عن هدم الأضرحة ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ

اجنادين نيوز / ANN

احمد عبد الحسين

بعض الاجتهادات المتعسّفة في الدين تقتل جوهره، تجرّده من الروحانية وتتركه أشلاءً، تجعله محض مدوّنات فقهية ليس إلا.
أخطر تلكم الاجتهادات هي التي تتخذ من نشدان “التوحيد” الخالص ذريعة لها، كالوهابية مثلاً فهي أجلى مظاهر هذه الاجتهادات الملتوية، ظلتْ مسكونة بخوف متأصلٍ من شركٍ تراه مبثوثاً في كلّ شيء، وهي تسعى إلى تصفيته.

بلغ تجريد “التوحيد” بهؤلاء حدّ مساواة التوحيد مع الذات الإلهية، فأصبح لديها الله هو التوحيد، والتوحيد هو الله، مع أن التوحيد فكرة بقدر عقولنا نحن عن شأنٍ واحد من شؤون الله الذي لا يُدرَك ولا يُحسّ ولا يُتصوّر ولا يقع عليه وهم أو خيال.

هذا الخلط الكارثيّ بين الله والتوحيد هو المسؤول الأول عن “الفوبيا” ـ الرهاب المرضي الذي يبديه الوهابيون ومَنْ شايعهم تجاه كلّ أثر مقدّس.

الشواخص الحسيّة التي تتقدّس بمنزلتها أو بقدسية من سكنها كانت على الدوام وفي الأديان كلّها مواضع لتنزّل ما هو روحاني من دون أنْ تكون بديلاً عن الله كما يخشى مرضى الرهاب، والتقرّب إليها واللوذ بها يتطامن والطبيعة الإنسانيّة التي يكون الحسيّ فيها مدخلاً لا بدّ منه لما هو روحانيّ، أو بتعبير أكابر العرفاء “الحسُّ عينُ الحقّ تعالى” أو قولهم “لا تكتمل النشأة الآخرة إلا بوجود الحسّ والمحسوس”.

الخائفون على التوحيد من الأضرحة لا يزالون في اللحظة التي كان المؤمنون فيها يرون صنماً في كلّ شاخصٍ لقرب عهدهم بالأصنام.

في اليومين الماضيين شهدنا دعوات من شيوخٍ صبيانٍ لهدم المراقد، هي تكرار للدعوات التي أطلقها “سليمان بن بليهد” قبل قرنين تقريباً، فحين هدمت الوهابية قبور الأئمة والصحابة وثار عليهم الناس وغضب العثمانيون احتاجوا فقيهاً يؤصّل لهم ويشرعن ما فعلوه فكان ابن بليهد رهن الإشارة.

الصبيان الشيوخ ألقي القبض عليهم أمس وأودعوا الحبس للتحقيق، لكنّ المشكلة التي بدأت بابن بليهد لن تنتهي معهم، وستثار مرة أخرى وأخرى ما دام هذا الفهم العاميّ الشائع الذي يساوي بين فكرة التوحيد والذات الإلهيّة، فهؤلاء لن ينقذهم أحد من أصنامهم لأنهم يحملونها في دواخلهم!

زر الذهاب إلى الأعلى