الصين في ذكرى الانتصار الثمانين: ذاكرة حرب ورسائل إلى المستقبل

اجنادين نيوز / ANN
بقلم/ عامر جاسم العيداني
عضو الاتحاد الدولي للصحفيين والإعلاميين اصدقاء وحلفاء الصين / فرع العراق
في صباحٍ مهيب بدت العاصمة بكين وكأنها تعود ثمانية عقود إلى الوراء لتستحضر لحظة الانتصار الشعبي على اليابان والفاشية في الحرب العالمية الثانية ، غير أنّ الاحتفال لم يكن مجرد استذكار لماضٍ بعيد بل بدا لوحة سياسية وعسكرية متكاملة أرادت من خلالها الصين أن تقول للعالم إنّها تملك من القوة والحضور ما يجعلها شريكاً أساسياً في صياغة المستقبل.
أبهر العرض العسكري الحضور داخل الصين وخارجها ليس فقط بضخامته بل بما حمله من رمزية واضحة حيث صفوف الجنود، الانضباط الدقيق، والتحليق المتناغم للطائرات في سماء بكين كلها جسدت صورة الصين الجديدة لدولة تجمع بين التاريخ العريق والطموح المعاصر وكان المشهد رسالة بصرية تؤكد أن بكين لا تكتفي بالاقتصاد العملاق بل تمتلك قوة الدولة المنظمة والواثقة.
على هامش الاحتفال شهدت بكين سلسلة لقاءات بين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ورئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي إضافة إلى حضور الزعيم الكوري الشمالي والرئيس الإيراني ، هذا المشهد لم يكن عادياً إذ أظهر شبكة متنامية من الشراكات والتحالفات تتشكل بعيداً عن الغرب وتمنح الصين موقع القلب في عالم يميل أكثر فأكثر نحو التعددية القطبية.
لم يكن الحفل موجهاً إلى الداخل الصيني فحسب بل حمل رسائل واضحة للخارج منها الولايات المتحدة وحلفاؤها في آسيا والمحيط الهادئ كانوا المتلقي الأول ، فالصين أرادت أن تؤكد أنها حاضرة بقوة وقادرة على حماية سيادتها وصاحبة كلمة في قضايا الأمن الإقليمي والدولي. الرسالة جاءت هادئة في مظهرها لكنها حازمة في مضمونها في زمن الانفراد بالهيمنة الذي يقترب من نهايته.
بالنسبة للمنطقة العربية وخاصة الشرق الأوسط حيث تكتسب هذه الاحتفالات بعداً إضافياً ، فالصين التي تستعرض قوتها وتوسع تحالفاتها مع روسيا وإيران والهند تضع نفسها أيضاً شريكاً محتملاً لدول تبحث عن توازن في علاقاتها الدولية ومع تعاظم حضور بكين في ملفات الطاقة والبنية التحتية والاستثمار يبدو أن العالم العربي سيكون جزءاً من فضاء أوسع تتداخل فيه المصالح مع آسيا الصاعدة.
هكذا لم تكن الذكرى الثمانون لانتصار الصين على اليابان مجرد مناسبة لإحياء ذكرى وطنية بل إعلاناً صامتاً عن ولادة مرحلة جديدة وبين العرض العسكري المهيب واللقاءات السياسية البارزة قدمت بكين روايتها الخاصة “ماضٍ لا يُنسى، حاضر واثق ومستقبل تصرّ على أن تكون أحد أعمدته الرئيسية” .