعل ما بين الإرسال والاستلام في الرسائل او المعلومات.. ولهذا فان اللغة في الرواية أوضحت ان الأهم هو تأسيس المكان أولا للفعل الذي تحمه الشخصية في فعلها الزماني زمن ثم الامعان في الفكرة القصدية والتقطيع في المتن السردي يحمل ثلاث غايات لغوية ..انها توصف الحالة التي تعيشها الشخصية.. انها تهدف الى قص شريط التواصل الأفقي والعمودي معا.. انها تهدف الى معاونة الحدثة التي يرمي إليها الروائي في نصه عبر تقطيع السرد.. وهذه المعاونة حملت معها غاياتها ايضا.. انها طريقة لاختصار الزمن في الفعل التاريخي.. انها تسرع بعملية الانتقال السريع من مكان الى آخر ومن راو الى آخر ومن فعل زمني الى أخر سواء عبر الاستدراك المعلوماتي أو عبر التذكير في الماضي.. انها غاية تكتيكية كي لا يمكن الامساك بالخلل التكتيكي الذي سيوجد لو انتهج البناء التصاعدي للفكرة ولهذا فأنه ايس الرائي اختار تداخ السرد القصصي والروائي وكذلك الشعري والمذكراتي.
إن الخلاصة التي يمكن استلامها في الرواية انها رواية حدث قصدي وابتعاد روتيني عن الروي وانها رواية ذات / داخل/ عام/ خارج ,. عبر استغلال فعل وجود ( المخيم) الذي كان مؤسسا بعد حادثة تاريخية وهو ما يعني الانتباه الى الجانب الواقعي في الرواية عبر تفعيل عنصر المخيلة الذي استلهمها الروائي لإنتاج رواية لا تدخل في باب التاريخ كأرخنة إلا إنها استلهمته كمعين مدوناتي لمدونة سردية.

زر الذهاب إلى الأعلى