لاوتسى المعلم الأول ما بين المثالية والمادية!!

اجنادين نيوز / ANN

بقلم / احمد محمد علي.. عضو الإتحاد الدولي للصحفيين والإعلاميين والكتّاب العرب أصدقاء وحُلفاء الصين، الفرع العراقي..  باحث في الشأن الصيني… عضو تجمع الاشتراكيين التقدميين

نشأته وأفكارة:
يعد الحكيم الصيني لي ار الذي اشتهر باسم “لاوتسى” مؤسس الفلسفة الطاوية ذا تأثير كبير في نفوس أبناء الشرق الأقصى.
وقد قيل إنه ولد حوالي عام 604 ق.م، في محافظة هونان ونشأ في بيت فقير، وارتقى في المناصب، وعمل مسئولا في خزانة الكتب للأسرة تشو ” الملكية”.
تأثرت أفـكـاره كثيرا بالمهنـة الـتي كان يمتهنها والتي أتاحت له الفرصة الكاملة للإطلاع على كل ما كتب في شؤون السياسة، والمجتمع، وعلى أدق تفاصيل التاريخ القديم للبلاد وأيضا التاريخ المعاصر له، التي حفزت قدرته على معرفة وإدراك حجم المتغيرات التي حدثت في البلاد آنذاك.
ولمّا عاين تأزم الأوضاع في الصين والظروف الأليمة التي مر به الشعب الصيني؛ حاول إصلاح الاوضاع من خلال إقناع الناس بالعيش في وئام مع بعضهم البعض، ولكن حينما أدرك أخيرًا أنهم لن يستمعوا إليه أبدًا، تخلى عن نصح الناس،
وتغير رأيه في ظل تلك الأحوال الصعبة إلى أن تكون الحافز المؤثر في توجهه لرؤيـة خـلاص البشرية هي في الإبتعاد عن الحياة الإجتماعية والعمل الجماعي.

قدم لاوتسي فلسفة من الإندماج الروحي بين الانسان والطبيعة، وكان يدعو إلى تقبل التنوع، وليس قبول التنوع وحسب، وإنما يريد أن يُستمع له أيضا.

لاحظ لاو تسي أن ثمة طريقة أخرى يفقد البشر بها التوازن والطريق المستقيم، وهي حاجتهم للسيطرة على الآخرين. فبدلاً من أن يتركوا الآخرين يعيشون على وفق إيقاعهم الخاص، نراهم يتدخلون في شؤونهم باستمرار.
ويذكر لاوتسى مثالا على ذلك من أهمية التعلم من حياة النبات” لا أحد يملي على النباتات كيف تتصرف، فهي تتبع طبيعتها.”

هاجر المعلم إلى مكان يقع أقصى، جنوب الصين، حيث كانت النفوس تنزع إلى الانغماس في الذات.
فقد رأى أن العقل يضل الإنسان ويوصله إلـى الانغماس في الملذات المؤدية إلى معاناته، والخلاص ليس في إعمـال العقل والبحث في المعرفة، وإنما الخلاص والسعادة تكون في بساطة الحيـاة ورفض أي محاولة لإعمال العقل في تحسين الأوضـاع العامة والخاصـة.
والسعادة ليست موضوعية الوجـود في المجتمع؛ وإنما هي حالات يعيشها الإنسان عندما يستطيع التخلـص مـن الأنانية وتحكم الشهوات وذلك بالإنصياع إلى قيادة الطاو.

