أيهما أهم في الموانئ الشهادة أم المهارة ؟

اجنادين نيوز / ANN

بقلم: كاظم فنجان الحمامي

توجهت الموانئ العالمية منذ زمن بعيد لجذب ذوي المهارات على نحو أكبر من الحاصلين على درجات تعليمية عليا. وكان الطلب في الموانئ العراقية يرتكز على المهارات بصورة أكبر من الشهادات. .
فعلى سبيل المثال لا الحصر نذكر ان مهنة (ربان المرفأ harbour pilot) تعتمد 100٪ على المهارة، وقوة الملاحظة، وسرعة الاستجابة في إتخاذ القرارات الحاسمة في التوقيت الصحيح، والكفاءة الذاتية في المناورة اللازمة لإتمام عمليات إرساء السفن العملاقة واقلاعها من وعلى الرصيف بمرونة وأمان، ومن دون التسبب بأية أضرار للسفينة أو الرصيف أو السفن الأخرى، وبالتالي فان المواهب المكتسبة في تحسين أداء ربان المرفأ تلعب دورها في الترجيح والمفاضلة، ولا دخل للشهادة في هذا المجال المهاري الضيق. .
وأذكر أيضا ان ربان المرفأ (عبد الله طعمة الجابري) كان في منتصف القرن الماضي مثار إعجاب كبار الملاحين الإنجليز وموضع ثقتهم، رغم انه لم يكمل دراسته المتوسطة، لكنه كان يتمتع بمواهب نادرة في العمليات المينائية. وكان الكولونيل (J. C. Ward)، وهو أول مدير عام للموانئ، يضع صورة ربان المرفأ (عبد الله حمزة) في واجهة مكتبه رغم تعليمه المتواضع، وذلك اعتزازاً به وتثميناً لقدراته الفائقة في الارساء والإقلاع. فالتقييم في هذه المهنة يعتمد بصورة أكبر على المهارات وليس على المؤهلات النظرية. .
فالموانئ العالمية تنصرف اليوم عن التركيز على الشهادات الجامعية كشرط للتوظيف، وتميل إلى ترجيح كفة الاهتمام بالمهارات علاوة على الشهادات، وهذا لا يعني إهمال المؤهلات الأكاديمية العليا، بل يشجع لاعطاء الأولوية للمهارات خصوصا في العمليات المينائية المحدودة الاختصاص والمحفوفة بالمخاطر، فالاختيار هنا للأفضل. .
*مربط الفرس* الذي احتجنا فيه لهذه المقدمة الاستهلالية الطويلة: ان الموانئ كانت ولا تزال منتجة للمهارات المينائية، ومصدّرة لها، وكان الكابتن (مثنى القرطاس)، والكابتن (فهمي السعدون) من خيرة الذين نالوا أعلى الدرجات في المرافئ السعودية، وكان الكابتن (عمر السعدون) من كبار العاملين في الموانئ البحرينية، وكان الكابتن (تحسين علوان) من أكفأ ربابنة المرفأ في موانئ دبي بالإمارات، والكابتن (جميل زورا يوسف) في طليعة الذين شهد لهم ميناء بريمن الألماني بالتقدير العالي، والكابتن (عصام عمسو) من الذين شهدت لهم الموانئ الامريكية. .
هؤلاء كلهم عملوا وتدربوا واكتسبوا المهارات في الموانئ العراقية، لكننا نجد اليوم نخبة كبيرة من الشباب الواعد، ومن خيرة ربابنة المرفأ العاملين الآن في الموانئ العراقية، توقفت اجراءات ترقيتهم، وحُجبت شهاداتهم الجدارية لأسباب نقابية بحتة، كونهم في الأصل من خريجي مركز التدريب المهني. واللافت للنظر ان الموانئ العراقية لازالت تضع ثقتها بهم، ولا تستطيع الاستغناء عنهم، وتكلفهم بالمهام الصعبة، لكن أصحاب الآفاق الضيقة حرموهم من أبسط استحقاقاتهم في الشهادة والترقية. .
وقديما قالوا: (*الما يعرف الصگر يشويه*). .

زر الذهاب إلى الأعلى