ما الذي نعني في الطاو؟

عند البحث عن أصل وجود كلمة الطاو في اللغة الصينية فتعني الطريق، تعنى طريقا وأسلوب عمـل، وقد استخدمها كنفوشيوس كمفهوم فلسفي یعنی الطريق الصحيح للعمل ـ أخلاقيا واجتماعيـا وسياسيا، ومع ذلك لم يكن معنى الطاو في نظر کنفوشيوس مفهوما ميتافيزيقيا عكس ما هو لدى لاوتسى عندما أدخل فيه عنصر الغيبيات.
اما الطاو عند لاوتسى فيعني أنه مبدأ الأشياء، وجوهرها وطبيعتها الذاتية و محركها، وقد ظهرت عليها ملامح روحانية توحي إلى أنها أقرب إلى الفلسفة الصوفية، وقد كانت مكتوبة بنفس شعري، لكنه لا يخرج في كل الأحوال عن مقتضى الكون والطبيعة الكونية.
فمثلا المتصوفون المسيحيون، والمسلمون ينشدون التقرب والوصول إلى الله، أما عند الطاويين فيصيرون على ضرورة أن يكونوا جزءا لا يتجزأ من الطبيعة.
رأى لاو تسى، أن الطاو سابق للسماء والأرض، فالطاو هو نقطة البداية والعودة لجميع الكائنات ، وهو يعطي مثلاً شارحاً ليبين أنه يمكن اعتبار الطاو مثل ” الأم للعالم ” ، ونقطة بداية لتنوع الوجود كله.
ووصفه «إنه غير ذي جسد! أزلاً وأبدا – طاو » سيظل عن الإدراك مطويا ، والمرة بعد المرة سيعود بك البحث عنه إلى؛ اللا شيء ! »
ويمكن القول إن الطاو أبدا خـالد، يستمر إلى الأبد ، وهو المصدر غير المرئي وغير المتغير لكل ماهو مرئي ومتغير هو شيء لا حد له ولا نهاية. ومع أنه غير ذي شكل، فإنه « تام من جميع الأوجه » ، كما أنه « يفيض في كل اتجاه » . وهو يقوم بوظيفته دون أية جهود نوعية.
إن الطاو هو الحقيقة الغائية للكل الكوني.

الديالكتيك الطاوي:
تميزت الطاوية بنوع من الجدلية، بسبب تركيزها على الثنائية الضدية؛ أي أن الشيء يمكن أن يتحول إلى نقيضه؛ فكل شيء قابل للتغير إلى النقيض، وأن التغيير أمر واقعي وعملي بشكل جدلي وهو ما يشترك كثيرا ويتشابة مع الديالكتيك لهيجل وماركس.

فمثلا ( العلاقة بين السالب والموجب والمؤنث والمذكر والبارد والساخن ، الخير والشر، الفرد والمجتمع) فإن الطاوية تتعامل معها باعتبارها ثنائية تكاملية الين واليانغ وتكون ثنائية انسجامية توليفية وإمكان اتحاد الأضداد واندماجها؛ بحيث لا يمكن أن يوجد طرف دون الطرف الآخر، فالليل لا معنى له دون النهار، والساخن دون البارد، هكذا تتجاور وتتوازن وتتكامل الأضداد في شكل جدلي لا غنى عنه.

وفيما يتعلق بمسألة الحياة والموت توافقت الطاوية مع صيرورة الطبيعة، والمثال على ذلك أن ” لاو تسى ” يرى أن تناوب الحياة والموت هو قانون طبيعي، وأن على الإنسان أن يقبل الموت مثلما قبل الحياة،
فليس الموت إلا مظهرا للوجود، مثله مثل الحياة. إنه استبدال صورة من صور الوجود بصورة أخرى، إذ يقول الطاوي شوانغ تسو : « الحياة والموت شيء واحد ، وكذلك الصواب والخطأ ، وهذا هو الإنسان من قيوده وأغلاله »

أسس لاوتسى إطار الإدراك “” الحدسي”
إذ كان الفكر الديالكتيكي البسيط لديه ذا قيمة كبيرة في العصور القديمة، ولعب دورًا إيجابيًا في تعزيز تطور الإدراك البشري.

المساهمة في الثقافة الصينية:
إن مساهمة الطاوية في الثقافة الصينية، لا تقل أهمية عن مساهمة الكونفوشيوسية ثقافيا أو فلسفيا، ولكن فيما يتعلق بالتفكير السياسي كانت أقل تاثيرا لأنها أقرب إلى المثالية والفردانية.

وختاما، يمكننا أن نقول أنه لا يمكن اختصار أفكار لاوتسى في صفحة أو عدة صفحات، لكنني حاولت أن أبسيط المفاهيم واختصرها حسب الاستطاعة.

ولكن في النهاية، يجب عن نذكر أن أفكار كونفوشيوس ولاوتسى مثل نهرين يجتمعان ويندفعان ويتدفقان في دماء الصينيين.

زر الذهاب إلى الأعلى